في ذكرى إبعاد مرج الزهور

أحرار:

زوجات المبعدين الأسرى يروين محطات من الألم والمعاناة

21 عاماً مضت على حادثة شهدها العالم أجمع، وكانت شاهداً على ممارسة وحشية قام بها الاحتلال الاسرائيلي أمام العالم أجمع، وعلى الرغم من بشاعتها إلا أن أحداً لم يستطع أن يحاسب الاحتلال قانونياً وعالمياً على جريمته بحق الإنسانية في تلك الفترة، ألا وهي جريمة إبعاد 415 فلسطينياً إلى مرج الزهور في لبنان بتاريخ: 17/12/1992.

كان حدث الإبعاد حدثاً مؤلماً على جميع عائلات المبعدين والذين تركوا وراءهم زوجات وأبناء تشردوا وعاشوا المعاناة جرا البعد والقلق على مصيرهم، ومن هؤلاء الزوجات اللواتي تجرعن ألم إبعاد أزواجهن، يذكر مركز أحرار لدراسات الأسرى وحقوق الإنسان في تقريره الآتي البعض منهن .

أم نعيم، زوجة الأسير نبيل النتشة والذي كان أحد المبعدين إلى مرج الزهور في لبنان، تقول لمركز أحرار، وهي تسترجع ذكريات ذلك الحدث الأليم على العائلة تقول:" كان لدي أربعة أبناء عندما أبعد زوجي إلى لبنان، وكان ذلك الإبعاد من أصعب الأوقات في حياتي، وكان الإبعاد يشكل علامة استفهام للمبعدين وعوائلهم حول المصير الذي سيلاقونه.

وتضيف أم نعيم:" الموقف العصيب، تمثل في الصور لحظة إبعاد زوجي أبو نعيم ومن معه، وما كان يحمله الجو في ذلك الحين من برد وثلوج، وكنا نحن قلقين للغاية على مصيرهم، ومما زاد من قلقنا في تلك الفترة، هو انطلاق ما يسمى ب " مسيرة الأكفان" عندما وقف المبعدون على الحدود اللبنانية يريدون اجتياز الحدود والرجوع إلى بلدهم، ومقابلة الاحتلال بذلك بإطلاق الرصاص عليهم، فكانت تلك لحظات تملكنا الخوف فيها على حياتهم".

أما حياتها والأبناء في ظل الإبعاد، فأشارت أم نعيم إلى إن أبناءها كانوا لا يزالون أطفالاً صغاراً عندما أبعد والدهم، وكانت هي من تكفل بكل المسؤوليات تجاههم، على الرغم من إحساسها بضرورة وجود الأب بينهم وعيشه معهم، لكن الأقدار كانت تسبق كل شيء، فكان إبعاد أبو نعيم بمثابة عزل كامل عن عائلته.

عائلة الأسير نبيل النتشة، لا زالت تتجرع العذاب جراء ممارسات الاحتلال المتمثلة بالاعتقالات المتكررة له، حيث قضى سنوات طويلة في الأسر، وكان آخر اعتقال له بتاريخ: 26/9/2013 ووضعه الاحتلال رهن الاعتقال الإداري وجدده له مرتين على التوالي رغم وضعه الصحي المتدهور حيث يعاني من مرض السرطان.

زوجة أخرى من زوجات المبعدين إلى مرج الزهور عام 1992 والذي لا زال الاحتلال يعتقله بين الحين والآخر، هي أم أنس، زوجة النائب المعتقل حاتم قفيشة من مدينة الخليل، والتي عاشت مع أبنائها فترة الإبعاد وكانت فترة صعبة للغاية، حيث ذكرت أم أنس لمركز أحرار، إنه كان لديها ثلاثة بنات وحاملاً بأخرى عندما أبعد زوجها إلى لبنان، مشيرة إلى إنها عاشت تلك الفترة بترقب ورعب وخوف، خاصة وإن الاحتلال لم يوضح مصير المبعدين منذ البداية، وكانت العائلة كلها قلق بأن لا يعود المبعدون إلى أرضهم وعائلاتهم مجدداً.

وتوضح أم أنس في حديثها، وتقول إن أكثر الصعوبات التي عاشتها خلال فترة الإبعاد كانت صعوبة تربية فتياتها التي كانت أكبرهن سناً تبلغ 5 أعوام من جهة، والخوف الشديد على زوجها المبعد الذي عاش مع بقية المبعدين أجواءً وظروفاً صعبة في البرد القارس والثلوج على رؤوس الجبال من جهة أخرى.

 ورغم ذلك كله، أكدت أم أنس إن الاحتلال، وبتكرار اعتقال زوجها، لا يزال يواصل العذابات لهم ويبتكر المأساة والقلق، فزوجها يعتقل بين الفترة والأخرى ويوضع تحت الاعتقال الإداري في سجون الاحتلال، وقد اعتقل في المرة الأخيرة بتاريخ: 4/2/2013 وتم تحويله للاعتقال الإداري وهو يقبع حالياً في سجن النقب الصحراوي.

