تتبّع المسار المتعرج لجنيف 2
بين ارتباك المعارضة وغموض الموقف السعودي
وسيناريوهات غير متفائلة
عبد الرحمن السراج
مسار للتقارير والدراسات
أعلنت مصادر دبلوماسية توجيه دعوات لـ32 دولة للمشاركة في مؤتمر جنيف 2، من بينها الدول الخمسة دائمة العضوية في مجلس الأمن، والدول المجاورة لسوريا، والسعودية وإيران، وألمانيا وإيطاليا. وأشارت المصادر إلى أن المؤتمر سيعقد في 22 كانون الثاني 2014 في مدينة مونترو السويسرية بسبب امتلاء الفنادق في مدينة جنيف بالحجوزات.
وقال مصدر دبلوماسي عربي لصحيفة الشرق الأوسط إنه يتوجب على المعارضة ونظام الأسد تقديم أسماء أعضاء وفديهما للأمم المتحدة بحلول 27 كانون الأول 2013، وإن "كل وفد سيتكون من تسعة أعضاء"، مشيرا إلى احتمالية عدم الالتزام بالموعد المحدد للمؤتمر.
وأضاف المصدر أن معظم الدول ستمثل بأرفع دبلوماسييها، وأن "كل وزير سيعطى فرصة للحديث لخمسة دقائق" في المؤتمر، مشيرا إلى أن عددا من وزراء الخارجية سيتوجهون بعد ذلك للمشاركة في المنتدى الاقتصادي العالمي دافوس الذي يعقد في الفترة ما بين 22 و25 كانون الثاني. في حين يعقد وفدا المعارضة ونظام الأسد محادثات ثنائية يستضيفها المبعوث الأممي العربي المشترك إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي في 24 كانون الثاني في "قصر الأمم" مقر الأمم المتحدة في مدينة جنيف.
ويرى دبلوماسيون أن أجواء المحادثات سيسودها التوتر، إلا أن دبلوماسيا أوروبيا في الأمم المتحدة أكد أن مسؤولي الأمم المتحدة سيلتقون أعضاء الوفدين قبل المؤتمر لشرح "قواعد اللعبة".
معسكر المعارضة
أبدى رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية استعداد الائتلاف لحضور مؤتمر جنيف 2 في رسالة إلى مجلس الأمن الدولي بتاريخ 22 أيلول 2013، مشترطا موافقة كل الأطراف على أن يكون هدف المؤتمر تأسيس حكومة انتقالية بسلطات تنفيذية كاملة كما نص بيان جنيف 1 الذي اتفقت عليه القوى الدولية في حزيران 2012.
وطالب الجربا في رسالته بإخضاع أي قرار خاص بالاتفاق الأمريكي الروسي على تدمير الأسلحة الكيميائية للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ودعا المجلس إلى تبني الإجراءات الضرورية لوقف إطلاق النار في البلاد وإطلاق سراح آلاف النشطاء السلميين، كما نص على ذلك بيان جنيف 1 أيضا.
وعلى الرغم من دعوة نواة مجموعة أصدقاء سوريا في اجتماع لندن في 22 تشرين الأول 2013، إلى مشاركة "وفد واحد من المعارضة يمثل الائتلاف الوطني قلبه وقيادته كممثل شرعي للشعب السوري"، إلا أن المتحدث الرسمي باسم هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي منذر خدام شدد في 11 كانون الأول على رفض الهيئة لتولي الائتلاف مهمة تشكيل الوفد المعارض إلى مؤتمر جنيف 2، وجدد رفضه بأن تكون الهيئة المشاركة في المؤتمر تحت عباءة الائتلاف، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن هيئة التنسيق "مع تشكيل وفد موحد على أساس رؤية مشتركة وأن يشكل الوفد من جميع قوى المعارضة وليس فقط المنضوية في الائتلاف أو الهيئة".
كما طرح رئيس تيار "بناء الدولة" لؤي حسين موقفا مشابها لموقف هيئة التنسيق لجهة رفض المشاركة في جنيف 2 تحت مظلة الائتلاف، وقال لصحيفة الأخبار إن "الأمريكيين وحلفائهم يجهدون ليكون الوفد برئاسة الائتلاف، وقد دعانا الأمريكيون والروس للمشاركة ضمن هذا الإطار فرفضنا"، مضيفا أن "موقفنا واضح، شرطنا للمشاركة أن نكون ضمن وفد لا يختاره الروس أو الأمريكان".
