دور الأمثال في تربية الأجيال
من المعلوم أن التراث العربي قبل وبعد الإسلام يزخر بالحكم ولأمثال ، وهي عبارات وجيزة حمولتها حكم هادفة الغرض منها تربية الخلف من خلال الاستفادة من تجارب السلف .
و الله تعالى يقول في محكم التنزيل : (( ويضرب الله الأمثال للناس ))، وله سبحانه وتعالى المثل الأعلى ، وهذا مما زاد من اهتمام المسلمين بالأمثال، وزاد من تعاطيهم لها ما دام الله تعالى قد ضربها للناس لغاية هدايتهم إلى صراط مستقيم ، كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضربها لهم أيضا ، فكانت وسيلة من وسائل هديه النبوي الشريف .
ولقد سار أهل العلم والحكمة على خطى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضرب الأمثال لتوجيه الناس إلى السلوك القويم ، والتصرف السليم .
وأنا أتصفح كتاب المستطرف في كل فن مستظرف للأبشيهي، استوقفني فصل من فصوله عنوانه : " أمثال العرب " ، ففكرت في استعراض ما في بعضها من فوائد تفيد جيل هذا الزمان كما أفادت أجيالا سابقة ، ورب نفع يحصل من مثل وجيز خير من نفع كتاب أو كتب إذا ما صادف من يحسن تدبره.
وفيما يلي بعض أمهات تلك الأمثال التي ظننت أن الوقوف عندها أولى من الوقوف عند عيرها مما في هذا الفصل :
ـ "إن الجواد قد يعثر " : يضرب للتعبير عن حصول الخطأ ممن لا يتوقع منه.
ـ "إنما هو كبرق خلّب " : يضرب للتعبير عن سرعة زوال الأحوال .
ـ " إنك لا تجني من الشوك العنب " : يضرب لمن يطلب النتائج دون الأخذ بالأسباب ، وأحسن منه قول الشاعر :
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس
ـ " إن لم يكن وفاقا ففراق " : يضرب لمن انتهت المودة بينهم بعد عشرة ، وأفضل منه قول الله تعالى : (( إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان )).
ـ " إذا حان القضاء ضاق الفضاء " : يضرب عند اشتداد الكرب ، وأفضل منه قول الله تعالى : (( وضاقت عليهم الأرض بما رحبت )) .
ـ " إن المناكح خيرها الأبكار " : يضرب للترغيب في أفضل خيار يعرض للإنسان.
ـ " إذا كنت مناطحا فناطح بذوات القرون " : يقال لمن لا يحسن الاستعداد لخوض النزال ، وخير منه قوله تعالى : (( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل)).
ـ " إياك أن تضرب بلسانك عنقك " : يقال لمن لا يقدر عواقب ما يفوه به ، وخير منه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبيّن فيها يزل بها إلى النار أبعد ما بين المشرق والمغرب " .
ـ " آفة المروءة خلف الوعد " : يضرب لذم من لا ينجز وعده، وقد جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن خلف الوعد من علامات النفاق .
ـ " إذا أتاك من فقئت عينه، فلا تقضي له حتى يأتيك خصمه فربما أتاك وقد فقئت عبناه " : يضرب للتحذير من التسرع في القضاء بين الخصوم .
ـ " ترك الذنب أيسر من طلب التوبة " : يضرب للتحذير من الوقوع في الخطأ مع وجود مندوحة عنه .
ـ " حافظ على الصديق ولو في الحريق " يضرب للترغيب في صيانة المودة بين الأصدقاء في ساعة الشدة .
ـ " الخيل أعرف بفرسانها " : يضرب للتعبير عن الخبرة .
ـ " رب رمية من غير رام " : يضرب للتعبير عن حسن الصدف أو تحصيل فائدة دون جهد .
ـ " رب أكلة تمنع أكلات " : يضرب للتحذير في إسراف لا تحمد عقباه .
ـ " استراح من لا عقل له " : يضرب للتعبير عمن لا مبالاة له .
ـ " رب سكوت أبلغ من جواب " : يضرب حين ينوب الحال عن المقال .
ـ " رب ملوم لا ذنب له " : يضرب للتعبير عمن يحاسب دون ذنب جناه .
ـ " رب عين أنمّ من لسان " : يضرب للتعبير حين يكون التلميح أبلغ من التصريح.
ـ " ركوب الخنافس ولا المشي على الطنافس " : يضرب للإشادة بالقناعة .
ـ " سبّك من بلّغك السب " : يضرب لذم السعي بالوشاية بين الناس .
ـ " سحابة صيف عن قليل تنقشع " : يضرب للتعبير عن سرعة تحول الأحوال.
ـ " شر أيام الديك يوم تغسل رجلاه " : يضرب للتعبير نعمة في طيها نقمة .
