تزوير تاني
عزة مختار
اعتدنا ذلك المشهد طويلا
سنوات تمر ونحن ننتقل من لجنة انتخابية للجنة استفتاء لعناوين ضخمة تعبر عن نتائج تلك الانتخابات والاستفتاءات مقدما دون حتى أن تتم
والنتائج كانت دوما معروفة ومعلنة دون خجل ودون اعتراض من أحد ، فمن كانوا يعترضون كانوا غالبا في المعتقلات في الفترات التي تسبق أو تلي تلك الاستفتاءات المزيفة
كانت القاصمة الكبرى في انتخابات مجلس الشعب المصري في 2010 حيث كانت المهزلة الكبري والتمثيلية الممجوجة من عملية تزوير فج تحدت الإرادة الشعبية التي خرجت وصدقت أن هناك حرية ونزاهة كما ادعي الفاسدين ،، صدق الناس وخرجوا للتصويت ليجدوا أن النتائج المعلنة هي أكبر عملية إقصاء في التاريخ ، بمجلس شعب مدفوع الأجر ، من دفع أكثر هو من حصل علي كرسي عضوية ، ويحصد رجال الأعمال غالبية المقاعد والفتات كان فيها لبعض الأحزاب التي باعت القضية لتحصل علي الأجر مؤجلا .
كان هذا المجلس الهزلي من اقوي الأسباب التي أدت لانفجار ثورة الخامس والعشرين من يناير في مصر ، وقد كانت البلاد في ذلك الوقت في حالة من الغليان لا تحتمل بعدما بلغ الظلم مبلغه .
لم أري ناخبا في العالم يحارب من أجل الوصول إلي الصندوق مثلما حارب الناخب المصري ، في مشاهد مسرحية ، ينقسم الشعب ، إما معرض عن التصويت بسبب انه يعلم جيدا أن النتائج موضوعة مسبقا وأن ذهابه هو مجرد ديكور للنظام القائم بأن الناس توجهوا فعلا إلي التصويت ، وإما أنه يذهب ليجد مشقة كبيرة في الوصول للصندوق للتعبير عن رأيه ، أو أنه يصل ثم يجد أن صوته ليس له قيمة من الأساس
فاعتدنا السلبية ، ليست سلبية نتيجة الكسل ، وإنما سلبية نتيجة استسلام لأنظمة خلفتها أنظمة استعمارية لتضمن بقاء مصالحها في المنطقة فسلمتها لعسكريين أضاعوا الجيوش وأضاعوا البلاد في ذات الوقت .
وبات التزوير في مصر مسلمة من المسلمات
وأصبحت كلمة نزاهة لا تعني سوي المزيد من التزوير والسطو علي إرادة الناخب
اعتدنا ذلك المشهد حتى مجيء الثورة المباركة ، ليعلم المواطن أنه أساس كل شيء ، وأن إرادته هي النافذة ، تلك الإرادة التي دفع ثمنها دما
فقه المواطن الدرس وتعلم وتوجه بكل ايجابية نحو الصناديق وهو يعرف أن صوته هذه المرة سوف يؤثر في مستقبله ومستقبل بلاده ، وشهدنا طوابير الناخبين في مصر لأول مرة في تاريخها في مشهد حاربنا طويلا كي نراه في بلانا
وأثبت المصري انه حيث تتاح له الفرصة فسوف يكون من أكثر الناس تحضرا ووعيا
وضربت المرأة المصرية الكادحة المتعبة أروع الأمثلة في الثبات والفهم ، كذلك شباب مصر ورجال مصر .
لكن العسكر لم يستوعبوا درس الخامس والعشرين من يناير جيدا
وكان الطرف الثالث كما أطلق هو علي نفسه ، هو اللعبة الغير شريفة التي مارسها هؤلاء علي الشعب بشراء الإعلام وتوجيهه وتسليط سياط الكذب والخداع علي الشعب ليزيف الحقائق ويشوه الشرفاء ويضيع الثورة في دهاليز المشكلات المفتعلة ومحاربة كل ما يمكن أن يوفر بعض الحياة الكريمة للمواطن المصري ليظل مكبلا بمتطلبات الحياة اليومية مثلما كان دائما .
