أما آن للعاقلات في المؤسسات النسوية أن يواجهن الحقيقة ويكشفن عن طبيعة الصراع؟!

أما آن للعاقلات في المؤسسات النسوية

أن يواجهن الحقيقة ويكشفن عن طبيعة الصراع؟!

عقد طاقم شؤون المرأة لقاءً تشاوريا في رام الله لتنسيق جهود المؤسسات النسوية للرد على الحملة السياسية-التوعوية التي يقوم بها حزب التحرير - فلسطين ضد الهجمة الحضارية الشرسة، التي تنفذها الجهات المانحة المحمّلة بأجندات سياسية عدوانية ضد قيم المرأة الإسلامية، وحياة المسلمين الاجتماعية.

وتحاول تلك المؤسسات تحريف القضية وإخفاء طابعها الحضاري ومضمونها الفكري وبُعدها السياسي الصحيح، وحرفها عن مسارها بحشرها في زاوية المزاودة على "نضال المرأة"، كمن يردّ على تهمة الزنا بدعوى أن أباه يصلي ويصوم! وإن هذا الحراك النسوي المتجدد من بيت لحم إلى رام الله، إذ يبين مدى فعالية وتأثير حملة الحزب في التصدي للبرامج الاجتماعية الهدامة، يكشف عن ضعف الحجج الفكرية والسياسية لدى المؤسسات التي قبلت أن تكون جسرا للجهات الغربية المانحة ذات الأجندات التخريبية الواضحة.

وهذا تبيان للمرأة ولمؤسساتها، علّها تثوب إلى رشدها وتعود ببرامجها إلى حضن الأمة، وللمتابعين من أجل وقفة الحق:

إننا نتصدى لقضايا جوهرية تمس ديننا وثقافة أمتنا وقيمنا وأخلاقنا، مما تجاوزتها - بل تحدّتها - كثير من تلك المؤسسات تحت بريق التمويل المغري، ورضخت أمامه للمرجعيات الأجنبية والغريبة عن أمتنا - عن علم أو جهل - فصارت معول هدم وأداة انقلاب على ثقافة الأمة في النظام الاجتماعي ومنظومة القيم لديها.

وإحقاقا للحق وتوصيلا للفكر الصحيح، نؤكد هنا نقاطا ثلاثًا قبل تفنيد ما تمخض عن الاجتماع المذكور:

1)  إن دور المرأة وكفاحها ونضالها معلوم مشهود لا يمكن لأحد أن ينكره، وهو لم يرتبط بجهة دون أخرى:وإن حزب التحرير الذي يضم في صفوفه المرأة والرجل، كان سبّاقا في تمكين المرأة من ممارسة حقها بل واجبها في الكفاح السياسي، وقد وقفت المرأة خطيبة في حشود من ألوف الرجال والنساء في مؤتمرات الخلافة في عدد من المدن الفلسطينية عبر السنوات السابقة، وحملت المرأة المسلمة رايات الإسلام في مسيرات سياسية ورفعت صوتها في سبيل الحق، بل تعرضت لقمع السلطة الفلسطينية في كفاحها ذاك، فيما صمتت أمام ذلك تلك المؤسسات التي تدعي أنها تدافع عن المرأة ونضالها.

2) إن بوصلتنا الكفاحية - في حملتنا هذه وفي أعمالنا كافة - محددة في مواجهة الهجمة الحضارية الغربية الشرسة: التي تتمثل في التلويث الفكري والتخريب السياسي الذي يستهدف قيم المرأة الإسلامية على وجه الخصوص، وقيمنا الحضارية عموما. ولم يسبق أن تناولنا النشاطات الخدمية والفنية والتطويرية لدى الجمعيات المحلية، ومن ضمنها مؤسسات المرأة أو غيرها مثل الجمعيات الخيرية الإسلامية والجامعات، فهذه النشاطات ليست محل مواجهة سياسية عندنا، بسبب الواقع المرير الذي يعاني منه الناس، ولأن تلك النشاطات غير مرتكزة إلى مضمون ثقافي ابتداء، مع أن لنا رأيا سياسيا وفكريا مخالفا في بعض تلك الجوانب الرعوية.

3) إننا نصدع بالحق وبمرجعيتنا الثقافية الإسلامية الناصعة، بينما يتخفى عدد من تلك المؤسسات خلف شعارات عاطفية لتخفي مرجعياتها الغربية-العلمانية. وعندما يتحدث طاقم شؤون المرأة عن "انتشار قوى الظلام" فإنه يستند للعقلية والمرجعية الغربية التي تتهم الدعوة للحياة الإسلامية النقية ظلاما ورجعية.

إن تلك المؤسسات التي انخرطت في ترويج الفكر المستورد وفي تمرير البرامج الاستعمارية وفي إسقاط القيم بتمويل أجنبي تحت مسمى المشروعات التنموية، لا تجرؤ أن تفصح عن مرجعيتها الفكرية المستندة إلى اتفاقية سيداو (علمانية الطابع وغربية المنشأ)، التي تجعل بنودها الوضعية المناقضة للشريعة الإسلامية فوق الأحكام الشرعية الربانية، بل نصت على "تغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة". ولذلك لا يمكن لتلك المؤسسات أن تصدق في الإجابة عن مواقفها حول تجريم الزنا، والقبول بالعقوبة الإسلامية الرادعة للزاني والزانية، وحول مشروعية العصمة في الزواج، وحول تمكين الولي الشرعي من دوره الاجتماعي في الإسلام، وحول حرمة الاختلاط بين الرجال والنساء في النشاطات التخريبية.

