السلام مع إسرائيل ربح أم خسارة للعرب...؟
د.هاني العقاد
لا يبدو واضحا أن إسرائيل تسعي لصنع السلام العادل مع العرب , ولا يبدو أن إسرائيل غيرت في مشروعها الصهيوني التوسعي ولو القليل بل العكس فإنها تستخدم اليوم الأساليب التي تزيد من الممارسات التي تؤكد مضيها قدما في مشروعها العنصري وبالتالي ممارسة العنصرية بكافة أشكالها وتتدرج فيها يوما بعد يوم نحو التصعيد , ولا يبدو أن إسرائيل تريد أن تفاوض على أساس الأرض مقابل السلام ولا على أساس مبادرة السلام العربية ولا على أساس قرارات الأمم المتحدة الصادرة بشأن إنهاء الصراع وحل كافة قضاياه وإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس, ما هو واضحا حتى الآن أن إسرائيل أجبرت على التفاوض مع الفلسطينيين وهي تفاوض بلا رغبة حقيقية في التفاوض الجاد الذي يوصل إلى حل نهائي وتاريخي عادل للصراع الطويل , لذا فإننا نفهم من أسلوب إسرائيل في التفاوض والعمل على عكس ما ستؤدي إليه المفاوضات على الأرض أن إسرائيل تحاول وبكل السبل خلق واقع مفروض على الأرض يحتم على العرب القبول به والقبول بالسلام حسب رؤية إسرائيل المبنى على يهودية دولة إسرائيل وساعتها تحسب إسرائيل مكاسبها المضاعفة من هذا السلام ويعاني الفلسطينيين إلى الأبد من ضياع الكثير من الحقوق المشروعة .
لقد حدد الفلسطينيين معايير السلام العادل واعتقد أنهم دون تلك المعايير لم ولن يوقعوا أي سلام يتيح لإسرائيل جني أرباح مجانية كبيرة في العملية السلمية والتي على أساسها سوف تنطلق تطبع مع أكثر من 35 دولة عربية ,وأول هذه المعايير تحدد دولة فلسطينية على حدود العام 1967 مع تبادل أراضي بنسبة من 1- 3% فقط , وان دولتهم هذه مستقلة كاملة السيادة قابلة للتطور والنمو مرتبطة اقتصاديا من العالم العربي والعالم الخارجي دون حاجة لإسرائيل, وان دولتهم هذه لا تقوم إلا بحل عادل لقضي اللاجئين وعودتهم لديارهم وأرضهم التي سلبت وتعويضهم عن حقوقهم التي نهبت لأكثر من ستة عقود ومازالت , وان دولتهم لا يمكن قبولها عربيا ولا فلسطينينا إلا بالقدس الشرقية عاصمة أبدية, وان دولتهم لا يمكن قبولها في ظل أي تواجد استيطاني ولو مؤقت ضمن أراضيها, وهذه المعاير بالطبع نقلت للأخوة العرب جميعا دون استثناء في اجتماع لجنة المراقبة العربية والتي اعتمدها الرئيس أبو مازن منذ توليه رئاسة السلطة للتشاور والتحاور حول مستجدات الصراع وقضاياه .
إن تحققت هذه المعاير كاملة للسلام مع إسرائيل فأننا نقول أن العرب استطاعوا أن يوقفوا خسارتهم التي تتضاعف يوما بعد يوم جراء بقاء إسرائيل متفردة في حلولها على الأرض وسرقة الأراضي الفلسطينية وتهويدها دون قوة توقفها كانت فلسطينية أو عربية أو دولية ,وان نقصت ولو بتحريف واحد في المعايير أو اختلال تحقق معيار واحد أو جزء منه تحت مزاعم امن إسرائيل فان هذا النقصان يعنى خسارة تضاف إلى الخسارة المستمرة من عدم مواجه الاحتلال بالطرق المتاحة ووقف احتلاله لأراضي الفلسطينيين ونهبها ,مع هذه الخسارة سيختل عامل تحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة وقد تدخل المنطقة في صراع جديد وهذا ما تحاول إسرائيل فعله في المفاوضات ليدوم الصراع وتبقي هي الكيان القوي المهدد لكل دول المنطقة , لهذا تعتبر إسرائيل نفسها خاسرة لو تحققت جميع هذه المعاير للفلسطينيين ,حتى لو تم التطبيع الاقتصادي والسياسي معها بعد الإقرار بالحقوق الفلسطينية التي بنيت عليها هذه المعايير, وفي المقابل فان العرب والفلسطينيين لن يقبلوا بأي ضغط كان من قبل أي قوي كالولايات المتحدة الأمريكية ليتنازل الفلسطينيين حتى لو بتوصيات عربية عن أي من الحقوق التي جاءت في المعاير السابقة وقبولهم يعتبر خسارة سوق تجر خسارات وبالتالي سيبقي السلام دون المعايير المطلوبة وحينها سيولد صراع جديد قد يستمر لعشرات العقود تدخل إسرائيل فيه حروب جديدة يجر ويلات جديدة على شعوب المنطقة بأسرها والفلسطينيين بشكل خاص .
لقد تنازل العرب وخسر العرب حدود العام 1948 أي خطوط الهدنة لدولة فلسطينية عربية متواصلة الأطراف بعيدة عن أي استيطان على أرضها عندما اعتبر قرار التقسيم قرارا باطلا وسعت الدول التي تبنت القرار لإقامة إسرائيل ومنحها كل عوامل الحياة والقوة ,ومع هذا التنازل تقدمت إسرائيل وشنت حرب شاملة لتمحو خطوط الهدنة وتخلق واقعا جديدا للصراع يتطلب أن يبحث العرب عن اتفاق ضمن الحدود الوهمية المسماة 1967, وتنازل العرب عندما قدموا مبادرة السلام العربية وخسروا معايير هامة للسلام أولها أن العرب أنفسهم اقروا بحدود صنعتها إسرائيل وليس المجتمع الدولي وهذا ربح لإسرائيل إلا أنها لم تقنع بهذا الربح بعد وتريد المزيد من الأرباح عبر اعتراف العرب بدولة يهودية وحيدة القومية والديانة وعبر الإقرار بحدود جديدة ليست حتى حدود العام 1967 , بل أنها حدود صنعتها بواقع الجدار العازل , مع السماح بعودة اللاجئين الفلسطينيين للدولة الفلسطينية دون تعويضهم , هكذا نقول أن إسرائيل هي الرابحة في معادلة الصراع وربحها هذا تحققه بطرق غير شرعية وغير قانونية حتى اللحظة وتعتبر أمرا واقعا , وهي التي تقف أرباحها مع معادلة السلام حسب المعايير الفلسطينية والثوابت إن قبلت بتحقيق هذه المعايير ضمن اتفاق تاريخي ينهي الصراع , وتبقي أرباح الفلسطينيين والعرب أنهم استطاعوا وقف تدهور خسارتهم بسبب عجزهم عن مواجهة توسع إسرائيل في الأرض الفلسطينية وسرقتها.