الخاطرة ٢٨٨ : علم الجمال في نقد مسلسل لعبة نيوتن
خواطر من الكون المجاور
عندما علمت بوجود مسلسل رمضاني يحمل عنوان ( لعبة نيوتن ) شعرت بلهفة لرؤية ومتابعة حلقات هذا المسلسل ، فإسحاق نيوتن له مكانة خاصة في قلبي وفكري ، ولكن بعد متابعة الحلقات الأولى من المسلسل شعرت بخيبة أمل شديدة فالفكرة التي يتم عليها تطور أحداث المسلسل كانت مجرد تشويه لمفهوم قانون الحركة الذي قصده اسحاق نيوتن . وحتى نوضح هذه الفكرة بشكل أفضل لابد في البداية من شرح حقيقة مفهوم الحركة كمفهوم عام كما قصدها العالم إسحاق نيوتن .
إسحاق نيوتن ( ١٦٤٢ - ١٧٢٧) يُعد من أبرز علماء الفيزياء والرياضيات عبر العصور وهو أحد الرموز الهامة في عصر النهضة الأوربية . فكتابه الأصول الرياضية في الفلسفة الطبيعية يعتبر أساسا لمعظم مبادئ حركة الأجسام ، حيث يشرح فيه أنواع القوى الواقعة على الجسم وحركته في فضاء إقليدي ثلاثي الأبعاد فحاول صياغة هذه العلاقة بين القوى ضمن قوانين فيزيائية بحيث تسمح باستنتاج سير الحركة المستقبلية على أساس معرفة الظروف الابتدائية .
تامر محسن مؤلف ومخرج المسلسل وضع هذا المفهوم لحركة الأجسام بمعناه المادي في مقدمة كل حلقة بشكل رمزي : الكرات المعدنية المعلقة حيث حركة الكرة الأولى تؤدي إلى حركة الكرة الأخيرة والمعروفة بأسم (مهد نيوتن) ، وكذلك في أحجار الدومينو المنتصبة حيث سقوط الحجر الأول ينتج عنه حركة مستمرة تؤدي بشكل تدريجي إلى سقوط جميع الأحجار . ولكن إسحاق نيوتن لم يتكلم عن قوى مادية تؤدي كنتيجة إلى حركة نحو مستقبل عشوائي ، فرغم أن إسحاق نيوتن كان عالم رياضيات وفيزياء ولكن كان له أيضا دراسات عديدة في مجالات روحية حاول من خلالها الحصول على رؤية شاملة (مادية وروحية) لمفهوم قانون الحركة ليأخذ معناه الفلسفي. فقد قضى أوقاتًا طويلة في دراسة تأريخ العهد القديم فهو الذي حدد تاريخ ميلاد عيسى عليه السلام بأنه قد حصل في العام الرابع قبل الميلاد وليس في بداية العام الأول كما كان الإعتقاد في ذلك الوقت، وكذلك قام بتأليف كتاب يحمل عنوان (التسلسل الزمني للممالك القديمة) . فدراسة نيوتن للنصوص المقدسة لم تكن عبثية ولكنها كانت محاولة في فهم فلسفة الحركة الكونية من خلال تأثير الحركة وانتقالها ليس فقط على الأجسام المادية ولكن أيضا على الحركة الفكرية التي أدت إلى تطور الإنسانية والحضارات . لهذا فمفهوم الحركة عند إسحاق نيوتن لم يكن مفهوم مادي (فيزيائي ورياضي) فقط كما يتكلم عنه علماء الفيزياء ولكن كان مفهوم شامل روحي ومادي يُبين لنا من خلاله عن وجود نوعين من القوى العالمية : قوى روح السوء العالمية التي تحاول أن تدفع الأمور نحو الفوضى والعشوائية ، وقوى روح الخير العالمية التي كانت تنتصر باستمرار لتسيطر على الحركة بجميع أنواعها وهي التي ساهمت في تحويل الكون من الفوضى إلى التناغم والإنسجام ، ومن البسيط إلى المعقد ، ومن القبيح العشوائي في إتحاد عناصره إلى الجميل المنسجم في إتحاد عناصره . فمفهوم الحركة في تطور الكون عند إسحاق نيوتن قد تمت بسبب إنتصار قوى روح الخير العالمية والتي كانت نتيجتها ولادة الإنسان وظهور الكتابة وظهور الحضارات . فالحركة عند إسحاق نيوتن تتجه نحو الأرقى كي تدفع تطور المجتمع الإنساني نحو الكمال . وهذا هو ما قصده إسحاق نيوتن .