وقد صرح عضو الهيئة السياسية للائتلاف الوطني السوري مستشار رئيس الائتلاف فايز سارة بأن "هناك ميلا داخل الائتلاف لأن يكون معظم أعضاء وفد المعارضة من خارج الائتلاف".
كما تواجه المعارضة معضلة حسم مشاركة الفصائل الثورية المسلحة في المؤتمر. فبعد إعلان القيادة العسكرية العليا لهيئة أركان الثورة السورية في 9 تشرين الثاني ترحيبها بمشاركة الائتلاف في مؤتمر جنيف المشروط باستناد أي حل سياسي إلى توفر البيئة والمناخ المناسبين لنجاحه، ووقف آلة القتل وقصف النظام للمدن السورية، وفك الحصار عن المناطق المنكوبة وفتح الممرات الإنسانية؛ إلا أن رئيس هيئة أركان الجيش الحر اللواء سليم إدريس أعلن في 26 تشرين الثاني رفضه للمشاركة في مؤتمر جنيف 2 لعدم ملائمة الأجواء لعقد المؤتمر، مؤكدا أن الجيش الحر لن يشارك في المؤتمر طالما لم يكن شريكا في التحضيرات، مشيرا إلى أنه لم يتلق عروضا بهذا الشأن بعد؛ ليعلن رئيس المكتب الإعلامي للائتلاف الوطني السوري خالد الصالح أن أقوال إدريس لا تعارض توجه الائتلاف.
ثم جاءت سيطرة الجبهة الإسلامية على مستودعات السلاح التابعة لهيئة الأركان لتخلط الأوراق وتشكك – من جديد - في صدقية تمثيل الهيئة للفصائل المسلحة في سوريا، وتزعزع ثقة الدول الداعمة للمعارضة السورية بهيئة الأركان، وتوجه الأنظار إلى سعي الائتلاف والهيئة والدول الحليفة إلى توحيد صفوف المعارضة المسلحة والخروج بصيغة تتيح للمعارضة المشاركة في جنيف في وفد توافقي.
وقد نقلت صحيفة واشنطن بوست في 13 كانون الأول عن مسؤول أمريكي رفيع المستوى أن الولايات المتحدة مستعدة لدعم تحالف موسع للمعارضة السورية، والذي من الممكن أن يضم إسلاميين بشرط أن لا يكونوا متحالفين مع القاعدة، وأن يوافقوا على دعم محادثات السلام القادمة المقرر عقدها في جنيف. كما صرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية جين ساكي في 16 كانون الأول بأن مسؤولين من وزارة الخارجية الأمريكية قد يلتقون ممثلين للجبهة الإسلامية. إلا أن مسؤولي الجبهة نفوا بشدة لقاءهم مع مسؤولين أمريكان، ولم يصرحوا حتى الآن بحدوث مثل هذا اللقاء.
معسكر النظام
أبدى نظام الأسد استعدادا واضحا لحضور المؤتمر، وأصر على عدم وجود شروط مسبقة. وفي ختام زيارة وفد من نظام الأسد لطهران في 1 كانون الأول، قال مساعد وزير الخارجية في حكومة الأسد فيصل المقداد: "سنجلس ونتفاوض دون أي تدخل خارجي ويجب أن نبحث كل هذه المسائل وأن يكون هناك في نهاية المطاف حكومة موسعة"، مشيرا في الوقت نفسه إلى وجود "تحفظ على مشاركة مجموعات إرهابية مسلحة تقتل الشعب السوري وتسفك دمه في المؤتمر".
كما قال مصدر في وزارة الخارجية في حكومة الأسد في 27 تشرين الثاني إن على الدول الغربية التي تطالب بتنحي الأسد أن تستفيق من أحلامها أو تنسى مسألة حضور محادثات السلام في جنيف. وكان الأسد قد أكد لدى لقائه الأخضر الإبراهيمي في دمشق في 30 تشرين الأول على أن "نجاح أي حل سياسي يرتبط بوقف دعم المجموعات الإرهابية والضغط على الدول الراعية لها". كما نقلت صحيفة النهار اللبنانية في 1 كانون الأول عن سياسيين لبنانيين التقوا الأسد في دمشق عنه أنه قال إن الحسم العسكري الكامل على كافة الأراضي السورية سيكون خلال الفترة القادمة وقبيل انعقاد مؤتمر جنيف 2.
