هل يجوز أم لا يجوز؟

عثمان أيت مهدي

من الدعابات التي وجدت رواجا كبيرا في الجزائر سنوات الثمانينات والتسعينات عبارة يجوز ولا يجوز. كنّا نسائل أنفسنا في كلّ مستحدثة، وفي كلّ جديد من الأفكار واللباس والمأكل، ما رأي الدين في هذا؟ ثمّ نخضعه لميزان يجوز أو لا يجوز، وبالتالي نتبناه أو نلقيه في سلة المهملات. أتذكر أنّنا تركنا الكثير من الأمور الجديدة علينا لغيرنا الذين أباحوها، على سبيل المثال: عملية تحويل العملة الصعبة بالعملة المحلية وفق التضخم المالي الذي يعيشه البلد، ووفق عملية العرض والطلب. بطبيعة الحال، رفض الكثير من أهل العلم آنذاك هذا التحويل واعتبروه لا يجوز، وكذلك مشاهدة القنوات الأجنبية عبر الأقمار الصناعية، التي يراها الكثير مصدرا للانحلال الخلقي وتفشي الفسق في المجتمع المسلم. وكثيرة أخرى هي الممنوعات والمحرمات في دين جعل الأصل في الأشياء الإباحة، أمّا الممنوعات والمحرمات فهي قليلة جدا، تعرف من أضرارها المعنوية والمادية.

لا نكون مجانبين للحقيقة إذا قلنا أنّ من أسباب هذا التخلف الذي تعانيه الأمة العربية الإسلامية سببه هذه الفتاوى الرافضة للعقل السليم، المثبطة للعزائم، القاتلة لروح المثابرة والاجتهاد. قرأت مؤخرا خبرا عن فتوى من طرف أحد رجالات الدين في الجزائر الذين يستمدون فقههم من علماء أهل الحجاز، تدعو إلى حرق وتمزيق كتب أدونيس، لأن أدونيس زنديق يفكر على طريقة الحداثيين وما بعد الحداثيين الذين يولون للعقل مكانة خاصة في تقبل الأفكار والحقائق. وليس أدونيس الأوّل ولا الاخر في سلسلة طويلة للمفكرين والأدباء والشعراء والفنانين العرب والمسلمين الذين اتهموا بالزندقة والكفر، وكأنهم بهذا الاتهام يقفون في وجه الظلامية والإلحاد، ناسين أنهم يخدمون الجمود العقلي والشلل الروحي.

أين العرب والمسلمون من بناء مسجد الجزائر الكبير الذي فازت بصفقة إنجازه دولة وثنية؟ المسجد الذي تتوسّطه منارة عالية بمئتي متر. أين نحن من هذه العمارات الشاهقة ذات الطوابق المئة والمئتين التي تعلو سماء دبي وقطر والإمارات؟ وأين نحن من توسعة الحرم المكي، والسكة الحديدية للتي جي في بين مكة والمدينة؟ أين نحن من هذا التطور الحاصل في كلّ المجالات العلمية، وأغلبها في بلاد الكفر وبلاد عبدة الأوثان؟ قد يقول قائل أنّ سبب هذا التخلف مردّه هذه الأنظمة العربية المتعفنة التي عاثت في الأرض فسادا، وإذا كان الجواب بالإيجاب ولا ينكر ذلك أحد، نقول أنّ من أساليب تجهيل الشعب التي اعتمدتها الأنظمة العربية استعانتها بعلماء الزوايا والوهابية والسلفية التي ترى من العالم المتحضر مصدر الشر لا بدّ من محاربته، ومن العلم والتفكير الحر والمبدع مصدرا للكفر والإلحاد والزندقة.

هل يجوز الانتخاب في بلد شمولي عربي مستبد؟ هل يجوز الاستماع لعلماء الفقه والبلاط، في البلاد العربية الإسلامية؟ في هذا الأسبوع راجت في الصحف التركية أخبار الفساد، أبطالها من أبناء الوزراء، وحلفاء رئيس الوزراء رجب طيب أردغان. قام هؤلاء الوزراء الثلاثة وهم، وزير الاقتصاد، ووزير الداخلية ووزير البيئة والتخطيط العمراني بتقديم استقالتهم، ودعوا أردغان إلى أن يحذو حذوهم. لكن سؤالي الموجه إلى علمائنا الأجلاء بعد هذا الخبر الذي تناولته الكثير من الصحف العربية والأجنبية هو كالتالي: هل يجوز للوزير أن يقدم على الاستقالة إذا كان ابنه هو الجاني والمفسد؟ إنها، في اعتقادي، لا تزر وازرة وزر أخرى.