تامر محسن مؤلف ومخرج مسلسل لعبة نيوتن كونه فنان يقوم بصنع أعمال فنية وجب عليه أن يعتمد على المفهوم الفلسفي للحركة عند نيوتن في التأثير على مجرى أحداث القصة ، ولكنه اعتمد فقط على قوى روح السوء العالمية للحركة وبشكل يناقض تماما مفهوم الحركة عند إسحاق نيوتن . فمن يتابع حلقات المسلسل سيجد أن القوى التي تؤثر في مجرى أحداثه جميعها تحت سيطرة روح السوء وكأن روح الخير لا وجود لها في عالم مسلسله . ولكن حتى يتم توضيح هذه الفكرة بشكل أفضل لا بد هنا أن نذكر ملخص سريع جدا عن قصة المسلسل :
" هناء زيتون (منى زكي) " إمرأة تعاني من سوء سلوك زوجها حازم إبراهيم (محمد ممدوح) الذي يجعلها تشعر دوما وكأنها كائن ضعيف بلا شخصية حيث يفرض عليها آرائه ويجعلها تشعر باستمرار بأن تصرفاتها ساذجة و ليست لديها خبرة في الحياة . فتحاول هناء أن تثبت له أنها كائن بشخصية قوية وأنها تستطيع مواجهة الأمور الصعبة وتدبير أمورها أفضل منه . فعندما تحمل تحاول إقناع زوجها بالسفر إلى أمريكا لتلد هناك ليأخذ طفلها الجنسية الأمريكية ، وبعد إلحاح شديد يقتنع زوجها بالفكرة فتسافر بمفردها إلى أمريكا على أمل أن يلحق بها بعد أيام قليلة، ولكن الظروف تمنعه من السفر .أحداث المسلسل تدور حول محاولات هناء في إثبات أن المرأة ليست كائن ساذج وأنها تستطيع إدارة الأمور على أحسن مايرام.
كنظرة عامة للخطوط العريضة لموضوع المسلسل نستطيع أن نقول بأنه موضوع إجتماعي جيد ومناسب لتحويله إلى مسلسل يشاهده سكان المجتمعات العربية ، فهو يتكلم عن مشكلة كبيرة تعاني منها المرأة في المجتمع العربي حيث الرجل ينظر إلى نفسه وكأنه هو فقط رب البيت وأن المرأة بالنسبة له هي كائن ضعيف وساذج . أيضا القصة تتكلم عن مشكلة هامة أخرى تعاني منها معظم الشعوب العربية ، حيث جواز السفر لكثير من الدول العربية يندرج في أسفل القائمة العالمية لجوازات السفر ، فمكانة الإنسان العربي عالميا وللأسف أصبحت في حالة يرثى لها فعدد الدول التي تسمح لجوازات السفر العربية هذه بدخولها إلى بلادها أصبحت تُعد على الأصابع .
ولكن المشكلة في مسلسل لعبة نيوتن أن أسلوب صياغة بناء أحداث هذا الموضوع تم بطريقة خاطئة تماما، فبدلا من أن يعالج هاتين المشكلتين ساهم في تعقيدها وتضخيمها بسبب جهل مؤلف القصة بمبادئ علم الجمال والتي تعتبر أساسا لصناعة العمل الفني ، وكذلك بسبب تشويه مفهوم قانون الحركة الذي قصده إسحاق نيوتن ، مما أعطى نتيجة معاكسة تماما لهدف المسلسل .
وسنحاول هنا ذكر بعض التفاصيل عن تلك الأخطاء الفادحة التي إرتكبها مسلسل لعبة نيوتن :
- حتى يتم فهم أكبر خطأ قام به (تامر محسن) مؤلف ومخرج المسلسل لابد أن نقوم بمقارنة توضح لنا نوعية الإختلاف في طريقة التعبير الروحي بين رؤية الفنان الحقيقي ورؤية الفنان المزيف .
