الإدارة الذاتية للـ PYD تتغذى على تقاطع مصالح إقليمية ودولية

الإدارة الذاتية للـ PYD

تتغذى على تقاطع مصالح إقليمية ودولية

إبراهيم العلبي

الإدارة الذاتية ليست مفاجئة

لم يشكل الإعلان عن إدارة ذاتية انتقالية في المناطق الكردية من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي "PYD" وحلفائه مفاجأة لمتابعي الشأن السوري عامة والشأن الكردي على وجه الخصوص، فجميع المؤشرات كانت تدل منذ بداية الأحداث التي تلت انطلاق الثورة السورية على أن الأكراد وإن كانوا يشتركون مع إخوانهم العرب في معارضة نظام الأسد والسعي لإسقاطه، بيد أنهم أو على الأقل حزب "PYD" لا يشاطرونهم الرؤية تماما حول مرحلة ما بعد الأسد.

فالحزب الذي يعد ذراع حزب العمال الكردستاني التركي في سورية، يقارب القضية السورية من وجهة نظر قومية، ولا يطمئن لطروحات المعارضة السورية حول دولة مدنية ديمقراطية تساوي بين أبنائها، ولا يرى ضمانة للأقلية التي ينتمي إليها إلا في دولة كردية قومية مستقلة أو كيان مستقل بحكم ذاتي في إطار سورية، وإن كان بعض الأحزاب الكردية ذات التوجهات الليبرالية لا تتفق مع توجهات حزب الاتحاد الديمقراطي ولا تتبنى طرحه حول ضرورة السعي لإدارة ذاتية للمناطق الكرديةإلا أنها ليست منافسا حقيقيا للحزب على المستوى الشعبي، كما أنها ليست ضد فكرة الإدارة الذاتيةمن حيث المبدأ، بل ضد انفراد هذا الحزب بمقاليد الأمور وضد إثارة العرب بمثل هذه التحركات فيهذا التوقيت من عمر الثورة السورية التي لا زالت تشق طريقها نحو هدفها وسط جملة من المخاطر والتحديات.

بوادر تحالف الضعفاء

لا يخفي حزب PYD حقيقة أنه لا يرى في نظام الأسد عدوا خطيرا كخطورة الإسلاميين الذين يصفهم بـ"المتشددين"، وبالتالي فهو لا يجد حرجا في الدخول في معارك ضد هؤلاء بمساندة قوات الأسد، أو الاشتراك مع هذه القوات في حربها ضدهم في معارك تدور في المناطق القريبة من نفوذ هذا الحزب.

وفي الواقع، هناك عوامل إقليمية ودولية وظروف ملائمة أدت إلى تزايد نفوذ حزب "PYD" وتصاعد قوة ميليشياته على الساحة الكردية، كما على الساحة السورية في وجه الفصائل الإسلامية والجيش السوري الحر، فتركيا التي تعد العدو التقليدي لحزب العمال الكردستاني، تدعم -سياسيا على الأقل- المعارضة والفصائل المقاتلة ضد بشار الأسد، كما أنها تتمتع بعلاقات متميزة مع قيادة إقليم كردستان العراقي تجسدت مؤخرا في زيارة تاريغية لرئيس الإقليم مسعود بارزاني إلى تركيا ولقائه برئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في مدينة ديار بكر، كبرى المدن الكردية فيتركيا، وكما هو معروف فإن حزب بارزاني سواء في إقليم كردستان العراق أو في سورية على علاقة سيئة وفي تدهور مستمر مع حزب العمال الكردستاني وأذرعه في المنطقة.

محور مقابل محور

أدت هذه التناقضات إلى تحالف تركيا وبارزاني ضد حزب "PYD" في سورية، وهو المدعوم مؤخرا من نظام الأسد ومخابراته، على اعتبار أن هذا الحزب يوفر سدا منيعا أمام تقدم الثوار وسيطرتهم على المزيد من الأراضي، ناهيك عما قيل حول انسحاب قوات الأسد من المناطق الكرديةمع بداية انطلاق العمل المسلح ضد النظام على أنه تكتيك مقصود، هدفه تسليم المناطق الكرديةللحزب الكردي مقابل موقف محايد، ظاهريا على الأقل، كما أن دعم نظام الأسد لحزب العمال وأذرعه يعكر على الجارة المشاكسة تركيا هدوءها ويشغلها عن دعم الثورة السورية ولو جزئيا.

وبما أن حكومة المالكي متحالفة أو قريبة من نظام بشار الأسد فقد انضمت إلى حلف الأسد و PYD، وتجلى هذا الانضمام بصورة قاطعة في معركة السيطرة على معبر وبلدة اليعربية الحدودية مع العراق قبل شهرين تقريبا، حيث دخلت الميليشيات التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي إلى البلدة بمساندة جوية وبرية من قوات الجيش العراقي وبغطاء من قوات الأسد.

وبحسب وكالة رويترز في تقرير لها حول إعلان الإدارة الذاتية الكردية، فإن منتقدي حزب الاتحاد الديمقراطي يتهمون الحزب بالحصول على مساعدة من قوى خارجية، وتحديدا من إيران والحكومة المركزية التي يتزعمها الشيعة في العراق، وكلاهما حليفان للأسد.

