دلالة وضع شبابنا المغربي الكوفية الفلسطينية
تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي فيديو ظهر فيه عميد كلية بمدينة الدار البيضاء استدعي كضيف شرف لحضور حفل تخرج فوج طلبة أحد المعاهد العلمية ، وأعطي شرف تسليم شهادة تخرج لإحدى الطالبات مع جائزة التفوق ، فالتحق بالمنصة ، واشترط على الطالب خلع كوفية فلسطينية كانت تضعها على عنقها مقابل أن يسلمها الشهادة والجائزة ، إلا أنها وهي طالبة متفوقة ، وعلى خلق رفيع وأصيلة ،رفضت أمره ، فانصرف، وقد ورط نفسه في معرة لا تليق بمسؤول في مثل مسؤوليته التربوية والعلمية تحت تصفيقات الطلبة وذويهم إكبارا للطالبة الجريئة على موقفها الشجاع ، وفي المقابل عم الاستياء والاستخفاف بموقف العميد الذي غادر الحفل مندحرا ، وفي وضع لا يحسد عليه .
ولقد جاء في التعليق على فعلته أنه اعتبر وضع الكوفية ممارسة سياسية محرمة من طرف الطالبة محرمة أو ممنوعة في نظره دون أن ينتبه إلى أنه وهو يأمرها بإزالة الكوفية كان متوقعا سياسيا أسوأ تموقع ،لأن الطالبة عبرت بوضع الكوفية التي هي رمز للقضية الفلسطينية العادلة عن تضامنها مع شعب احتلت أرضه وهو يعاني منذ عقود من ظلم أعتى احتلال ، ولا زال يتعرض منذ ما يزيد عن ثمانية أو تسعة أشهر لجرائم إبادة جماعية أدانها المجتمع الدولي باسره ، بينما عبر العميد بسلوكه عن موقف يحسب على التصهين سواء قصد ذلك أم لم يقصده ، وقد تحدى إرادة الشعب المغربي الذي ما فتىء يخرج في مسيرات ومظاهرات أسبوعيا تشجب الإجرام الصهيوني ، وفي طليعته الشباب الجامعي صحبة أطره الجامعية بارك الله في الجميع .
وأول ما يعقب به على موقف هذا العميد أن السياسة ليست أمرا محرما ، ولا ذنبا أو جرما إذ من حق كل مغربي أن يمارسها بكل حرية، كما يضمن له ذلك دستور البلاد . ولعله يعلم جيدا أن الطلبة الجامعيون هم في طليعة الممارسين للسياسية التي يتعلمونها من أساتذتهم ، ولهذا لا غرابة أن تمارس الطالبة السياسة ، فذلك حق من حقوقها المشروعة ، فضلا عن حقها في حرية الرأي، وحرية التعبير . ونحن نتساءل ألم يمارس العميد السياسة ، وهو طالب جامعي ؟ وهل هو اليوم لا يمارسها ؟ وهل منعه وضع الكوفية الفلسطينية ليس موقفا سياسيا ؟ وهل اعتمد في موقفه هذا على نصوص قانونية تجرم أو تمنع وضع الكوفية الفلسطينية ؟ وهل اعطيت له تعليمات من أجل إظهار هذا الموقف ؟ فإذا ما حصل شيء ذلك، فما هي الجهة التي تقف وراء تلك التعليمات ؟ وعليه أن يبرر موقفه إما بإدلائه بدليل من نصوص قانونية أو بكشفه عن التعليمات، وعن الجهة التي صدرت عنها؟ ولنا حق الاستفسار أيضا عن المقابل الذي استفاد منه أو سيستفيد منه مقابل موقفه المستغرب في الحفل ؟
وليعلم السيد العميد أن وضع الشباب الكوفية الفلسطينية هو تعبير عن وعي راق يستحق الإشادة، والتنويه، والفخر، والاعتزاز، وهو في نفس الوقت شهادة على الآباء، والأمهات، والمربين، والساسة، والمسؤولين الذين لا يتفاعلون مع القضية الفلسطينية كما يوجب ذلك الواجب الديني والوطني . وكان على السيد العميد أن يخجل من نفسه والطالبة تلقنه درسا في كيف يكون صاحب ضمير حي متفاعل مع قضبة أمته الإسلامية والعربية . وكان عليه أيضا قبل انصرافه أن يقدم لها اعتذارا أمام الجمع الحاضر عوض أن ينصرف، وقد حاز معرة ستلاحقه إلى نهاية حياته ، وسيواجه سؤالا عما فعل إذا لقي ربه الذي قلده أمانة التربية والعلم وهي أثقل أمانة على الإطلاق .
وبقي أن نقول للطالبة المتميزة اجتهادا وجدا ، والمتميزة وعيا ،وجرأة ،وشجاعة، وخلقا هنيئا لك نجاح علمي ونجاح نضالي . ونتمنى أن تكوني قدوة لكل الطلبة في كل الجامعات والمعاهد الوطنية ، كما نتمنى أن يضع خلال الموسم الجامعي المقبل كل طلبة الكلية التي يديرها العميد الكوفية الفلسطينية ليكون ذلك تربية له ، وإشعارا له بأنه قد أخطأ في حق قضية الأمة قبل أن تخطىء في حق الطالبة وكل الطلبة ، وكل الأطر الجامعية التي أدانت مشكورة فعلته ، وهي قضية عقدية قبل أن تكون قضية سياسية ، وأنه قد أخطأ أساء إلى طالبة جديرة بالتكريم المستحق ، وكان أولى أن يزيل الكوفية من عنقها ثم يضعها مرة أخرى على عاتقها تشجيعا لها ، ولكنه مع الأسف جانب الحكمة والصواب والسداد ، و فوت على نفسه فرصة هذا الشرف الذي لا ثمن له . وكان عليه أن يستحضر كيف وقف أساتذة وفلاسفة ومفكرون في كل الجامعات والمعاهد العلمية في كل العديد من بلدان العالم الغربي إلى جانب طلبتهم، وهم يدافعون عن الشعب الفلسطيني و وعن قضيته ، عن حقه في الحرية والاستقلال ، وقد تحملوا اعتاد الشرطة عليهم ، واعقلوا بسبب موقفهم ، ومع ذلك لم يثنيهم شيء عن موقفهم الشجاع الذي أكسبهم الحمد والثناء ، بينما اختار عميدنا المعرة ، وحاز ما حازه أعرابي تبول في زمزم في موسم حج من أجل الشهرة، لكنه حاز اللعن والذم من الحجيج . ولا شك أن أسوأ الحظوظ حظ من يخزى والناس شهود وقد حشروا في صعيد واحد .
وسوم: العدد 1087