الفنان الإيطالي رافائيل (١٤٨٣-١٥٢٠) عندما أراد أن يساهم في رفع مكانة المرأة في المجتمع ، ذهب إلى إحدى القرى واختار فتاة من سكان القرية لتكون موديلا للوحته . عندما تمعن رافائيل فيها رأى ثيابها البالية بألوانها الباهتة بسبب الغبار ومرور الزمن عليها ، رأى يديها الخشنة بسبب الأعمال القاسية اليومية التي تقوم بها في الحقل والبيت ، رأى في ملامح وجهها شكوى روحها من نظام المجتمع الذي ظلمها ولم يراعى أنوثتها وجسدها الضعيف الغير مناسب لهذا النوع من الحياة . رافائيل رأى كل هذه الأشياء وبدلا من أن يكون واقعيا ويرسم ما رأته عيناه بدقة ، رسم ثيابها كما هي ولكن بألوان زاهيه تسر الناظرين ، ورسم أيدي ناعمة صغيرة وجميلة ، ورسم وجهها كما هو ولكن بملامح جميلة وكأنها أميرة وأن كل شيء من حولها يحبها ويحترمها . عندما انتهى من اللوحة تجمع سكان القرية وشاهدوا اللوحة ، تأثر جميعهم بها ، النساء شعرن بأن الله خلقهم في أحسن صوره ولكن قوانين المجتمع هي التي ظلمتهن ، الرجال أيضا شعروا بذنبهم لأنهم أهملوا حقوق زوجاتهم وبناتهم فجعلوهن يعملون معهم وكأنهن رجالا عبيد عندهم . هذه اللوحة أيقظت الضمير الإنساني في نفوس جميع المشاهدين . هذا النوع من التعبير الروحي أخذه رافائيل من ليوناردو دافينشي ، هذا التعبير الروحي إنتقل إلى شكسبير ليكتب مسرحياته الخالدة ، وانتقل إلى بيتهوفن ليؤلف سيمفونياته التي تجعل الروح تحلق في السماء ، وانتقل إلى ليو تولستوي ليكتب رواياته عن المحبة والسلام . جميع الفنانين الذين أعمالهم ساهمت في وضع قوانين إجتماعية تضمن حقوق الإنسان وحقوق المرأة في الدول الغربية والتي يحلم الكثير من معظم الشعوب العربية أن تُطبق في بلادهم كي لا يضطروا إلى الهجرة للحصول على جواز سفر له قيمته في دول العالم ، جميع هؤلاء الفنانين استخدموا حب الجمال في التعبير الروحي في أعمالهم الفنية الذي يوقظ الضمير الإنساني ليجعل الإنسان يشعر بأن الإنسان مخلوق جميل وراقي ويستحق أن يكون له مكانة عالية في قوانين الدولة .
بينما المؤلف والمخرج (تامر محسن) في مسلسله لعبة نيوتن استخدم تعبير روحي مناقض تماما لذلك التعبير الذي تحدثنا عنه ، فاخترع من عقله شخصية غير مناسبة نهائيا لتكون هي بطلة مسلسله . فرغم أن هناء (منى زكي) بطلة المسلسل عمرها حوالي ٣٥ عام ومثقفة تحمل شهادة ماجستير في العلوم الزراعية ، ولكن تصرفاتها وردود فعلها كانت تجعلها تبدو وكأنها أغبى وأقل خبرة في ادارة الأمور اليومية من أي فتاة أمية قروية . غباؤها هذا وسوء تصرفها يجعل الأمور تسير من السيء إلى الأسوأ فهي نفسها في نهاية المسلسل تعترف بأنها تصرفت بغباء شديد. فشخصية هناء (منى زكي) بدلا من أن تجعل المشاهد يشعر نحوها بنوع من التعاطف ، حدث العكس تماما بحيث جعلته يشعر بالإنزعاج والإرهاق العصبي من سوء ردود فعلها التي ساهمت في تطور الأحداث لتسير أمورها نحو الأسوأ باستمرار .
