أمريكا ليست راعيا للمفاوضات

جميل السلحوت

[email protected]

ما رشح عن جولة كيري وزير الخارجية الأمريكي التاسعة في المنطقة، وما طرحه على الرئيس عباس، يؤكد من جديد أن الولايات المتحدة الأمريكية لا يمكن أن تكون راعيا محايدا للمفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية، فهي ليست منحازة وداعمة لاسرائيل فحسب، بل هي تطالب لاسرائيل أكثر ممّا تطلبه اسرائيل نفسها، مستغلة بذلك أوراق الضغط التي تملكها، ومستغلة غياب أيّ موقف عربي رسمي للوقوف في وجه الحملات المضادة، بل هي تجند النظام العربي الرسمي ليكون ورقة ضغط ثالثة على السلطة الفلسطينية. فأمريكا وحلفاؤها في الاتحاد الأوروبي الذين يمسكون بخانوق السلطة الفلسطينية من خلال الدعم المالي، وهو دعم في المحصلة يصبّ في خانة الاحتلال، ويوفر على الخزينة الاسرائيلية ما يتطلبه احتلالها للمناطق الفلسطينية من التزامات مادية، وهم لم يتورّعوا بالتلويح بتهديدات للسلطة تتمثل في احتمال عدم الافراج عن دفعة الأسرى القدامى المقرّرة في 29 ديسمبر الحالي، وتلميح الاتحاد الأوروبي بتقليص رواتب موظفي السلطة في قطاع غزة، وهو تلميح بلا شك بضغط وتنسيق أمريكي جاء مصاحبا لجولة الوزير كيري، وطروحات كيري بتأجير منطقة الأغوار لاسرائيل لعشر سنوات قبلة للتجديد، واحتفاظ اسرائيل بمعداتها العسكرية والاستطلاعية على رؤوس الجبال في الضفة الغربية، وادارة مشتركة للمعابر، والسماح للطيران الاسرائيلي باستباحة أجواء الضفة الغربية، وتدويل القدس القديمة، والاحتفاظ بالتجمعات الاستيطانية، وهي طروحات تنفي بالتأكيد قيام دولة فلسطين العتيدة، وما الحلول التي تقترحها أمريكا إلا تنفيذ لمخطط اسرائيل بادارة مدنية فلسطينية على السكان دون الأرض في الضفة الغربية، وليسميها الفلسطينيون والعرب دولة أو امبراطورية فهذا شأنهم.

 وتأتي "طروحات" الوزير كيري على السلطة الفلسطينية في وقت لم تضغط فيه على اسرائيل لوقف الاستيطان ومصادرة الأراضي، هذا الاستيطان الذي يتسارع بشكل جنوني لفرض حقائق على الأرض تحول دون اقامة دولة فلسطينية. وحتى لم تضغط على اسرائيل لاحترام حقوق الانسان الفلسطيني، بما فيها حق الصلاة في دور العبادة وفي مقدمتها المسجد الأقصى.

 و"اقتراحات" كيري الصهيونية وما يصاحبها من ضغوطات مالية وغيرها، تأتي من أجل تمديد فترة التسعة شهور التي وعدت فيها أمريكا بايجاد حلّ دائم للصراع الذي طال أمده، وهذا التمديد يعني منح اسرائيل الفرصة لاستكمال مشروعها الاستيطاني، ولن يحقق أيّ تقدّم لصالح انهاء الصراع.

والوزير كيري يعرف تماما مدى الضعف والخذلان والتفرق العربي، تماما مثلما يعلم ضعف موارد السلطة الفلسطينية المالي. 

إن طروحات كيري تتطلب من السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية و"إمارة حماس" في قطاع غزة، أن يسارعوا في انهاء الانشقاق القائم منذ منتصف العام 2006. فهذا الانشقاق ورقة رابحة في أيدي أمريكا واسرائيل للالتفاف على حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وعلى طرفي الانشقاق أن يقدّما مصلحة الوطن والشعب على الصراع على سلطة تحت الاحتلال ولا تملك من السلطة سوى الاسم.

واذا ما استمرت هذه الضغوطات، وكل الدلائل تشير على أنها ستستمر، فما الذي يمنع السلطة من حلّ نفسها، واعادة القضية الى الجامعة العربية، لتتحمل الدول العربية مسؤولياتها القومية بهذا الخصوص؟ ولتترك الشعوب تقارع محتليها، والرّهان على الشعوب دائما هو الرابح.