مشاركة إيران والسعودية
أعرب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في 17 كانون الأول عن استعداد بلاده للمشاركة في مؤتمر جنيف 2 في حال دعوتها دون شروط مسبقة، موضحا أن "موقف طهران المبدئي بشأن هذه القضية يتمثل في ضرورة حل النزاع السوري من خلال حل سياسي وديمقراطي دون تدخل أجنبي".
كما صرح المستشار الإعلامي والسياسي لرئيس الائتلاف الوطني السوري فايز سارة في 8 كانون الأول بأن "الائتلاف مستعد للجلوس مع إيران، والتفاوض معها بشكل مباشر، قبل انعقاد مؤتمر جنيف 2، شرط توقفها عن دعم الأسد". وأضاف: "حتى هذه اللحظة لا زلنا ننظر في الائتلاف إلى إيران كدولة محتلة لسوريا من خلال أداتها الرئيسة "حزب الله" و"لواء أبو الفضل العباس"، والدعم الكبير لنظام الأسد مما يحول دون انهياره"، معتبرا أن "الجلوس مع إيران دون توقف هذا الدعم يمثل خيانة للثورة السورية"، مشيرا إلى أن الائتلاف منفتح على "أي طريق يخلص سوريا من نظام الأسد، شرط أن يحترم هذا الحل تضحيات الشعب السوري".
وعلى الرغم من عدم إعلان المملكة العربية السعودية تأييدها الصريح بعد لانعقاد جنيف 2، وعدم تعبيرها عن الصيغة التي تفضل المشاركة بها في المؤتمر، إلا أن رئيس مجلس الشورى السعودي الدكتور عبد الله آل الشيخ طالب في كلمة المملكة خلال اجتماعات الدورة السادسة للجمعية العمومية لاتحاد البرلمان الآسيوي في إسلام آباد بضرورة "توفير الضمانات اللازمة لرعاية وإنجاح مسار الحل السلمي التفاوضي لمؤتمر جنيف 2، وبما يكفل التوصل إلى الاتفاق على تشكيل هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة، وفقا لبيان جنيف في 30 حزيران 2012 الذي أقره مجلس الأمن".
وقد عبر المحلل السياسي السعودي جمال خاشقجي عن أمله في مشاركة السعودية في مؤتمر جنيف 2. وقال خاشقجي "على الرغم من عدم ارتياح السعودية لدعوة إيران إلى المؤتمر كونها تدعم نظام الأسد، فإنني أعتقد وبشدة أنه يتوجب علينا حضور المؤتمر لدعم المعارضة السورية". وأضاف الخاشقجي أن المملكة ستكون داعما للائتلاف الوطني السوري في المؤتمر، كما ستؤكد موقفها الداعي إلى عدم إشراك الأسد في الحكومة الجديدة.
كما نقلت صحيفة ديلي ستار عن تقرير دبلوماسي لبناني في 16 كانون الأول أن مدير الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان طلب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في لقاء جمعهما في وقت مبكر في كانون الأول الجاري قرب موسكو، تأجيل موعد انعقاد مؤتمر جنيف 2، بعد فشل محادثات بين الطرفين بشأن الحرب في سوريا. كما نقل التقرير أن مدير الاستخبارات السعودية عرض دعما سعوديا لقتال الإسلاميين المتطرفين ومنع تمدد نفوذهم داخل المعارضة السورية مقابل مساعدة روسيا في الإطاحة بالأسد من السلطة في المستقبل.