المؤلف والمخرج (تامر محسن) خلق من عقله شخصيات لها ردود فعل غبية وشريرة وجعلها أبطالا لقصته ، فمعظم شخصيات القصة يساهمون في دفع حركة تطور الأحداث نحو الأسوأ باستمرار وكأنهم أبناء الشيطان وليسوا أبناء آدم ، فحتى الأمهات في المسلسل يتصرفن وكأنهن أعداء لأبنائهن ، وكأن العالم بأكمله لا يوجد به إنسان عاقل يملك قلبا طيبا ليتدخل كي يؤثر في تغيير جهة حركة الأحداث .في الحلقة (١٠) -مثلا- التي تعرض مشاهد يوم الولادة ، نجد الأمور جميعها بسبب غباء شخصيات المسلسل وسوء ظنهم في الآخرين تسير بشكل خاطئ تماما وذلك فقط ليجعل المخرج مشهد الولادة يبدو من أفظع ما يكون . مَشاهد الولادة كان يجب أن تعتمد على مبادئ علم الجمال بحذافيرها لأنها من أهم الأحداث التي تمر بها المرأة ، ولكن المؤلف والمخرج (تامر محسن) في هذه الحلقة فعل العكس تماما فقام بتعقيد الأحداث إلى أقصى ما يستطيع وبشكل لا يصدق بحيث جعل المُشاهد يشعر بإنزعاج شديد بسبب ذلك التوتر العصبي الذي يسيطر على أجواء أحداث هذه الحلقة ، فهذه الأجواء جعلتني أنا شخصيا وكأنني بدلا من أن أرى تصرف أم وردود فعل صحيحة من عاطفة الأمومة فيها وهي تحاول الإطمئنان على طفلها التي أنجبته ، رأيت كلبة تدفعها غريزة الأمومة أن تقوم بتصرفات غريبة جدا من أجل بقاء جروها بقربها . فهناء (منى زكي) في تلك اللحظات تدخل في حالة هيسترية غير معقولة تجعلها تتحدث مع الطبيب والممرضات باللغة العربية التي لا يفهمها أحد هناك ، مما جعلها تبدو أمامهم وكأنها لا تتكلم معهم ولكنها تعوي عليهم . والمشكلة الشنيعة هنا أنه حتى الطبيب النفسي الأمريكي الذي اختصاصه يجب أن يسمح له بتهدئة الأمور ، نجده يظهر وكأنه هو الآخر أيضا غبي جدا لا يفقه شيئا في علم النفس ، فبدلا من أن يجعل هناء تهدأ ليفهم حقيقة ما يحدث ، يفعل العكس تماما فتزداد حالتها الهيستيرية سوء فيتركها على حالتها وينصرف وكأنه قد أدى دوره كطبيب نفسي ولا علاقة له بما سيحصل معها . في هذه الحلقة شعرت -والله أعلم- وكأن هدف المؤلف والمخرج (تامر محسن) هو إظهار عبقريته في المقدرة على إزعاج المشاهدين وتحطيم أعصابهم . للأسف هذه النوعية في عرض المشاهد لا تدل إلا على جهل مطلق في فهم معنى الفن وجهل أيضا في فهم نتائج هذا الإزعاج والتوتر النفسي الذي سببه للمشاهدين في المستقبل ، فنتيحة هذا التوتر سيؤثر على سلوك المشاهدين في تعاملهم مع الآخرين ، سيجعلهم أشخاص بمزاج عكر ، فبدلا من أن يكونوا حليمين وصبورين في التعامل مع الآخرين سيتحولون إلى أشخاص يفقدون أعصابهم ويثورون على الآخرين لأتفه الأسباب .
منى زكي كممثلة قامت بتجسيد دورها كما هو مكتوب في السيناريو على أحسن ما يرام ، ولكن الخطأ الذي ارتكبته كفنانة أنها قبلت أن تقوم بتمثيل هذا الدور ، الفنان الحقيقي سيرفض هذا الدور لانه معادي للفن ، فبهذا الدور أساءت منى زكي إلى نفسها وأساءت إلى التكوين الروحي للنساء في أعين الرجل .
قد يقول بعض الرجال بأنه يوجد نساء مثل هناء في الواقع ، وأن المخرج قدم هذه الشخصية على حقيقتها فأين المشكلة ؟ نعم ربما توجد نساء مثل هناء الله أعلم ، ولكن الفنان في كتابة الرواية هو الذي يختار الطريقة الصحيحة في عرض مثل هذه الشخصيات . فشخصية (هناء زيتون) وجب أن يتم تقديمها في عمل كوميدي وليس دراما ، ليعالج نفس الموضوع ولكن بطريقة كوميدية تجعل المشاهد يتأثر بما تعانيه (هناء) كإمرأة فيتعاطف معها وفي الوقت نفسه يمضي وقتا ممتعا وهو يتابع المسلسل بدلا من أن يكرهها بسبب غبائها الذي حطم أعصابه . لهذا روح الفنان خلقت فن الكوميديا لكي ينتقد عيوب الناس ولكن بطريقة لا تجعل المشاهد يكره مثل هذه الشخصيات ، وفي نفس الوقت تسمح للمُشاهد بالشعور بالمتعة وهو يتابع احداث الفيلم أو المسلسل . وربما أفضل مثال على ذلك الفيلم الكوميدي (البحث عن فضيحة) حيث يقوم عادل إمام بشخصية شاب غبي بتعامله مع النساء رغم أنه حاصل على شهادة جامعية من كلية الهندسة ، فبدلا من أن يكرهه المشاهد ويسخر منه حدث العكس ، حيث تعاطف معه وشعر بالمتعة وهو يتابع أحداث الفيلم . أما اختيار الطريقة الدرامية في عرض شخصية هناء زيتون في مسلسل لعبة نيوتن فهي تخلق توتر عصبي في المشاهد وهذا التوتر بدوره سيغمر جسم المشاهد بهرمونات التوتر التي تؤثر مباشرة بشكل سلبي على تفكيره وعلى صحة جسمه وكذلك على سلوكه اليومي .