الإعلام ، ثم القضاء الفاسد ، ثم المؤسسة الأمنية الممثلة في الشرطة التي ظلت متربصة للمواطن حتى تعود سطوتها عليه من جديد في مشاهد لا تليق بإنسانية الإنسان
ويعود النظام الأسود بكل غشمه السياسي ، لكن بعد فوات الأوان ، يعود بعملية سطو كبير وعملية تزوير أكثر فجاجة مما كان عليه عهودا متتالية منذ أوائل الخمسينات .
ليس بتزوير إرادة الناخب هذه المرة ، وإنما بالسطو علي تضحيات جاد بها من خيرة أبنائه ، أرواحا ودماء كي يحصل علي إرادتاه الكاملة في اختيار من يحكموه ، وفي الخروج من ورطة الحكم العسكري التي ابتلينا بها كثيرا .
يعود العسكر لكنهم تأخروا كثيرا هذه المرة ، إذ ذاق الشعب حلاوة الحرية ، وكاد أن يتم دفع ثمنها ومستحقاتها لولا مؤامرة كبري أداروها بعناية فوقع فيها من وقع ، وانتبه قبل فوات الأوان من انتبه
ولتمتد ثورة الخامس والعشرين من يناير من جديد في ربوع مصر
في ذات الوقت الذي يعد فيه المتآمرون عدتهم بإيجاد دستور صنعوه خصيصا لهم ، وكأنه لم تقم ثورة ، وكأنه لم تكن هناك تضحيات ، وكأنه لم تكن هناك دماء بذلك ، وكأن الشعب الذي كان صامتا وانتبه وانتفض ما زال هو نفس الشعب ، وكأن كل حواجز الخوف لم تكسر
جاء العسكر متأخرين كثيرا ، فقد قال الشعب كلمته في الخامس والعشرين من يناير ، وقالها في الثالث من يوليو منذ لحظة الانقلاب الأولي ، وقالها في المجازر المتتالية التي كشف فيها العسكر عن أقنعته للكثيرين فظهرت الصورة المتوحشة للمنقضين علي إرادة الشعوب ، وقالها يوم فض رابعة حين قدم الآلف من الشهداء ولم يتراجع ، بل ازداد ثورة وثباتا في المواجهة السلمية التي أدهشت العالم كله .
يريدونها تزويرا بشكل جديد
دستور جديد في الوقت الذي خرجنا لنقول نعم لدستور احترمه العالم لنخبة مختارة بالإدارة الشعبية الحقيقية ممثلة لمرجعيته الأصيلة .
عندنا دستورا بل فيه من الجهد لرجال مخلصين شرفاء وعلماء ومتخصصين وليست نخبة فاسدة تمثل أردأ رجال مصر ونسائها
المسألة ليست دستورا وبعض البنود
المسألة هي فرض الإرادة العسكرية وتلك أولي خطواتها
ليس مهما أن تقول نعم للدستور أولا ، ذلك ليس مهما عندهم
وغنما المهم أن نعود شعب يساق كالنعاج في حظيرة العسكر
هؤلاء لا يحترمون رأي ولا تهمهم صناديق وإلا فما كانوا حطموها قبلا وحلوا كافة المؤسسات التي أتت عن طريق الانتخابات الحرة والتي شهد لها العالم
هم لا يريدون استفتاءا علي دستور
إنما يريدون استفتاءا علي وجودهم
ومجرد توجهنا لتلك المهزلة هي اعتراف بحكم اللص
لن نذهب إليهم سواء بنعم أو بلا
لا شرعية للص
لا شرعية لمنقلب
فنحن دولة لها رئيس منتخب ، ولها دستور مستفتي عليه ، ولها مؤسسات تشريعية لم يفرضها علينا أحد
لن نقاطع الدستور لأنه لا يعجبنا
وإنما سنقاطع هؤلاء الانقلابيين الذي اغتصبوا إرادتنا الحرة
ليس لهم عندنا سوي الثورة الشاملة حتى يزولوا وتعود كل مؤسساتنا التي اخترناها من مجلسي الشعب والشورى ورئاسة جمهورية .
نحن شعب قال كلمته وانتهينا منها وتبقي علينا بناء بلادنا لتأخذ مكانتها التي تستحقها بين الأمم ، لكن قبل ذلك نطهرها أولا من مغتصبيها .