وتلك المؤسسات لا تجرؤ أن تقرّ بأنها مع تطبيق النظام الاجتماعي الإسلامي، "الذي ينظم اجتماع المرأة بالرجل، والرجل بالمرأة، وينظم العلاقة التي تنشأ بينهما عن اجتماعهما، وكل ما يتفرع عن هذه العلاقة"، وهو الذي خص المرأة بأحكام شرعية دون الرجل، وبأحكام للرجل دون المرأة في هذه الجوانب، بينما خلطت اتفاقية سيداو تنظيم اجتماع الرجل بالمرأة (حسب نوعيهما) مع تنظيم مصالحهما في المجتمع (بصفتهما الإنسانية)، من مثل الشؤون الاقتصادية، وبنت ذلك كله على أساس وضعي، فشتان بين نظام رباني يرفع مكانة المرأة، وبين نظام وضعي من صنع البشر.

أما فيما يتعلق بمضمون رد طاقم شؤون المرأة على حملة الحزب، فإننا نفنّد النقاط التالية باختصار:

1)  إن شعار الحملة "المرأة عرضٌ يجب أن يصان، والكفار وأدواتهم يتآمرون عليها"، هو في سياق المواجهة الفكرية، وهو لم يتضمن ما تدعيه تلك المؤسسات من "تحريض" بالمعنى القانوني والسياسي، والعاقل يفرّق بين مواجهة الأفكار ومواجهة الأشخاص والمؤسسات، بل لقد فضحت تلك المؤسسات مكنوناتها لدى محاولة الاستقواء بالسلطة الأمنية عندما طالبتها - تضليلا - بحماية المؤسسات النسوية من أي اعتداء يقع عليها بأي شكل من الأشكال، وعندما استخدمت التهديد المبطن بالقول "لن نسمح لأحد مهما كان بالوقوف أمام حقوقنا العادلة والمشروعة والإنسانية".

2) إن منع محاضرة حزب التحرير في بيت لحم، قد جسّد نهج قمع الصوت الآخر من قبل تلك المؤسسات التي تدّعي أنها تدافع عن الحرية، ومن ورائها السلطة الأمنية، التي تدوس على قانونها، وهو يفضح دعوى المواجهة القانونية، الذي تلوّح بها، بل إن تلك المؤسسات التي سبقت في صمتها عن قمع السلطة الأمنية للأعمال السياسية النسائية لحزب التحرير – وغيره - تكشف عن تسخيرها للقانون للمصلحة الفئوية فقط.

3) إن مصطلح "المؤسسات النسوية" ضمن عنوان ندوة بيت لحم وغيرها، يشير إلى تلك الفئة من الجمعيات والمؤسسات النسوية التي تسعى لإفساد المرأة، وهو ضمن سياق ما بيناه أعلاه من مواجهة العدوان الحضاري الغربي على قيمنا، دون الانشغال بغيره من النشاطات الخدمية والمؤسسات.

4) إن التوعية السياسية حول المرأة في الإسلام تسهم في رفع مكانة المرأة، وهي لا يمكن أن تصب أبدا في إنكار دور المرأة، بل على النقيض من ذلك، فإن هدم قيم المرأة عبر نشاطات ثقافية تخريبية هي التي تشوه دور ونضال المرأة وتزعزع المجتمع وتثير الفتنة الاجتماعية، بل تهدم الأسرة.

5) إن تلك المؤسسات تهرب للأمام لدى حديثها الممجوج عن أهمية الانشغال بالاحتلال: فإنها عندما تهدم النظام الاجتماعي عبر استمراء النشاطات التخريبية من مثل الترويج لمسابقة ملكات الجمال، والمباريات النسائية، وعبر ما أعلن عنه من نشاطات العري المزمعة في بيت لحم (استضافة مجموعة فيمن-عارية الصدور)، إضافة إلى النشاطات التطبيعية مع الاحتلال اليهودي، وتوقيع بعض المؤسسات النسوية على الوثيقة الأمريكية لمحاربة "الإرهاب" والتي تعتبر عمل فصائل المقاومة في فلسطين إرهابا، تكون هذه المؤسسات هي التي تنشغل عن مواجهة الاحتلال بتعبيد الطريق له ولاستدامته فوق تراب هذه الأرض المباركة.

أما حزب التحرير فهو الذي ينشغل عالميا بإقامة الخلافة وتحرير الجيوش لخلع الاحتلال اليهودي من جذوره، والقضاء على كيانه نهائيا، وهو الذي يحدد عدوه في الاحتلال اليهودي ومن وراءه من قوى غربية - أمريكية وأوروبية - مما تستند إليهم تلك المؤسسات في المرجعية الفكرية والتمويل لتلك النشاطات التخريبية، فمن الذي ينشغل عن الاحتلال إذن؟

ونختم تبياننا هذا بالدعوة الصادقة للعاقلات في تلك المؤسسات، للإنابة لله، والخضوع لأحكامه الشرعية، وأن نلتقي جميعا على مواجهة الاختراق السياسي والحضاري للقوى الاستعمارية، وأن نتمثل جميعا قول الله تعالى:

﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ

وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِيناً﴾.