فاجعة شاطىء منتزه الصابلات والصدمة

قال  الله تعالى : ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ) البقرة / 214 .

 قَالَ رَسُولُ الله: صلى الله عليه وسلم :"  عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ" . رواه مسلم.وعندما رفع للنبي صلى الله عليه وسلم حفيده الذي احتضر ، بعد ان ذكر عليه السلام :"  إنَّ للَّه مَا أَخَذَ، ولهُ مَا أعْطَى، وكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بأجَلٍ مُسمَّى، فلتصْبِر ولتحْتسبْ  ، فَاضتْ عَيْناهُ، فقالَ سعْدٌ: يَا رسُولَ الله مَا هَذَا؟ فقال عليه السلام :"  هَذِهِ رَحْمةٌ جعلَهَا اللَّهُ تعَالَى في قُلُوبِ عِبَادِهِ وفي روِاية: " فِي قُلُوبِ منْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ منْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ. "  مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

السبت 11 ماي 2024 يوم واحد قبل الامتحانات الرسمية للفصل الثالث والاخير نظمت مدرسة محمدي محمد بعين بوسيف ، المدية رحلة مدرسية منظمة الى الجزائر العاصمة. في العادة يكون برنامج الرحلة حديقة الحيوان ومقام الشهيد وجامع الجزائر، لكن الفاجعة والمصيبة كانت غرق 08 تلاميذ ، استشهد منهم 05 غرقا  رحمهم الله تتراوح اعمارهم بين 11 و12 سنة ، من عائلات ( بن قيدة2 ، ضرواية ، محمودي، رابحي) . و03 في قاعة الإنعاش ،  في شاطئ منتزه الرمال ( الصابلات ) بلدية حسين داي الذي تم افتتاحه سنة 2017 م،  وفيه فعلا 03 مسابح مفتوحة على الهواء الطلق بعد ان تم تنظيف وادي الحراش ، والولوج اليها نظريا خاضع لدفع ثمن تذاكر الدخول وخاضع للحراسة المشددة ، في انتظار التحقيقات . علينا الخروج من الحدث بنتائج وتوصيات ، بعد العزاء الخالص والدعاء للأهالي بان يلهمهم الله الصبر الجميل  وإنا لله وانا اليه راجعون .

قد لا يكون الشاطئ أصلا في البرنامج ، فتتضاعف المسؤولية ، لا يفهم الاولاد انك عندما تمنعهم فذلك خوف عليهم ، صحيح الأعمار بيد الله وقدر الله وما شاء فعل ، وصحيح أيضا أخذ الحيطة والحذر من أوجب الواجب  ولا نقول الا ما يرضي ربنا ، وإنا على فراقكم لمحزنون والله يرحم الشهداء.

باب الدروس الخصوصية والرحلات المدرسية والحفلات وجلب البهلوان والساحر وجمع الاموال للتصوير صور جماعية وفردية في المدارس خصوصا الابتدائية ملف يجب ان يدرس بجدية ويفتح على مصرعيه ، ولا يترك كحالة فردية وفرضها كأمر واقع يجعل من الولي الذي يقاوم كأنما يحرم فلذة كبده . كانت دروس للدعم تخصص للتلاميذ والطلبة الاقل فهما للرفع من مستواهم وتتم في المدرسة ومن الاستاذ المتابع وفي فترة العطلة ، ويدفع للأستاذ مقابل ذلك ساعات اضافية ، اليوم ظاهرة الدروس الخصوصية قاربت لفظ اللصوصية بتعبير قدماء اهل التربية والتعليم ، وتجذرت الميوعة فيها لدرجة فظيعة جدا من المرأب المكتظ الى قاعات السينما الاكثر اكتظاظا، الى الاف المتابعين في وسائل التواصل ، وبغرض تجاري بحت ، تجده يشكوا ويضرب على عدد الطلبة في القسم الذي تجاوز العشرين 20 في قسمه ، وفي المرأب والسينما لا حرج في ان يتجاوز الالف 1000 ويحسب بالرأس . وبالطبع يمكن  تجريم الظاهرة ، بصيغ مختلفة ومحاربتها بإجراءات فورية ردعية ولو بأثر رجعي ، ويمكن ان يكون ذلك بتكاثف عدة وزارات و يكفي قرار من وزير التربية على اعتبارها خطأ جسيم من الدرجة الرابعة موجب للعزل الفوري. ومباشرة الاجراءات .

نعم الى وقت قريب كانت الرحلات المدرسية تخصص للمتفوقين وللأوائل لتشجيعهم على التفوق ، وتحريض البقية على النشاط والتنافس ، ودون مقابل مادي او بمبلغ رمزي يؤخذ عادة من ميزانية جمعية اولياء التلاميذ والتي موضعها ايضا متشعب . لانها لم تعد كما كانت شريك للمؤسسة مع الاستثناء الواجب ذكره في هذا المجال ومثاله للإشادة جمعية اولياء التلاميذ ببلدية عموشة ولاية سطيف الذي خصص رحلة في الطائرة للمتوفقين حصرا ، بارك الله فيهم مع تأطير ممتاز . فالرحلة اصبحت لمن يدفع وبغرض الترفيه البحت دون برنامج واهداف مسطرة وتعود الفائدة على اصحاب الحافلات والذين يتركون بالمقابل فراغ في المواصلات .

حفلات المناسبات الدينية والوطنية كذلك لم تعد كما كانت ، وأصبح يعوزها الهدف التربوي الواضح ، وأفظع منه جلب الساحر الى المدرسة في صيغة بهلوان وخفة يد ، ولم استوعب كيف يمكن ان يقتنع المربي ان الساحر او البهلوان يمكن ان يكون مثل أعلى للتلميذ ؟ وان كان للترفيه فأكيد يوجد وسائل أجمل وأبلغ وأنفع ويمكن ان يقوم بها التلاميذ، مع ملاحظة التوقيت والذي أكيد ليس يوما قبل اجراء الامتحان؟  وهذه الظواهر تشترك في فرض جمع الاموال من التلاميذ ومنها ايضا التصوير صورا جماعية وفردية في المدارس خصوصا الابتدائية.

            نختم بمطلع مقال جميل لمحمد البشير الإبراهيمي نشر عام  1952م  تحت عنوان :" لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها " ، ويسارع رحمه الله الى التنويه ان :"هذا العنوان جملة إن لم تكن من كلام النبوة فإن عليها مسحة من النبوة, ولمحة من روحها, وومضة من إشراقها." ثم يتوسع وهو الشاهد بأن : " والأمة المشار إليها في هذه الجملة أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم, وصلاح أول هذه الأمة شيء ضربت به الأمثال, وقدمت عليه البراهين, وقام غائبه مقام العيان, وخلدته بطون التاريخ, واعترف به الموافق والمخالف, ولهج به الراضي والساخط, وسجلته الأرض والسماء[1]. "

فاللَّهُمَّ أَبْرِمْ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ أَمْرًا رَشِيدًا، تُعِزُّ فِيهِ وَلِيَّكَ، وَتُذِلُّ فيه عَدُوَّكَ، وَيُعْمَلُ فِيهِ بِطَاعَتِكَ

[1] - آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي) (  4/93 ) , دار الغرب الإسلامي، ط1، 1997م.

وسوم: العدد 1080