لقطات من معاناة معتقل -2-
تحت عنوان "من تدمر إلى هارفارد" كتب الدكتور براء السراج، الأستاذ في قسم زراعة الأعضاء في كلية الطب في شيكاغو، مذكراته عن مدة اثنتي عشرة سنة قضاها في تدمر. ونسجّل هنا بعض فقرات من مذكراته الغنية، في حلقات قصيرة متتابعة:
الاثنين 30 نيسان 1984م:
- مهيب، سجّان من زبانية جهنم، ضخم القامة، أخضر العيون، يلبس لباساً عسكرياً أخضر. لمح مرةً أناساً يصلّون واقفين، ففتح الباب وانطلق يدوس فوق الناس المستلقية ويصفع ويركل المصلّين.
- التحقيق لا ينقطع، ويتبعون الناس بعد التحقيق بالصفعات والركلات.. أصوات التعذيب تصل عن بُعد، ونسمع شخصاً واحداً يئن لساعات في الليل أو النهار. من الصرخات أصبحنا نميّز طريقة التعذيب أن بالكهرباء، أو على الكرسي الألماني، أو معلّقاً أو مشبوحاً بالمقلوب على سلّم.
- رجلٌ من إدلب يحوّل للتحقيق بعد أربع سنوات في سجن تدمر يُفاجأ بأبيه ابن الثمانين معتقل حديثاً.. يتعانقان طويلاً.. يبكي الأب برقّة ورقيّ: ظنناك ميتاً.. يُجيبه الابن: وما كان لنفس أن تموتَ إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً.
الخامس من حزيران 1984م:
كنا حوالي ستين سجيناً عندما قرؤوا أسماء أربعين. كلهم من قرى مدينة إدلب. صوت الصفعات والمعاملة الوحشية تشير أنهم مُساقون إلى سجن تدمر العسكري. بدأنا نجهّز أنفسنا للسَّوق أيضاً.. أمضينا الليل دون نوم.. الخوف بادٍ على الوجوه، لكنْ كل منا يشجّع الآخر، فبدأت أنشد مع الجميع:ر
يا تدمر الحمراء في حُلل الدمِ مهـــلاً فلا عشـــــنـا إذا لم ننقـــــــمِ
مهلاً سيعلم بعثُهم مَن ذا أنـــا ولسوف نلطخ وجه حافظ بالدمِ
وعند الإعادة كنا نضع اسم رفعت بدلاً من حافظ.
وسوم: العدد 969