هناك مشكلة فادحة أخرى في مسلسل لعبة نيوتن . فرغم أن هذا المسلسل تم إنتاجه ليتم عرضه في شهر رمضان ، ولكن (تامر محسن) مؤلف ومخرج المسلسل إتبع أسلوب معادي لمفهوم هذا الشهر الكريم . فمن مبادئ علم الجمال في الفن أن يتم عرض الأمور بشكلها الجميل وليس القبيح . لهذا عندما تتطلب القصة أن يكون أحد شخصياتها يعمل بمهنة حساسة في المجتمع ولكن سلوكه الشخصي مناقض تماما لأهداف هذه المهنة التي يجسدها ، عندها يجب وضع شخصية أخرى نقيضة له تمنع من تشويه هذه المهنة في نفوس المشاهدين . فالمسلسل يعرض شخصية مؤنس الليثي (محمد خراج) كشيخ يستخدم في جميع حواراته مع الأخرين الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة ليخدعهم وليبرر لنفسه سوء نيته ، فوجب وجود شيخ مسلم آخر يفهم دينه جيدا ليُعطي الصورة الجميلة لتعاليم الدين الإسلامي . فكثرة استخدام مؤنس الليثي للآيات القرآنية والأحاديث الشريفة بهذا المعنى المخالف لها ستدفع الكثير من المشاهدين إلى النفور من الدين . والمشكلة الأخرى أن عائلة مؤنس العائلة المتدينة والتي جميع نساءها يرتدين الحجاب ولكن رغم ذلك يشاركن هن أيضا قوى روح السوء في تعقيد الأحداث وتضخيم المشاكل . مسلسل لعبة نيوتن كمسلسل رمضاني وجب عليه أن يقرب المسلمين إلى دينهم ولكن بسبب عدم إلتزامه بمبادئ علم الجمال فعل العكس تماما فقد زرع في نفوس المشاهدين نفور من الدين .
من أخطاء المسلسل أيضا أنه يستخدم بعض الشباب في بناء أحداث القصة بطريقة سلبية جدا . فمثلا طالما أنه يوجد في المسلسل شاب يلعب دور بيج زي (آدم الشرقاوي) صديق هناء والذي يساعدها في حل مشاكلها أثناء وجودها بمفردها في أمريكا ، فكان من المفروض على الأقل أن يكون هذا شاب بمثابة قدوة للشباب المشاهدين ، أن يكون مثلا من عائلة سعيدة متحابة ، وأن يكون سبب وجوده في أمريكا هو الدراسة، وأن يكون طالب جامعي متفوق في دراسته ويتابع دراسته العلمية هناك ليبرر سبب إنسانيته ومساعدته لهناء . ولكن في المسلسل نجد أن هذا الشاب على العكس تماما ، طوال الوقت يتكلم بالإنكليزية وكأنه يخجل من قوميته العربية ، سلوكه سيء مع الآخرين فهو يكره والديه لأنه ينتمي إلى عائلة مطلقة لم يهتم به لا أبوه ولا أمه ولهذا هاجر إلى أمريكا، ومصروفه اليومي يؤمنه من بيع المخدرات . أيضا يارة (مايان السيد) أخت هناء الصغرى ، فنجدها في المسلسل تصاحب شاب يتعاطى المخدرات . لا أدري لماذا في جميع المسلسلات العربية يجب أن يكون للمخدرات مكانا هاما في حياة الشباب ، فعلا أمر عجيب فمثل هذه المشاهد هي أفضل دعاية لنشر المخدرات بين الشباب !!!!! أيضا منة (نور إيهاب) الأخت الصغرى للشيخ مؤنس فرغم أنها تعيش في عائلة متدينة وترتدي الحجاب وطيبة وتتبع تعاليم الدين الإسلامي لكن نراها في نهاية المسلسل وبدون علم أهلها تهرب بمفردها إلى اليابان لتقيم هناك .... ما هذه الرسائل السلبية التي يُقدمها المسلسل إلى شباب المجتمع العربي؟
من بعض العيوب التي كان ينتقدها النقاد في أفلام ومسلسلات الزمن الجميل أنها كانت تعتمد بعض الشيء على الصدفة في تطور الأحداث على الرغم من أن هذه الصدف كانت تمثل نوعا من التدخل الإلهي لتساعد في إنتصار أصحاب الخير على أصحاب الباطل ، ولكن في المسلسل لعبة نيوتن نجد أن تامر محسن يعتمد هو أيضا على الصدفة بشكل أساسي في حركة وتطور الأحداث ، ولكن المشكلة أن الأحداث التي تحصل بالصدفة في مسلسله تأتي لتدفع الأحداث نحو الأسوأ ولتنمي في شخصيات القصة الشعور بالإنتقام ، وكأن القدر في يد الشيطان وليس في يد الله عز وجل .
