للصوت الحلو فوائد
نعود إلى الوراء خمس عشرة سنة ، إلى إحدى ليالي مدينة عمّان الدافئة في صالة من صالات الأعراس يتنقل الشاعر المنشد محمد أمين الترمذي بين المدعوين يستقبل محبيه ومهنئيه بزواج أحد أنجاله. وعلى هذا لم يكن تلك الليلة ينشد مع أنه شيخ المنشدين، وكان محيي الحفلِ أخانا أبا الهدى صايم الدهر، وتعلمون أن أبا الهدى بلبل صدّاح عرفناه قبل اربعين سنة تقريباً وتمتعنا بصوته العذب مرات كثيرة في ليالي عمّان والزرقاء إذ كان يسكن في الثانية.
كنت أجلس إلى جوار استاذنا الرائع عبد السلام القاوقجي – وهو من المغرمين بالمقامات والاصوات الندية حين دخل صهره المنشدُ (أبو راتب) فجلس إلينا قليلاً ،ثم طلب إليه أبو محمود الترمذي أن يسمعنا وصلة من ألحانه وأناشيده ففعل.
كان الاستاذ عبد السلام القاوقجي منسجماً بأنغام صهره المنشد أبي راتب ،يميل براسه سروراً وسعادة، قلت في نفسي لعله زوّج أبا راتب من ابنته أعجاباً بصوته.
ما إن خطر ببالي ذلك حتى التفت الاستاذ عبد السلام قاوقجي إليّ يقول لي: زوّجته من ابنتي لصوته الجميل، فابتسمتُ وأخبرتُه بما حدثتني نفسي،فقال لي : هذه (حالةُ التلباثي) وذكرني بقصة سيدنا عمر وهو في المدينة المنورة على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي أحد قادة جنده في العراق( يا سارية الجبل الجبل) .ثم قال لي : لو كانت عندي ابنة أخرى لزوجتكها يا أبا حسان.
ابتسمت لقوله الظريف إذ يَعُدُّني من ذوي الاصوات الحسنة – قد أكون في شبابي كذلك ، أما وقد حنت السنون ظهر صاحبكم فقد ضعفنا في كل شيء وننتظر الزائر الذي يكاد يطرق الباب.
تمر السنون ويتوفّى الله زوجةَ أستاذنا القاوقجي الأولى فتنتقل زوجته الثانية إلى بيته في العبدلي ، ونزوره فيقول لي :عندي ابنتان صبيتان يا ابا حسان من هذه وأنا عند قولي، فأجيبه يسعدني ذلك يا أستاذي لو كنت شاباً ، فيقول: لا يَعيب الرجلَ شيء ..
أطال الله عمر أخينا وحبيبنا الاستاذ عبد السلام قاوقجي، ونفع به، فقد تزوج الثانية وولدت له بنبن وبنات وصاروا شباباً ، وماتت زوجته الأولى ولم تعلم بزواجه الثاني، أما أنا فلست بقوة جنانه وحسن تصرفه ، فلم أجرؤ على تقليده، ولعل القارئ من طينتي وحزبي
وأطال أعماركم وحسّنَ أعمالكم .
وسوم: العدد 962