هل الاحتفال باليوم العالمي للغات الأمهات حكرا على بعضها دون البعض الآخر؟
مما أقرته هيئة الأمم المتحدة ، اعتمادا على توصية أو اقتراح من منظمة اليونيسكو ،تخصيص يوم الواحد والعشرين من شهر فبراير شباط للاحتفال باللغة الأم . ولا شك أن الغرض من إدراج هذا اليوم ضمن الأيام العالمية التي يحتفل بها تحسيسا بما يستوجب التحسيس ، هو لفت الأنظار إلى أهمية اللغات الأمهات بالنسبة لشعوب المعمور التي لا مندوحة لها عن استعمال لغاتها الأمهات في تعاملها اليومي ، وفي تعلمها مختلف المعارف بها، كتعلمها بغيرها من اللغات الأخرى سواء المفروضة منها لأسباب استعمارية ، أوالمرغوب فيها اختيارا، وعن طيب خاطر، بسبب سبقها في نقل مختلف المعارف والعلوم .
ولا شك أن منظمة اليونيسكو التي تهتم بالتراث الإنساني على اختلاف أنواعه ، ارتأت بإحياء يوم عالمي للغة الأم أن تحافظ على بعض اللغات التي قد تكون مهددة بالانقراض أو بالتهميش في بعض أقطار المعمور بسبب الأقليات الإنثنية الناطقة بها أو بسبب اضطهادها من طرف الأكثرية الإنثنية المهيمنة .
ومع أنه لا يمكن التشكيك في قصد هذه المنظمة الدولية ، فإن إحياء اليوم العالمي للغات الأمهات، قد يخرجه البعض عن قصده من طرف لحاجة في نفوسهم .
ويبدو أن موقعا من المواقع الوطنية ، لا تخفى ميول أصحابه عن الرأي العام الوطني من خلال ما ينشر فيه ، وهو الذي عرف بالتمكين لآراء فئة معينة مقابل إقصاء كل الآراء المخالفة ، الشيء الذي يفقده مصداقيته، ومهنيته، وحياده، قد نشر مقالا تحت عنوان : " اليوم العالمي للغة الأم ... تجربة المغرب في التعدد اللغوي يحظى بالتنويه "، تحدث فيه كاتبه عن الحفل الذي نظمه المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ، وحضره سفراء دول أجنبية ، وقدمت فيه عروض ومداخلات، نوه فيها أصحابها بتجربة المغرب بخصوص التعدد اللغوي والثقافي.
والملاحظ أنه بالرغم من كون المناسبة هي احتفال باللغات الأمهات ، فإن الجهة التي استأثرت به هي المعهد الملكي للثاقفة الأمازيغية، دون أن تشاركها معاهد أو جهات أخرى تهتم بثقافات مغربية أخرى ، باعتبار التنوع الثقافي لبلادنا ، وعلى رأسها الثقافة العربية ، و الثاقفة الحسانية المنصوص عليهما في دستور البلاد .
ويبدو لمن يطلع على هذا المقال أن التركيز فيه كان على اللغة والثقافة الأمازيغيتن مع إشارة عابرة للغة العربية ، وكأنها ليست لغة أما أو ضرة لشقيقتها الأمازيغية ، أو هي لغة خالة أو عمة أو مجرد جارة أو مجرد لغة دخيلة كلغات المحتل الأوروبي . ومعلوم أن تيارا أمازيغيا متطرفا ،لا يخفي عداءه للغة العربية بسبب عدائه لدين الإسلام ، وهي لغة أم ، ويعتبرها دخيلة ، جاء بها ما يسمونه الاحتلال العربي ، وهم يقصدون به الفتح الإسلامي . ويبلغ التعصب للغة والثقافة الأمازيغية على حساب اللغة والثقافة العربية حد التشنج المزمن ، وهو ما يوافق هوى جهات خارجية مغرضة ، لا يخفى كيدها من أجل تفكيك اللحمة الوطنية باعتماد النفخ في النعرات الإثنية واستعداء بعضها على بعض حقدا على الإسلام الجامع بينها.
ومعلوم أن التاريخ قد سجل أن بلادنا التي قاوم مواطنوها عبر العصور كل أنواع الغزو المتعاقبة ، لكنهم فتحوا أحضانهم لدين الإسلام بعدما تأكدوا من أنه لم يأتهم غازيا كما كان شأن الغزاة المتعاقبين ،بل جاءهم بعميم الخير، وشعاره : (( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم )) ، وشعاره : " كلكم لأدم وآدم من تراب " ،وشعاره : " لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى " ، وهو الدين الذي آخى بين كل الأجناس، والأعراق ، والألوان ، والألسنة ، وهو يعتبر هذا التنوع من آيات الله عز وجل القائل في محكم التنزيل : (( ومن آياته اختلاف ألوانكم وألسنتكم إن في ذلك لآيات للعالمين )) .
