كلّنا آلات بيد النظام

عثمان أيت مهدي

متى تمتد يد الله إلينا لتنقذنا من هذا النظام الفاسد، الجاثم على رقاب شعب ضعيف، مستسلم، جاهل؟ ومتى تُحرَق مزارعنا التي زرع لنا فيها النظام الشوك والهراس؟ ومتى يطهرنا الله من آيات النفاق والكذب والتملق والتزلف للحاكم التي علّمنا إياها هذا النظام المستبد؟ لقد استطاع النظام أن يصنع شعبا على مقاسه، أراده ضعيفا مستسلما جاهلا منافقا متملقا يحصد الشوك والهراس كلّما أذن له صاحب الفخامة والسمو والمعالي بذلك.

لو سألني أحدكم عن أسباب الفتنة الكبرى بين المسلمين في أواخر صدر الإسلام، وعن الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب بالولايات المتحدة الأمريكية لأجبته بتفاصيل مملة، لكن أن يسألني أحدكم عن فتنة بين الأحياء الشعبية في كثير من المدن الجزائرية لبقيت حائرا، تائها، صامتا لا أفقه في الأمر شيئا؟ هل يعقل في عصر كهذا يتقاتل فيه أبناء الحيّ الواحد من أجل تلاسن بين مراهقين؟ وتندلع فتنة بين المسلمين لأسباب مجهولة يعرفها من أشعلها وينتظر نتائج قوته منها؟ أيعقل أن تندلع حرب لا تبقي ولا تذر لواحة للبشر بين السنيين والإباضيين بمدينة غرداية لأسباب دينية؟ المدينة السياحية بامتياز، المحافظة على عاداتها وتقاليدها، المتمسكة بدينها ووطنها. أيعقل أن تندلع حرب بين العرب والبربر بمدينة غرداية لأسباب عنصرية؟ وقد تعايش المجتمعان مئات السنين في ظل الأخوة الدائمة. أيعقل أن تندلع حرب بين الشعابيين والمزابيين بغرداية لأسباب جهوية؟ وقد جمعت بين الشعبين مصالح كثيرة تجارية واجتماعية وتاريخية.

صحيح أنّ الشعب الجزائري مهيأ للاقتتال بين شماله وجنوبه، بين شرقه وغربه، ضد النظام وضد نفسه، والذي هيّأ التربة لزراعة الشوك والهراس بها هو المستفيد الأول من هذه الحرب. ما المانع من اندلاع حرب بين القبائل والعرب إذا لم تكن جهود المصلحين والعقلاء من الطرفين؟ لقد زرع النظام الفتنة في المنطقتين منذ الستينات، باتهام منطقة القبائل بالجهوية وموالاة فرنسا وعدائهم للغة العربية وإعراضهم عن الإسلام، فكان من جراء ذلك ظهور جماعات متطرفة من العرب تعادي القبائل، ومن القبائل جماعات متطرفة تعادي العرب، والجماعتان تنتظران من يذكي نار الفتنة لتشتعل في جسد الأمة الجزائرية بأسرها. وما المانع من اندلاع حرب بين أهل الشمال وأهل الجنوب الجزائري؟ والفتنة نائمة تنتظر من يوقظها فقط. لقد شعر أهل الجنوب بالغبن من استغلال خيرات الصحراء من بترول وغاز وذهب من طرف أهل الشمال، فكان المهندسون والإداريون والعمال كلهم أو معظمهم من الشمال، وأهل الصحراء كالعير يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول. وما المانع من اندلاع حرب بين أهل الشرق وأهل الغرب الجزائري؟ والنظام يروج لفكرة أنّ أهل الشرق أكثر مشاركة في الثورة من أهل الغرب، وأكثر استشهادا من أجل الجزائر. وما المانع من اندلاع حرب وبين الجزائريين من الولاية الواحدة، أو من الحي الواحد؟ إنّنا نحن الجزائريين ننام على فوهة بركان، في ظل هذا النظام القائم على شؤوننا، ولن يتوانى من تفجيره وقت ما يشاء.

تنتقل إلى الهند، بلد الإثنيات والأديان واللغات المختلفة، تجد بها من السياسيين النزهاء والمصلحين التقاة، والمفكرين المتنورين الذين يحلمون بالهند القوة العظمى اقتصاديا وتكنولوجيا وفكريا، لقد حباها الله بنظام يرعاها ويصونها. ونفس الشيء بالنسبة للصين بلد المليار ونصف المليار من السكان، ديانات مختلفة ولغات متعددة وشعب واحد يغزو العالم المتحضر وغير المتحضر، لأن الله حباها بنظام صارم يجعل مصلحة الصين فوق كلّ اعتبار. وحبانا الله بشعب واحد، ودين واحد وتاريخ واحد وحضارة واحدة، وسلط علينا نظاما فاسدا يحلم بجزائر الشعوب المتنافرة والديانات المتصارعة والتاريخ المزيف والحضارة الوهمية وأرادنا حطب جهنم يأكل بعضنا بعضا. 

ما يقع بغرداية هذه الأيام هو مؤشر خطير ينذر بحرب تعصف بالجزائر كلها. إنها رسالة لبقية الولايات، إنذار لمن يفقه سياسة النظام الجزائري. في غياب الديموقراطية والشفافية، يعشش الطغاة والمفسدون في دهاليز الحكم ويحركون الأحداث عن طريق طابورهم الخامس وفق أجندتهم أو أجندة أجنبية.