من التجنّي الصارخ على الإسلام توظيفه في تصفية حسابات سياسوية وحزبية من خلال حملة انتخابية قبل الأوان
في ظرف ارتفاع حمى حملة انتخابية قبل حلول أوانها في بلادنا بسبب ما طرأ على لعبة التصويت والذي سمي قاسما انتخابيا وهو في الحقيقة لا يمت بصلة إلى الممارسة الديمقراطية لأنه في نظر من رفضوه مجرد مناورة محبوكة لتضليل الرأي العام لحاجة في نفوس واضعيه لم تعد خافية على أحد ، كثر لغط التراشق بالتهم بين المتهافتين على خوض غمار الانتخابات القادمة ، وانقسموا إلى تيارين : تيار يرى مصلحته في هذا القاسم الانتخابي ، وآخر يرى أنه يستهدف المسار الديمقراطي في الصميم وهو لم يراوح بعد فترة التجربة الفتية التي لم تبلغ بعد ما كان يرجى لها من نضج واكتمال .
وفي خضم هذا الجدل الساخن بين التيارين ، لوحظ مؤخرا ظهور مقالات على صفحات بعض المواقع الرقمية يخوض أصحابها في هذا الموضوع إما بشكل صريح أو بشكل ضمني يتعرضون فيها لما يمكن اعتباره تجنّيا صارخا على الإسلام من خلال إقحامه في حملة انتخابية قبل الأوان، وذلك من خلال تناول موضوع سلوكات بعض المحسوبين عليه التي تعتبر متعارضة مع تعليماته ،علما بأن الذين أثاروا هذا الموضوع متموقعون في خانة إيديولوجية معلومة الخلاف مع الإسلام ، و لا تدل أقوالهم ولا أفعالهم ولا مواقفهم على أنهم من المنتسبين إليه على وجه الحقيقة، ولا هم أصحاب غيرة عليه بل لا يدخرون جهدا في انتقاده بطرق مكشوفة أو ملتوية كلما تعرضوا للخلاف مع بعض خصومهم السياسيين المحسوبين عليه.
ومع أنه لا غرابة في احتمال وقوع بعض المحسوبين على الإسلام في مخالفة بعض تعاليمه سواء ممن يتعمّدون ذلك أو ممن لا يتعمدونه لأن الخطيئة مكتوبة على بني آدم كما كتبت على أبيهم آدم عليه السلام ، وأن الأخطاء لا يمكن أن تخرج أحدا من حظيرة الإسلام إلا إذا خرج منها هو بمحض إرادته معبرا صراحة عن ذلك بقول أو بفعل أو بموقف يصدر عنه . ومع أن الإسلام حجة على من ينتسبون إليه دون أن يكونوا هم حجة عليه ، فإن الذين يستهدفونه انتصارا لأهوائهم الإيديولوجية المختلفة عن تعاليمه يصرون على أن في نسبة ما يقع من أخطاء المحسوبين عليه المخالفة لتعاليمه دليلا على تجاوز البشرية له كمنهاج حياة . ولا يقف هؤلاء عند حد انتقاد خصومهم السياسيين ممن يعاصرونهم من المحسوبين عليه بل تمد ألسنتهم بالنقد اللاذع إلى السلف الصالح من صحابة، وأئمة التابعين، وعلماء الأمة عبر عصور خلت زاعمين أنهم يستدركون عليهم ما يصفونهم بسوء فهمهم له أو بوقوعهم في أخطاء مخالفة لتعاليمه وهم بذلك يعتبرون أنفسهم أعلم منهم بالإسلام ، وأصوب منهم في فهمه مع أنهم في الحقيقة لا يتعلقون بغبارهم ،و لهم يملكون أدلة على ما يدعونه ويزعمون كبرياء منهم وتطاولا وغرورا . ولقد أصبح كل التراث الإسلامي بالنسبة إليهم مردودا ، ولم يقف شكهم وتشكيكهم فيه عند حد النيل من علم العلماء بل امتد إلى النصوص المقدسة نفسها سنة وقرآنا .
ومن نماذج التجني على الإسلام تعمد الإيهام إما تصريحا أو تلميحا بأن تعاليمه فوق الواقع أو غير واقعية أو بعبارة أخرى غير قابلة للتنزيل والأجرأة لمجرد أنهم هم غير منضبطين لها بسبب قناعاتهم الإيديولوجية المخالفة لتعاليمه ، ويستدلون على ذلك بما يقع من أخطاء بعض المحسوبين عليه والتي نسوق منها كمثال ما ذكره أحدهم في مقال له لا زال منشورا على موقع هسبريس في عمود " كتاب وآراء " بعنوان : " فضائح الإسلامويين لماذا لا تنتهي ؟ " حيث نسب وقوع دعاة في خطيئة الزنا ،وذكر منهم صهر الإمام الحسن البنا وحفيده ، ومن ثم عمم ذلك على غيرهما قاصدا خصومه السياسيين في المغرب ، ورابطا بينهم وبين من كانوا في بيئة غير البيئة المغربية ،ولا يربط فيما بينهم انتماء جماعاتي أو حزبي بل القاسم المشترك بينهم هو اعتماد المرجعية الإسلامية كل حسب تصوره وظروف بيئته إلا أن خصومهم اعتادوا الإصرار على أنهم من نفس التيار الذي تلصق به تهم كالتطرف والإرهاب والتكفير وعدم التسامح ... وغير ذلك من أنواع الاتهام والتخوين والشيطنة .