ولا يعقل أن يوجد اليوم من يتجاسر على نعمة الإسلام ، ويعبر من حملوها إلينا ـ جزاهم الله عنا كل خيرـ غزاة محتلين ، ويعترض على أن كون لغة القرآن الكريم لغة أما شقيقة للغة الأمازيغية، واللغة الحسانية. ومعلوم أن أصحاب هذا الاعتراض المتشنج هم أصحاب أهواء علمانية معادية للدين عموما ، وللإسلام على وجه الخصوص ، وهم محسوبون على الطوابير الخامسة المسخرة من طرف العلمانية الغربية من أجل التوطيد لها في بلد عصي عليها عربه وأمازيغه على حد سواء .
ولا يمكن بحال من الأحوال أن يكون اليوم العالمي للغة الأم في بلادنا يوما خاصا باللغة الأمازيغية دون اللغة العربية واللغة الحسانية ، ذلك أن التعدد اللغوي، وما يرتبط به من تعدد ثقافي، لا يمكن أن يحصل أو يستقيم دون التحام بين عناصره ، والكف الواحدة لا يمكن أن تصفق كما يقول المثل العامي المغربي .
وبناء على هذا، كان لا بد من استحضار اللغة العربية الأم في هذه المناسبة بنفس ما استحضرت به اللغة الأمازيغية الأم ، وهي التي شرفها الله تعالى ، وأنزل بها آخر الرسالات للعالمين . وكان من المفروض أيضا حفاظا على تلاحم اللغتين الأمين ، ألا ينزع المتعصبون للغة الأمازيغية إلى اختيار خط غير الخط العربي للأمازيغية ، ولو أنهم فعلوا لأسدوا إليها خدمة كبيرة ، ولسهلوا تعلميها على المتعلمين، تماما كما فعلت شعوب مسلمة كثيرة، نذكر منها الأتراك، والكرد ،والأفغان ، والفرس ، والهنود ...ولقد خط الأمازيغية بالخط العربي خيرة علماء سوس خير العلوم دون أن ينحوا نحو المتعصبين المتشنجين الذي ابتدعوا لها خط التيفناغ بدافع الهوى ، وتأثرا بالتوجه العلماني المعادي للإسلام، وهو الدين الرسمي في هذا البلد الأمين إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها .
وإن الأمازيغ في كل ربوع الوطن يتلون كتاب الله عز وجل بكرة وأصيلا باللسان الذي أنزل به، دون أن تكون لديهم عقدة العلمانيين الذين يريدون اختلاق خلاف مفتعل بين اللغتين وثقافتهما ، وفي نفس الوقت يزعمون أنهم مع التعدد اللغوي والثقافي للبلاد ، وهم بذلك يقضون ما يزعمون بأقوالهم وأفعالهم ومواقفهم، مع
التنكر لحقيقة التداخل بل التلاحم بين اللغتين والثقافتين، إذ لا يمكن الفصل بينهما ، ولا غنى للواحدة عن الأخرى ، فالرب سبحانه واحد ، والرسول عليه السلام واحد ، والدين واحد ، والألسنة متعددة ، والثقافات متنوع ، ولا تعارض بين تعددها وبين وحدة الدين .
وإننا لنرجو ألا تحيد جهة من الجهات المغرضة عن الهدف الذي من أجله اقترحت منظمة اليونيسكو الاحتفال بيوم عالمي للغات الأمهات . وإذا كانت بعض اللغات الأمهات مضطهدة أو مهمشة في بعض بلاد المعمور ، فالأمازيغية في بلادنا تاج فوق الرؤوس مع شقيقتيها العربية والحسانية .
وأخيرا ، وردا لكل مزايدة محتملة على كاتب هذا المقال،أ نوه بأنني أمازيغي أبا عن جد ، وأما عن جدة أعتز بها ، كما أعتز باللسان العربي ، وبالانتماء الإسلامي ،وأقول إن الله تعالى أعز الأمازيغ بالإسلام، كما أعز به العرب بعد ضلال ، وله الحمد سبحانه وتعالى على ذلك بكرة وأصيلا .
وسوم: العدد 1070