القوى الكبرى تستثمر

أما القوى الكبرى التي تدعي دعمها للمعارضة السورية،  فقد رأت "ميدل ايست أونلاين" أن هذه القوى تأمل في أن يوجه الأكراد ضربة للمقاتلين المرتبطين بتنظيم القاعدة الذين ظل نفوذهم يتصاعدفي شمال سورية على مدى شهور دون قوة مكافئة.

وربما يفسر تقاطع المصالح هذا تجرؤ حزب "PYD" على الإقدام على خطوة الإعلان عن الإدارةالذاتية الانتقالية بصورة شبه منفردة، دون التوقف عند ما قد يحدثه هذا الإعلان والشروع فيتنفيذه من إعادة ترتيب الأولويات في المنطقة من قبل لاعبين مؤثرين يطوقون مناطق نفوذ الحزب، وهم إقليم كردستان العراق، وتركيا، والجيش السوري الحر، والفصائل الإسلامية.

ردود فعل تجاه الإدارة الذاتية

وإن كان المسؤولون الأكراد العراقيون قد امتنعوا عن التعليق علانية حول إعلان الإدارة الذاتيةمن قبل حزب الاتحاد الديمقراطي في حينه، إلا أنهم –بحسب تقرير لرويترز- قالوا بصفة غير رسمية إنهم يرون أن الإعلان الذي يضع خططا لإقامة حكومة إقليمية مثل حكومتهم يأتي في إطار اتفاق مع رئيس النظام السوري بشار الأسد.

أما وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو فقد صرح في ذلك الحين باتهام حزب الاتحاد الديمقراطي بإعادة بناء علاقاته مع الأسد وخنق أصوات منتقديه، قائلا "أكبر خطأ ارتكبه حزب الاتحاد الديمقراطي هو قمع المعارضة الكردية في المناطق التي يسيطر عليها وممارسة ضغوط شديدة على الأكراد الآخرين إلى حد أننا والحكومة الإقليمية في شمال العراق نتلقى كثيرا من الشكاوى من الأكراد هناك".

وهو أمر أكده لوكالة "مسار برس" القيادي في حزب "آزادي" الكردي مصطفى جمعة في تعليقه على إعلان الإدارة الذاتية من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي، حينما اتهم بحسب تقرير سابق للوكالة حزب "PYD" بممارسة “الاستبداد والفاشية” قائلا إنهم لا يقبلون إلا بمن يتحالف معهم وينفذ أجندتهم، وأوضح أن موقف الحزب عدائي تجاههم وبقية الأحزاب التي لا تتفق معهم، قائلا إن 19 عضوا من حزب "آزادي" معتقلون لديهم في عفرين واثنان في حلب وآخران بعين العرب، بسبب نشاطهم السياسي.

ولم يستبعد السياسي الكردي أن يكون اتفاق ما بين حزب "PYD" وجهات في نظام الأسد وراء هذا الإعلان، وذلك لإعطاء بشار الأسد مبررا للتمسك بكانتونه العلوي وخدمة مخططه السياسيفي سورية، على حد وصفه.

وكان لافتا مطالبة البيان الذي أعلن عن قيام الإدارة الذاتية الانتقالية القوى العالمية والدول المجاورة دعم الإدارة الجديدة التي قالوا إنها كسبت تأييد الجماعات السياسية والأقليات المختلفة فيالمنطقة.

تأثير جنيف2

أما مؤتمر جنيف2، فليس خارج إطار المؤثرات التي أحاطت بالإعلان عن الإدارة الذاتية، ولو من حيث التوقيت على أقل تقدير، حيث عبر جعفر عكاش ممثل حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي لصحيفة الشرق الأوسط، الصادرة في لندن، قبيل الإعلان المذكور عن عزم الأكراد على تشكيل الإدارةالجديدة، قائلا "نحن ماضون إلى مؤتمر السلام حول سورية (جنيف2)، ولكن سنعلن قبله عن تشكيل الإدارة الذاتية بمناطقنا".

ومن المعلوم أن الدول الغربية تضغط على المعارضة السورية لحلحلة الموقف من القضية الكرديةوضم الأكراد بمختلف تشكيلاتهم إلى الائتلاف الوطني، وكان آخر ما سجل في هذا السياق ضم المجلس الوطني الكردي والذي يضم عدة أحزاب وقوى كردية تختلف مع توجهات حزب الاتحاد الديمقراطي ولكنها تتفق معه حول ضرورة الذهاب إلى مؤتمر جنيف2.

ويبقى أن الأكراد مختلفون حول نقطة الحضور في وفد كردي مستقل أم ضمن وفد الائتلاف، ففيحين يطالب الاتحاد الديمقراطي الكردي بوفد كردي مستقل يمثلهم في مؤتمر جنيف2 لا يرى المجلس الوطني الكردي مانعا من الحضور تحت راية الائتلاف الوطني ضمن وفد واحد.

وينقل محامو زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان رسالة توجه بها إلى السياسيين الأكراد السوريين مع احتدام الصراع في سورية وتعدد أطرافه، حيث يجيب الزعيم الكردي عن عدة تساؤلات حول المسار العام للقضية الكردية ومكانها من القضية السورية، بالقول: "يجب ألا تكونوا مع الأسد، ويجب ألا تكونوا مع المعارضة، يجب أن تكونوا القوة الثالثة في سورية، وعليكم إعداد 100 ألف مقاتل لحماية المناطق الكردية، وإذا لم تعتمدوا هذه الإستراتيجية سيتم سحقكم".