وبتعبير فيه وقاحة صارخة اعتبر صاحب المقال المدعو يوسف الريحاني من صوتوا على الحزب ذي المرجعية الإسلامية في المغرب " قطيعا " قائلا بالحرف الواحد :
(( الإسلامويون الذين ارتدوا معطف الديمقراطية وحملوا لواءها بعدما سمنوا حصتهم من القطيع، الذي سيضمن لهم بقاء مريحا في السلطة كما كانوا يتوهمون (طبعا قبل تعديل قانون القاسم المشترك الذي عصف بأوهامهم )، هم الذين يغتصبون عرش السياسة بالادعاء الأخلاقي، ويقوضون مبدأ الديمقراطية بتعطيلهم للعقل لصالح سلطة المنبر..يا للعقل الخبيث.. إنه يكشف دوما ما وراء الأكمه.
سر انحرافات الإسلامويين لا يكمن في ممارسة شادة لبعض أعضائهم، وإنما هو كامن في أصول أفكارهم؛ هم ببساطة ضحايا مفهومهم للأخلاق القائم على المفارقة بين الادعاء النظري والتطبيق العملي، ما يجعل تجاربهم الذاتية في الحياة في منتهى الفقر.. بلا أي إبداع يذكر؛ والسياسة نفسها لا تسلم لديهم من هذا الخلل، والدليل فشلهم في تأسيس حزب بالمعنى الحديث للكلمة..لا تغرنكم تسميات: الفضيلة/ العدالة/ الحرية/ التنمية/ الإحسان..فهي ليست أحزابا بل تسميات لأشباح تقف من ورائها دوما جماعة دعوية هي المؤسس والمدبر، هي مهندس القاعدة الجماهيرية التي تقترع امتثالا لأوامر المنابر، والحاشد للقطيع تحت منصة المرشد باسم الادعاء الأخلاقي)).
وواضح من كلامه أنه لا يقف عند حد اتهامه خصومه السياسيين بل يتخطى ذلك إلى ما سماه " أصول أفكارهم " التي يقصد بها الإسلام تحديدا ، وهو يشير إلى ما وصفه بالمفارقة بين الإدعاء النظري لتعاليمه والتطبيق العملي لها، والذي أشرنا إليه بأنه عبارة عن محاولة لإقامة الحجة على لا واقعية تطبيق تعاليم الإسلام انطلاقا من وقوع بعض المحسوبين عليه فيما يتعارض مع تعاليمه .
وبهذا الكلام يكون صاحب المقال قد رمى عصفورين بحجر كما يقال حيث نال من خصومه الإسلاميين ،وهو يعبر عن هذه الخصومة باستعمال لفظة إسلامويين عوض إسلاميين، كما نال من الإسلام نفسه لأنه يمثل أصول أفكارهم.
والفضائح الأخلاقية التي نسبها لخصومه الإسلاميين لا تعتبر من منظور التوجه العلماني فضائح بل هي عند أصحابه مطالب مشروعة بالنسبة إليهم يعبرون عنها بالعلاقة الجنسية الرضائية والمثلية ، ولكنها بالنسبة للإسلاميين فضائح . ولقد تعودنا على إقامة العلمانيين عندنا الدنيا دون إقعادها عندما يتعلق الأمر بفضيحة أخلاقية تنسب لمنتسب إلى تيار إسلامي، ولكنهم لا يتحرك لهم ساكن عندما يتعلق الأمر بنفس الفضيحة حين تنسب إلى منتسب لتيارهم ،لأن ما يحل لهم هو محرم على خصومهم الإسلاميين ، وبه تقام عليهم الحجة بفسادهم الأخلاقي مع أن الفساد الأخلاقي واحد مهما كان انتماء المفسد .
وأنهي صاحب المقال مقاله بما سماه ملحوظة وهو كما يلي :
(( وأنا أنهي هذا المقال، كانت الصدمة سيدة المشهد في مصر بسبب حادثة السيدة المطلقة التي استقبلت رجلا في بيتها، فما كان من صاحب العمارة وقاطنيها سوى أن اقتحموا الشقة وأبرحوا الزائر ضربا، فيما طوحوا بالسيدة من الشرفة… عاقبوا الذكر لوقوعه في الغواية، وقتلوا المرأة لأنها الغاوية..أليس هذا طارئا على مصر التي وأد إسلامويوها أنوار طه حسين؛ بعد تهجير العقل مع نصر حامد أبو زيد، واغتيال الشغب الفكري مع فرج فودة، وترهيب النخبة بعد نحر نجيب محفوظ في الشارع العام؟..
قد يكون المصير نفسه في انتظارنا، وعلامات ذلك بدأت تظهر جليا في الهوامش، وقد تكتسح مستقبلا مساحات جديدة إذا لم توقف استحقاقات 2021 المقبلة هذه الملهاة، وترسم لها قوس النهاية))
وبهذه الملحوظة كشف صاحبنا عن توجهه الإيديولوجي والأخلاقي ، وهي بمثابة شاهد على مساهمته في حملة انتخابية قبل الأوان يراد به حشر الإسلام في موضوع تصفية حسابات سياسوية وانتخابية .
وهذا الذي نشره صاحب المقال إنما هو غيض من فيض مما ينشر يوميا على مواقع رقمية ،وهو يدخل في إطار حملة انتخابية قبل الأوان، والله أعلم بما ستكون عليه إذا حان أوانها .
وسوم: العدد 920