مدة المسلسل من أوله إلى آخره تقريبا (٩٠٠) دقيقة ، في نهاية الحلقة الأخيرة وفي آخر /١٥/ دقيقة بالتحديد تحاول بطلة المسلسل وزوجها وكذلك الشيخ مؤنس وغيرهم أن يصححوا أخطائهم . فطالما أن المسلسل يعتمد على تأثير القوى في حركة الأشياء ، فشدة القوى الموجودة في هذه الدقائق القليلة الأخيرة لا تكفي أن تحذف (٠،٠١%) من تلك الرسائل السلبية التي ذهبت إلى العقل الباطني للمشاهدين ، وهذه الرسائل السلبية ستكون بمثابة قوى تحمل في داخلها طاقة كبيرة تدفع الحركة لتؤثر على السلوك اليومي الواقعي للمشاهدين في تعاملهم مع الآخرين ، وسلوكهم بدوره سيؤثر على بناء المجتمع العربي ، وسلوك المجتمعات العربية سيؤثر على نوعية العلاقات مع شعوب العالم وسيتدهور الوضع أكثر وأكثر نحو الأسوأ ليجعل الشباب العرب يحلمون في الهروب من واقعهم المرير إما عن طريق الهروب إلى عالم المخدرات أو الهروب خارج البلاد كما فعلت منة (نور إيهاب) أخت الشيخ مؤنس الليثي في المسلسل التي هربت إلى اليابان .
كثير من المفكرين اليوم يتساءلون كيف وصل العالم اليوم إلى هذا المستوى من الإنحطاط الروحي والذي جعل صحف التاريخ تكتب (لم تعرف الإنسانية وحشية كوحشية إنسان العصر الحديث) حيث ولأول مره صحف التاريخ تكتب عن جرائم يرتكبها أطفال ، المدارس لم تعد دور تعليم الأخلاق كما كانت في الماضي فقد أصبحت دور تكوين العصابات ، دور تجعل الطفل الطيب والمجتهد يشعر وكأن ساعات دوامه في المدرسة قد أصبحت كابوس مزعج بسبب تنمر تلاميذ صفه . الجواب على هذا السؤال بسيط جدا فأحد أهم هذه الأسباب هي تلك الأخطاء التي تكلمت عنها في مقالاتي عن مسلسلات (نسل الأغراب ، كوفيد٢٥ ، لعبة نيوتن) والتي أهملت تماما علم الجمال في العمل الفني . فللأسف اليوم يبدو أن أساتذة معاهد السينما والمسرح والنقاد وكذلك مستشاري وزارة الثقافة التي تعطي الموافقة لمثل هذه الأعمال ، يبدوا أنهم لا يعلمون شيئا عن مبادئ علم الجمال الذي يعتبر أساس العمل الفني فبدون علم الجمال يتحول العمل الفني إلى عمل شيطاني يدمر كل شيء جميل في المجتمع .
بعد عرض نقد ثلاث مسلسلات (نسل الأغراب ، كوفيد٢٥ ، لعبة نيوتن) كمسلسلات بنوعية مختلفة ساهمت في تقديم رسائل سلبية للمشاهدين ، في المقالات القادمة إن شاء الله سنتكلم عن ثلاث مسلسلات أيضا بنوعية مختلفة والتي حاولت تقديم رسائل إيجابية في شهر رمضان.
وسوم: العدد 932