ـ " ظاهر العتاب خير من باطن الحقد " : يضرب للتعبير عن إعلان يكون خيرا من إسرار .ومثله قولهم : " الصراحة راحة " .
ـ " عند الصباح الظلام مرتعه وخيم " : يضرب للتعبير عن فوات الأوان .
ـ " عند النطاح يغلب الكبش الأجمّ " : يضرب لمن يغلبه خصمه بما أعدّ له .
ـ " العتاب قبل العقاب " : يضرب للتعبير عن التدرج في المحاسبة .
ـ " عند الرهان تعرف السوابق " : يضرب للتعبير عن انكشاف الحقائق والكفاءات، ومثله قولهم " عند الامتحان يعز المرء أو يهان " .
ـ " عند النازلة تعرف أخاك " : يضرب لتمحيص الأخلاء قبل مخاللتهم.
ـ " لقد اسمعت لو ناديت حيّا " : يضرب للتعبير عن اليأس من نصح من لا ينتصح ، وهو ييت شعر شطره الثاني " ولكن لا حياة لمن تنادي " .
ـ " كل كلب ببابه نبّاح " : يضرب للتعبير عن المألوف .
ـ " أكثر مصارع الرجال عند بروق المطامع " : يضرب لذم الطمع والتحذير من عواقبه الوخيمة ، والعوام يقولون : " الطمع طاعون " .
ـ " كل إناء ينضح بما فيه " : يضرب للتعبير عن تفاوت الناس في أقدارهم.
ـ " كلب جوّال خير من أسد رابض " : يضرب للتعبير عن فضل الساعي على القاعد.
ـ " لقد ذلّ من بالت عليه الثعالب " : يضرب للتعبير عمن لا حول له ولا قوة ، وهو الشطر الثاني من بيت شعر يذم قائله صنما كان يعبده ، شطره الأول قوله : " أرب يبول الثعلبان برأسه ؟ ".
ـ " ليس الخبر كالعيان " : ويضرب للتعبير عن ظهور الحقيقة ، ومثله قولهم : " ليس من رأى كمن سمع " .
ـ " لكل ساقطة لاقطة " : يضرب لتحذير المتكلم من كلام لا يلقي له بال فينقله عنه غيره .
ـ " لسان رطب ويدان من خشب " : يضرب للتعبير عمن يقول ولا يفعل .
ـ " ليست النائحة الثكلى كالمستأجرة " : يضرب للتعبير عن صدق التأثر عند المصيبة .، ومثله قول الشاعر :
إذا اختلطت دموع في جفون تبيّن من بكى ممن تباكى .
ـ " لا عطر بلا عروس " : يضرب للحال تدل عليها قرينة ، ومثله قولهم : " لا دخان دون نار ".
ـ " لا يضر السحاب نباح الكلاب " : ويضرب للتعبير عن تجاهل من لا يضر . ومثله قولهم : " القافلة تمر والكلاب تنبح " .
ـ " لا تقتن من كلب سوى جروا " : يضرب للتعبير عن خيبة الأمل في من تنتظر منه فائدة ، ومثله المثل الشعبي عندنا : " ما لم يأت مع عروس لا يأتي مع أمها " ، ويقصد بذلك ما تجلبه العروس من جهاز من بيت والديها إلى بيت الزوجية .
ـ " ما حكّ جلدك مثل ظفرك " : يضرب للتعبير عن الاعتماد على النفس .
ـ " من عتب على الدهر طال عتبه " : يضرب لمن يكثر من لوم الظروف لتبرير عجزه أو فشله .
ـ " هذه بتلك والبادىء أظلم " : يضرب للتعبير عن الرد على المعتدي عقابا له.
ـ " حبذا الإمارة ولو على الحجارة " : يضرب للتعبير عن السيادة مهما كانت .
ـ " يكسو غيره وإسته عارية " : يضرب للتعبير عمن يعطي غيره وبه خصاصة .
ـ " يدك منك وإن كانت شلاء " : يضرب للتعبير عما لا مندوحة عنه .
هذه بعض الأمثال الواردة في كتاب المستطرف في كل فن مستظرف، انتقيت منها الأمهات لبيان أهميتها ودورها في تربية الأجيال خصوصا وأن جيل هذا الزمان يجهل الأمثال جهلا فظيعا ، ولا يحفظ منها شيئا كما كانت الأجيال السابقة ، ولا يتمثل بها في حياته مع أنها بإيجازها تغنيه عن طول النصح .
ولا شك أن الأكياس منهم سيستفيدون منها في حين أنها لن تحرك ساكنا فيمن لا كياسة لهم ،ولهؤلاء نكرر قول الشاعر وقد مر بنا ضمن هذه الأمثال :
لقد أسمعت من كان حيا ولكن لا حياة لمن تنادي .
ولقد امتن الله تعالى على من آتاه الحكمة فقال : (( ومن يِؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا )) . صدق الله العظيم .
وسوم: العدد 999