زوجة أسير ومبعد آخر كان من المبعدين إلى مرج الزهور، هي أم همام زوجة المبعد والأسير محمد جمال النتشة، والتي قالت لمركز أحرار إن الإبعاد كان وقعه مخيفاً للغاية، بل إن لحظة إعلام الأهالي بخبر الإبعاد إلى مرج الزهور كان كالصاعقة، وكانت العائلات متخوفة من عدم رجوع مبعديها إلى وطنهم ثانية، وعاش الجميع لحظات قاسية في الانتظار ومتابعة أخبار المبعدين والنزول بمسيرات إلى الشوارع والتضامن معهم والمطالبة بالوقوف معهم والعمل على إرجاعهم إلى وطنهم.

وأضافت أم همام:" إن الاحتلال وبإبعاده لهؤلاء، كان يهدف إلى التخلص منهم ومن تأثيرهم ودورهم في المجتمع الفلسطيني، خاصة وإن الإبعاد تركز على القيادات والرموز، إلا إن الإبعاد بحد ذاته كان منحة لهم، واستطاعوا بصبرهم وتعاونهم أن يكسروا تلك المعاناة، وعادوا بعد أن قضوا عاماً كاملاً على رؤوس الجبال والمرتفعات في ظل البرد، وتكبدوا العناء في كل حياتهم هناك، لكنها في الوقت ذاته، لم تنسى لحظات رجوع أبو همام لوطنه وعائلته، وكيف علت أصوات بكاء الفرح في ذلك اليوم الذي كان يوماً حافلاً بالانتصار لهؤلاء الذين عايشوا الإبعاد بكل تفاصيله.

أم همام، حالها كحال زوجات الأسرى الذين يتخطفهم الاحتلال بين الفترة والأخرى، لا زالت تعيش وأفراد عائلتها الحرمان وفقدان الأب، بسبب تكرار اعتقاله من قبل الاحتلال الاسرائيلي، حيث لا يمضي عام واحد إلا ويتعرض أبو همام فيه للاعتقال، وكان اعتقاله الأخير بتاريخ: 27/3/2013، قاضياً بتحويله للاعتقال الإداري الذي أمضى فيه سنوات.

مثال آخر، وزوجة أخرى لأحد المبعدين هي أم عبد الله، زوجة القيادي جمال الطويل من مدينة رام الله، والذي كان أحد المبعدين إلى مرج الزهور، ولا زال الاحتلال يلاحقه ويعتقله، حتى اعتقله لآخر مرة بتاريخ: 31/10/2013 وحوله للاعتقال الإداري وهو يقبع في سجن عوفر.

تقول أم عبد الله في حديثها لمركز أحرار، وفي ذاكرة تعود بها 21 عاماً للوراء وفي لحظة ويوم الإبعاد:" علمنا بخبر الإبعاد من على شاشات التلفزة وكانت صور المبعدين تبث وهم مشاة في الجبال والبرد القارس في ذلك اليوم الذي لن أنسى تاريخه".

وتضيف:" عندما سمعت بكلمة إبعاد إلى لبنان أدركت أنه لن تكون رجعة لهؤلاء المبعيدين إلى بلادهم، فانتابني القلق والتوتر وأخذت أبكي، وكان لدي في ذلك الحين ابني البكر عبد الله وكان يبلغ من العمر 4 أعوام ونصف وكنت حاملاً بابنتي بشرى، فأخذت على عاتقي إنني سأربي أبنائي دون أن يكون والدهم معي".

ومما كان يزيد القلق لدى عائلات جميع المبعدين، وكما أكدت أم عبد الله هو فقدان الاتصال بهم والتواصل معهم حتى وقت طويل بعد الإبعاد، والخوف عليهم من اعتداءات الاحتلال الاسرائيلي هناك في رحلة الإبعاد.

لكن وكما قالت أم عبد الله:" لا تخلو الأزمات من أجواء من الفرح وهدايا من الله، فقد أنجبت ابنتها بشرى خلال فترة إبعاد زوجها وكان المبعدين هم من طلبوا منها تسمية مولودتها بذلك الاسم، علها تكون بشرى خير لهم هناك، وبالفعل عاد المبعدون بعد أشهر، وعاد أبو عبد الله لعائلته وكانت بشرى تبلغ من العمر 5 أشهر".

من جهته، قال مدير مركز أحرار لدراسات الأسرى وحقوق الإنسان، إن مسيرة الإبعاد إلى مرج الزهور كانت مرحلة صعبة على 416 فلسطيني أبعدوا إلى لبنان، والذين قرر الاحتلال تشريدهم إلى هناك للحد من نفوذهم في بلادهم وللحد من دورهم الكبير على الساحة الفلسطينية.

وقال الخفش إن الإبعاد اشتمل على قيادات ورموز كبيرة من قادة حركتي حماس والجهاد الإسلامي وكانت رحلة الإبعاد تلك عقاباً لتلك القيادات التي لم تثنيها كثرة واستمرار الاعتقالات بحقها، ولم تثنيها أيضاً رحلة الإبعاد عن مشوارهم الذي أكملوه حتى بعد عودتهم من لبنان.