(دون كيشوت) العربي والحرب على الإرهاب
محمد علي شاهين
كثر الحديث عن الإرهاب في تصريحات السياسيين وأحاديث رجال الإعلام، وتصدّر موضوع الحرب على الإرهاب عناوين الصحف والمجلات ونشرات الأخبار، وكأنّ مشاكل الإنسان المعاصر قد حلّت، ولم تبق إلا ظاهرة الإرهاب.
وكانت أعلى الأصوات وأكثرها صخبا تلك العبارات الفضفاضة المنسوبة لجيل من قادة أنظمة الاستبداد في العالم العربي، ركبوا الموجة، فانطلقت ألسنتهم بالهجوم على الإرهاب تودّدا من القوى الغربيّة، ولسان حالهم يقول لأسيادهم: نحن أصحاب قضية واحدة، ونحن وإياكم في مركب واحد في الحرب على الإرهاب، فاسكتوا عن جرائمنا ونهب شعوبنا.
وبدلا من حشد القوى العالميّة لحل المشاكل الاجتماعيّة والاقتصاديّة والصحيّة التي تعانيها الشعوب بشكل جذري، والقضاء على بؤر النزاع والتوتر توجّهت جهود (دون كيشوت) لمكافحة الإرهاب المزعوم، وشن الحروب على طواحين الهواء.
ولم تسوّى النزاعات الحدوديّة بعد الحرب العالميّة الثانية، وهي تنذر بنشوب حرب طاحنة، كالنزاع على الحدود البريّة، بين الصين مع جيرانها كالهند وفيتنام، والنزاع حول الجزر بين دول العالم وقد أصبحت مصدر خطر وتوتر، ابتداء من النزاع على جزر الكوريل (شمال جزيرة هوكايدو) بين روسيا واليابان، وانتهاء بنزاع شيلى والأرجنتين حول تحديد حدود قناة بيجيل وملكية الجزر الثلاث: بيكتون ولينوكس ونويفا، التى تقع عند فوهة هذه القناة.
ولم تتوجّه جهود الدول الكبرى لحل مشكلة تقاسم مياه الأنهار الكبرى، بعد تصاعد الطلب على المياه في أعقاب تزايد عدد السكان على مستوى العالم (90 مليون نسمة كل عام)، ففي عام 2050 من المتوقع أن يصل تعداد سكان العالم إلى عشرة بلايين نسمة يشاركون في نفس مقادير المياه المتاحة اليوم.
ولم يستوعب السياسيّون مقولة "لستربراون": «إن حروب المستقبل سوف تنشب نتيجة لمحاولة الدول المحافظة على أمنها المائي».
كما لم يسمع السياسيّون في أمريكا وهم يشنون الحرب على الإرهاب قرع ناقوس الخطر، محذّرا من أزمة غذاء عالمية، تعرض الملايين حول العالم للجوع بسبب نقص الغذاء وتضخم أسعاره، ساهمت القيادة الأمريكية في تأجيجه، وهي تكثف من إنتاج الوقود الحيوي لخفض أسعار البنزين.
ولا يزال السل من الأمراض المعدية الأكثر فتكا في العالم، ( 8,6ملايين شخص أصيبوا بهذا المرض في العام 2012) وهو يحتل المرتبة الثانية على هذا الصعيد بعد فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب "إيدز" الذي لم يضع العالم حدا لانتشار وبائه حتى الآن، رغم أنّه حصد ثلاثين مليون قتيل خلال السنوات الثلاثين الاخيرة.
ولم تواجه مشكلة المخدرات أحدى أخطر المشاكل الصحيّة والنفسيّة باهتمام الدول الكبرى، حيث يوجد حوالي 800 مليون من البشر يتعاطون المخدرات أو يدمنونها، لأنّ العالم مشغول بالحرب على الإرهاب.
والمشكلة الكبرى التي تعانيها الشعوب ليست الحرب على الإرهاب كما أرادها بوش ولكنها تتمثل في إخفاق الأمم المتحدة التي نصّبت نفسها حامية لحقوق الإنسان الذي تنتهك حقوقه كل يوم، حيث يقتل الأطفال والنساء والشيوخ بالأسلحة الكيماويّة في وضح النهار، وتقصف المدن بالبراميل المتفجّرة، وتهدّم المدن بصواريخ سكود، بانتظار (جنيف 2).
والمصيبة الأكبر أنّنا نطلب العدل والانصاف ممن أباد الهنود الحمر، وألقى القنبلة على هيروشيما، وساق الأفارقة مكبّلين بالأغلال إلى مزارع السكّر بالأمريكيّتين، وشنّ الحرب على العراق وأفغانستان فأهلك الحرث والنسل، وشنّ الحرب على الإرهاب، التي اعتذر عنها الرئيس أوباما عندما قال في خطابه بواشنطن: "لسوء الحظ اتخذت حكومتنا عدة قرارات متسرعة بناء على تهديد غامض، وأعتقد أن العديد من هذه القرارات حفزتها رغبة جامحة في حماية الشعب الأمريكي، لكني أعتقد في ذات الوقت أن حكومتنا اتخذت دائما قرارات وقف وراءها الخوف بدلا من الواقع، ومن ثم كانت تلوي أعناق الحقائق والأدلة لتتناسب مع قناعات إيديولوجية".
وكان البريطانيون قد سبقوه في الاعتذار لسكان أستراليا الأصليين (الأبوريجنز)، بعد مئتي عام، وقال لهم رئيس الوزراء: "الظلم الذي وقع في الماضي يجب الا يتكرر ابدا ابدا".
وكنا نتمنى بعد اعتذار أوباما أن يغلق هذا الملف، وأن تتوجّه جهود القوى العالميّة نحو الإرهاب الحقيقي، وقطع دابر كل من يستغل هذا الشعار لقمع شعبه وسرقة مقدّرات أمّته، والانقلاب على شرعيّة نظامه، والتوجه نحو حل المشكلات الحقيقيّة التي يعاني منها الإنسان في كافّة الأصقاع.
وأن يتلقى (دون كيشوت) العربي ذلك الرجل النحيف الطويل، الذي يدّعي الفروسيّة، ويصوّر نفسه فارسًا نبيلًا، يخرج للناس ليحررهم من الظلم ويعيد إليهم الأمان، صفعة على قفاه، ودرساً في الحرب على الإرهاب.