نديم العروضيين المجلس الرابع أ.د.محمد جمال صقر

تفريغ نعمة إسماعيل ومراجعة هبة سامي

سلامٌ عليكم، طبتم مساءً -يا أبنائي!- وطاب مسعاكم إلينا!

بسم الله -سبحانه وتعالى!- وبحمده، وصلاة على رسوله وسلامًا، ورضوانًا على صحابته وتابعيهم حتى نلقاهم!

كيف حالكم، كيف أمسيتم؟

بخير.

بخير، لله الحمد والشكر. بارك الله فيكم، وشكر لكم، وأحسن إليكم، ويسرلنا ولكم كل عسير، وسهل كل صعب! في لقائنا السابق وجدت وقتًا بعد فراغنا من إجابة الأسئلة، وقتًا لم نكن نتخيل أنه سيكون، كنا نظن أننا سنستهلك تلك المحاضرة وهذه كذلك في إجابة الأسئلة، فيبدو أننا أوجزنا، وتلك الأسئلة أسئلة مصيرية أسئلة أساسية ومحورية، لا يمل الناس من تكرار إجابتها، كل يدلي بدلوه، وربما غيّر المجيب إجابته بعد زمان، وقد فعلت هذا؛ لهذا قلت لكم: يجوز أن نجيبها بكذا.

انتقلنا بعدها إلى الممارسة الأولى، فلن يصل أي منا إلى المهارة حتى يمارس آلاف المرات، وكل واحد على حسب ممارساته، واحد يكتفي ببعض المرات، وواحد يتوسع، وآفة العلم النسيان؛ من كف منكم عن الممارسة ثقل إتقانه وضعف حتى امّحى، ولم يعد يدري عما كان يعرف شيئا، لهذا أوصيكم ونفسي بالممارسة -أو كما يقول التونسيون "أَنْ تَظَلَّ أَيدِيكُمْ فِي الْعَجِينِ"- لن نصل إذن إلى المهارة إلا بالممارسات، بعد أن نكون في المرحلة الأولى قد استعددنا، وفي المرحلة الثانية قد تعلمنا، نقبل في المرحلة الثالثة على الممارسة. في المرحلة الأولى استعددنا، وهذا الاستعداد إما وراثي، وإما توليدي، أي إما أن يكون استعدادًا موروثًا، وإما أن يكون استعدادًا مولّدًا جديدًا. الاستعداد الموروث لا يد لك فيه، تلقَّيتَ الجينات من غير أن تتعب فيها. أما الاستعداد المولّد: ففيه تعب، يريد غير الموهوب فيه أن يوازي الموهوب بمزيد تعب، وسينجح -إن شاء الله!- جربنا هذا. بعد مرحلة الاستعداد تأتي مرحلة القدرة، وتكون بالتعلم، وأنت في الجامعة من أجل هذه المرحلة، من أجل أن تتعلم، لكنك تحتاج -من أجل أن تصل إلى المهارة، إلى أن تمارس. في كلية التربية يتيحون نصيبًا للممارسة في التدريبات العملية، يخرجون إلى الخارج. وفي كلية الآداب ظللنا نعاني حتى رصدنا مقرر مشروع التخرج للممارسات، ثم هناك في المقررات جانب من الممارسات. أنا الآن حينما أكلمكم كما قال بعض الناس، أمارس اللغة العربية، حينما أنشدكم أمارس، حينما أعلق أتذوق وأمارس... وهكذا؛ فنحن في ممارسات -وإن لم نخصص مثلًا مقررات معينة كمقررات كلية التربية للانقطاع للممارسات- فنحن نمزج التنظير بالتطبيق من داخل المقررات، إضافة إلى إنشاء مقرر مستقل، هو مشروع...؟

التخرج.