كما أوضح الأمير بندر بن سلطان أن الشروط السعودية لنجاح مؤتمر جنيف 2 تكمن في عدم مشاركة إيران في المؤتمر لمنع طهران من استغلال الاتفاقية بشأن برنامجها النووي لتعزيز موقفها في دعم نظام الأسد. أما الشرط الثاني حسب التقرير، فكان تمديد فترة التحضير لانعقاد المؤتمر، لاعتقاد السعودية بأن ذلك قد يعزز موقفها التفاوضي مع نظام الأسد عبر إحراز نجاحات عسكرية لفصائل المعارضة التي تدعمها مباشرة. والشرط الثالث هو الترجمة الواقعية لبيان جنيف 1، والذي يعني إنشاء هيئة انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة، وبذلك يجب أن يتبنى جنيف 2 هذه الفكرة، على النقيض من اشتراط نظام الأسد على أنه لن يذهب إلى جنيف 2 لتسليم السلطة.
سيناريوهات لجنيف 2
نشرت صحيفة الجارديان في 27 تشرين الأول 2013 مقالا بعنوان "امنحوا سوريا سلاما لا عملية سلام"، طرحت الكاتبة ريما علاف ثلاث رؤى متوقعة لمؤتمر جنيف 2. تكمن الأولى في حرص واشنطن على تجنب المواقف المستقبلية التي قد تؤدي إلى دعوات للتدخل المباشر من قبلها، وأملها بتدويل الجهود الدبلوماسية وحبس الأطراف في جولات غير محدودة من المحادثات، في الوقت الذي تكرر فيه مرارا حديثها الفارغ عن الحاجة للانتقال.
تقول الكاتبة إن الإدارة الأمريكية تبدو وكأنها تسعى في جنيف لعملية تفاوض من أجل التفاوض، على نحو قريب من عملية أوسلو سيئة السمعة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حيث جلس طرفان غير متكافئان للتفاوض دون التوصل إلى أي اتفاق حقيقي. وترى الكاتبة أن من شأن عملية على غرار أوسلو أن تناسب الأسد تماما.
إلا أن طموحات الأسد - الرؤية الثانية - قد ارتفعت إلى ما هو أعلى، فهو ينتظر اتفاقية طائف جديدة (الاتفاقية التي أنهت الحرب الأهلية اللبنانية لمصلحة نظام الأسد)، تطلق له عنان السيطرة على المنطقة، مع إجراء إصلاحات تجميلية عن طريق وضع شخصيات رمزية من "المعارضة الوطنية" في مناصب حكومية غير مهمة.
تشير الكاتبة إلى أن أيا من هذه الخيارات تبدو كارثية لكثير من السوريين بعد عامين ونصف من البؤس المطلق. ولإغلاق هذه الصفحة المؤلمة في تاريخهم، وإعادة البناء والمضي قدما من دون هذا النظام الوحشي، كثيرون منهم يطمحون الآن لرؤية نسختهم الخاصة من اتفاقية دايتون - الرؤية الثالثة -، التي جلبت السلام إلى البوسنة.
تقول الكاتبة: "مع تفكير الأسد وحلفائه باتفاقية طائف، واتجاه أوباما وحلفائه نحو أوسلو، لن تكون هناك فرصة لاتفاقية دايتون. ودون ضغط دولي حقيقي على روسيا لوقف ضغطها من أجل بقاء الأسد القاتل، ربما تكون هناك "عملية جنيف" ولكن لن تكون هناك "اتفاقية جنيف".
أولوية جديدة لجنيف؟
وقد دعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مقابلة مع قناة روسيا 24 في 14 كانون الأول، المعارضة السورية المعتدلة إلى توحيد جهودها مع نظام الأسد لقتال المجموعات المتطرفة والعمل على تأسيس تحالف قادر على القتال ضد الإرهابيين الأجانب.
وقال لافروف إن "المهمة الرئيسة لجنيف 2 هي التركيز على توحيد الجهود لقتال المجموعات المتطرفة التي تحاول تأسيس خلافة إسلامية وهذه مسألة خطيرة... يجب أن تكون المهمة الرئيسية للمؤتمر قتال هذه المجموعات ويجب أن يدعم المجتمع الدولي هذه المبادرة".
وأضاف لافروف أن "الشروط المتبلورة تفرض على السوريين أن يدركوا ما هو المهم بالنسبة لهم؛ إما القتال إلى جانب الذين يريدون تحويل سوريا إلى خلافة، أو أن يتوحدوا لإعادة الصورة الحقيقية لوطنهم كدولة علمانية متعددة الطوائف والمجموعات العرقية".