روسيا والربيع الإسلامي القادم

محمد علي شاهين

[email protected]

ليس من المستغرب أن تتوجّس أمريكا ريبة من كل أشكال التطرّف والإرهاب، بعد انهيار مجمع التجارة العالمي واستهداف البنتاغون، وأن تقود أمريكا الحرب ضد (الإرهاب الإسلامي).

وأن تشن جهات ذات أغراض خاصّة موجة من الكراهية والحملات الدعائيّة في وسائل الإعلام ضدّ الإسلام والمسلمين، وكان مما أبدعه الحاقدون تلك الرسوم الكريكاتيريّة الساخرة من الرسول (ص).

ولم يكن من المستغرب أن تنخرط روسيا في الحرب التي أعلنها جورج بوش على الإرهاب، وتتبعها الصين التي حاولت إيجاد علاقة بين المتمردين المسلمين والإرهاب العالمي، عندما شعرت بالقلق من مشكلة الإيغور وطموحاتهم الانفصالية، لأن الدول الاستعماريّة تخشى من قوة الإسلام الذي تعتبره مصدر دعم أيديولوجي للشعوب المستعمرة.

وهكذا ركب حكام روسيا الاتحاديّة الموجة، فأخذوا يتحدثون في كل محفل عن التطرّف والإرهاب، وكأنّهم بانتظار موعود ما ستسفر عنه سياستهم المنحازة للأنظمة الديكتاتوريّة المستبدّة في جمهوريات آسيا الوسطى من نتائج، وقامعي الشعوب في الشرق الأوسط.

وأشد ما تخشاه روسيا الإمبرياليّة اليوم أن تثور الشعوب في وجه عملائها، وتنتقل حمّى الربيع العربي السني إلى آسيا الوسطى، فتفقد نفوذها السياسي والعسكري والاقتصادي في رقعة شاسعة من قارّة آسيا، وتتبدّد مصالحها واحتكاراتها المتمثلة في: المنتجات الزراعيّة، والنفطيّة، واليورانيوم، والسوق الاستهلاكيّة الواسعة للبضائع والسلع الروسيّة الأقل جودة، وخاصّة بعد دخول إيران وتركيا وإسرائيل ساحة التنافس على أسواق آسيا. 

ونصبت روسيا من نفسها محامياً للشيطان في مجلس الأمن والهيئات الأمميّة، وأقامت جسراً جويّاً وبحرياً لم يتوقف عن إمداد نظام القتل والجريمة بالسلاح والمعدات العسكريّة والقذائف والصواريخ ليواصل جرائمه بحق الشعب السوري، والتنكيل بأحراره.

وتولت مهمّة حماية عملائها وصنائعها من غضبة الشعوب، وتسترت على جرائمهم، ما داموا أمناء على مصالحها، حتى ولو استخدموا الكيماوي وأسلحة الدمار الشامل في قتل شعوبهم، فلوّثت سمعتها، وفقدت مصداقيتها، واحترام شعوب الأرض لها، يوم أغمضت عينها عن قتل الأطفال، ومحاصرة المدنيين وتجويعهم، وكانت شاهدة زور على ما يرتكب من جرائم ضدّ الإنسانيّة.   

وكانت روسيا الاتحاديّة وريثة الاتحاد السوفييتي البائد عام 1991 قد نصّبت نفسها راعية لرابطة الدول المستقلّة، واحتفظت بمقعدها في مجلس الأمن، وبشيفرة إطلاق القنابل النوويّة، وورثت تركة الرجل المريض السياسيّة والاقتصاديّة.

وأعاد الحزب الشيوعي إنتاج نفسه بشعارات جديدة، وبقي النظام بأجهزته الأمنيّة والبيروقراطيّة في جمهوريات آسيا الوسطى الخمس، وأقام حكومات دكتاتوريّة متخلّفة، قائمة على تزوير الإرادة الشعبيّة، وكبت الحريات السياسيّة والدينيّة.  

ففي طاجيكستان حيث تحتكر السلطة، لا يسمح القانون بدخول المساجد لمن لم يبلغ التاسعة عشرة من عمره، ويحرم على الفتيات المحجبات دخول المدارس والجامعات، ولا يسمح للاسلاميين بالتعبير عن وجهة نظرهم بحريّة في القضايا العامّة، ويتهم الإسلام السياسي بتهديد الاستقرار رغم إدانة الحركات الإسلاميّة لكل أشكال الإرهاب، بما فيه إرهاب الدولة، وتفريقهم بين الإرهاب المدان من المجتمع الدولي، وبين مقاومة الشعوب التي تقاتل للحصول على استقلالها وحقوقها.

 

وخلال تلك الفترة المظلمة من تاريخ الاتحاد السوفييتي، لم تعتنق شعوب آسيا الوسطى الشيوعيّة مذهباً خلال حكم السوفييت، بعد الذي ذاقته من خلفاء لينين من ذل وإرهاق، وبقيت وفيّة لقيم الإسلام، تستلهم منها مبادئ العدل والانصاف.

ونجحت السياسات الروسيّة في دعم النزعات الانفصاليّة، وإحياء الحركات القوميّة الانعزاليّة بين الأوزبك، والطاجيك، والتركمان، والقرغيز، والكازاخ، والقيرغيز، والنزاعات الحدوديّة.

وحجبت حضارة الإسلام وتراثه وتاريخه، وسيرة روّاد الحضارة عن الأجيال، وقطعت أواصر المحبّة والتعاون بين الشعوب العربيّة وشعوب آسيا الوسطى التي أنجبت للحضارة الإسلاميّة البخاري، والترمذي، والبيروني، والخوارزمي، والفرغاني، والفارابي وغيرهم.

وازدادت قبضة طغاة آسيا الوسطى بعد الربيع العربي على الثمانين مليون مسلم، وتلقوا دعماً سياسيّاً وماليّاً من روسيا التي غضت الطرف عن جرائمهم وفسادهم، وشجّعتهم على حرب الإسلام، والتآمر على المسلمين.

وأدرجت روسيا ومن يدور في فلكها الأحزاب الإسلاميّة التي ينشد الشباب فيها الخلاص من معاناتهم المتمثلة بالفقر والبطالة في قوائم المنظّمات الإرهابيّة، وأخذت تشكّك بتسامح المسلمين واندماجهم مع أصحاب الأديان، ووجّهت إلى المسلمين تهمة التطرف والإرهاب على الطريقة الأمريكيّة، إما عمدا أو جهلا، في محاولة لتأخير يقظة المارد الإسلامي.

وكانت تهمة الارهاب والتطرّف جاهزة في بلاد الربيع العربي لتتصدّر قائمة الاتهامات الملفّقة ضد الإسلاميين، عسى أن تغض الهيئات والمنظّمات الخاضعة لوصاية الدول الكبرى الطرف عن جرائمهم وانتهاكاتهم لحقوق الإنسان، وأن يفوز طغاة المنطقة وسفهاؤها برضى أمريكا التي تخوض حرباً ضد الإرهاب.

وظنت روسيا ومن يلوذ بها أنّهم مانعتهم حصونهم من الله، لكن البشارات تؤكّد بأن الربيع الإسلامي قادم.