في عصر كشف نقاط الدول
عثمان أيت مهدي
هل يتصور الجزائري الساذج، في عصر كشف نقاط الدول، أنّ الأنترنات لها القدرة على ممارسة مقص الرقابة، أو احتكار المعلومة وتوزيعها بحسب الطاعة والولاء؟ وهل يؤمن بإمكانية الجزائر في توجيه المستخدمين والقراء إلى موقع معين وحجب مواقع أخرى كثيرة عليه؟ إنْ وجد هذا الجزائري فيعني أنّ التكنولوجيا لم تحرر الإنسان من عبودية الأنظمة وقهر أولي الأمر له، وما زال أمام التنكنولوجيا أميالا أخرى لقطعها لتصل بالإنسان العبد المستعبد إلى فضاء الحرية وحقوق الإنسان والحكم الراشد.. وإن كنت أشكّ في وجود هذا الإنسان لاعتبارات كثيرة، أهمها:
انتشار الهاتف المحمول بشكل رهيب وفي وقت قصير بالجزائر، وأصبح الاتصال بين برج باجي مختار في أقصى صحرائنا بأعالي قمم جرجرة في لحظات، ناهيك عن قدرة الاتصال بين قصبة الجزائر وقصبة قسنطينة أو قصبة المدية.. وأصبح الهاتف المحمول في متناول الصبيان والكهول، الفقراء والأغنياء، النساء والرجال، ولا أبالغ إذا قلت أنّ لكل فرد جزائري أكثر من شريحة إلكترونية، وأكثر من هاتف..
رغم احتكار الدولة وفرض سيطرتها على الأنترنات للحدّ من انتشارها الواسع وسعة تدفقها، إلا أنّ الجميع متأكد أنّ الأنترنات سيحدو خلف الهاتف المحمول، وينتشر في السنوات القادمة انتشارا يرعب السلطات، التي لا محالة سترفع الراية البيضاء مستسلمة للواقع التكنولوجي المتطور بسرعة.
ظهور تكنولوجيا الأنترنات من الجيل الثالث والرابع وقريبا الخامس بشكل سريع، ملفت للانتباه، قد تجد هذه التكنولوجيا عرقلة لبعض الوقت من طرف مسؤولينا الساهرين على جهلنا وتخلفنا، لكن، ليس أمامهم القدرة على تصدي هذه الموجة العظيمة، وهذا الإعصار الكبير الذي تحمله الرياح الهوجاء العاتية المتوجهة نحو الجزائر من الشمال إلى الجنوب.
إذا كان الأمر واقعا مفروضا علينا من الذين تذوقوا طعم الحرية وأعجبوا بالحكم الراشد وآمنوا بحقوق الإنسان، فلماذا نخفي رؤوسنا في التراب، ننشئ مواقع إلكترونية ثمّ نسيّرها بطريقة الصحف الورقية بحرية مقيدة، وأفكار جامدة؟ إنّ المتصفح لكثير من المواقع الجزائرية في الشابكة لا يجد فرقا بينها وبين الصحف المئة التي أنشأتها الدولة ذرا للرماد في العيون، وكأنّ هذه الصحف أعيد استنساخها من جديد على الأنترنات لا أكثر. في الوقت الذي تزخر فيه هذه الشابكة بمواقع أدبية وفكرية وسياسية في غاية الإعجاب والتشجيع، من حيث مساحة الحرية، أو نوعية الأفكار المطروحة، أو قيمتها. لماذا هذا الرفض القاطع لكل تطور وازدهار؟
من يتصفح كشف نقاط الجزائر سيصاب بالدوار والغثيان من النقاط الضعيفة المتحصل عليها في جميع المواد، في الفساد، الأنترنات، النظافة، الخدمات، الحريات، الحكم الراشد.. والملاحظات السيئة عنها، كدولة راعية للفساد، ظالمة لشعبها، رافضة للانفتاح والحرية.. والترتيب المخيف لها، دائما مع الدول العشر الأواخر، باستثناء مادة الرياضة حيث تحصلت على مرتبة مشرفة، غير أنّ خبراء الرياضة اكتشفوا عملية الغش من فيديرالية فرنسا لكرة القدم، بحيث أنّ غالبية لاعبي الفريق الوطني لكرة القدم، جزائرية الأصل، فرنسية المنشأ والتكوين والتربية. لماذا الجزائر دائما في مؤخرة قائمة ترتيب الدول في العالم؟ لماذا هذا الاستهزاء واللامبالاة ممّا يقع في هذا العالم المتغير، المتطور دائما، المشرئب إلى الى غزو الفضاء والكواكب بعدما أصبحت كشوف النقاط للدول جمعاء تنشر جهارا نهارا على الأنترنات؟ وأغرب من كلّ هذا وذاك، مثقفون بدرجة الدكتوراه ساهرون على مواقع إلكترونية تفرض عليها رقابة المقص، المثبطة للعزائم، القاتلة للمواهب، الرافضة لكل تقدم وازدهار، في عالم أصبح قرية للمواقع الإلكترونية ذات الجودة العالية والحرية الموجبة.
هذه المواقع الإلكترونية الجزائرية سيكون مآلها الفشل الذريع، كما كان من قبل للقنوات التلفزيونية الجزائرية "اليتيمة وأخواتها" اليتم والتهميش، وكما كان لصحفنا المئة التي تملأ كلّ صباح الأكشاك وأرصفة الشوارع ولا يقرأها أحد، ثمّ تعاد بالأطنان لبيعها لتجار الخضر والسردين ومحلات غسل السيارات. أهذا هو مصير إعلامنا في عصر تتصارع فيه الدول لكسب القارئ والفوز بالمشاهد، حيثما وجد؟