التخرج، هو مشروع التخرج، الذي حرصت جامعات الخليج على أن تفرده بفصل كامل! طيب! فبدأنا ممارستنا الأولى من خلال هذه القصيدة البديعة لعبدالله البردوني "مغنٍّ تحت السكاكين"، قرأناها، وحققناها، ودققناها، ونافسنا بينكم في أدائها، تنبيهًا لكم على أهمية ضبط النطق -وهو الأساس الأول- لننتقل بعد هذا إلى تلحينها، إلى التلحين منها، فاخترنا بيتين: مطلعها -وهو أهم أبياتها- وبيتًا آخر يضمن لنا أن هذا الذي كان في الأول قد استمر في القصيدة إلى آخرها، وتحرينا في البيت الذي اخترناه وأضفناه إلي المطلع أن يكشف لنا الخداع الذي في المطلع؛ في هذا المطلع خداع في منتصفه، اخترنا بيتًا يكشف لنا هذا الخداع.

 كتبنا البيتين على السبورة، وأحسنّا الكتابة -وهذا هو جانب الإملاء- ثم شكّلناهما، وأحسنّا التشكيل -وهذا هو بقية الكتابة؛ الإملاء نصف، والتشكيل نصف، ومن كتب ولم يشكل فقد عمل نصف العمل- ثم لحّنا، هكذا لحّنا:

بِعَيْنَيْـ ـهِ حُلْمُ الصْـ ـصَبَايَا وَفِي حَنَايَا هُ مَقْبَـ ـرَةٌ مُسْـ ـتَرِيحَةْ

فَيُولَـ ـدُ فِي قَلْـ ـبِهِ كُلْـ ـل يَوْمٍ وَيَحْمِـ ـلُ فِي شَـ ـفَتَيْهِ ضَرِيحَهْ

ثم أقبلنا ننزل هذا في التسجيل، نسجل، نقدم علمنا من خلال وسيلة التسجيل، من خلال كتابة هذا على ورقة، أو تقديمه في سي دي -ها!- أو الإجابة مباشرة شفاهة، أوما شئتم- فكتبنا؛ كيف نفعل في التعبير عن التقطيعات؟ نحن في الأداء نسكت -طيب!- كيف نفعل على الورقة؟ استعملنا الخطوط التي كالسكاكين، نقطّع بها كما نقطّع الحلوى مثلًا، من أعلى إلى أسفل، نتحرى أن نضع الخطوط في وقت التغني لكي لا يتزحزح الخط يمينًا أو يسارًا، هكذا نضع الخط، أنا حينما كنت أكتب وأنتم ترون، كنت أعيد التغني لكي لا أخطئ.

بِعَيْنَيْـ ـهِ حُلْمُ الصْـ ـصَبَايَا وَفِي حَنَايَا هُ مَقْبَـ ـرَةٌ مُسْـ ـتَرِيحَةْ

نتشدد في التدقيق، لأنك في الواجب أو الأختبار إذا أهملت هذا فوضعت لي الخط قبل مكانه أو بعده فقد أفسدت كل شىء، فستفعلون هذا، وبعضكم يحتالون عليَّ، فماذا يفعلون؟ يتركون الخطوط من أعلى، ويبدؤون من أسفل الكلام، أي بدلًا من وضع الخط من هنا من الأعلى هنا -ها!- ...

يضحك عمر، ينوي أن يفعل هذا، صفر، صفر، يا عمر! بدلًا من أن يبدأ بالخط من هنا يبدأ من هنا، كأنه يقول لي: الأمور طيبة -إن شاء الله!- الأمور طيبة! لا، بل خبيثة، لا طيبة! صفر! لابد من وضع الخط من أعلى إلى أسفل، أو أن تقطّع الأشياء كما فعلت أنا في الملف الورقي. ماذا فعلت أنا؟ جدولتها، ثم أخفيت حروف الجدول -ها!- فخرجت كما عندكم في بطاقة التخريج شديدة الوضوح أوضح من هذا، خرجت عندكم أوضح من الخطوط، لكن مَن سيفعل هذا؟ بعضكم يفعله على الجهاز -إن شاء الله!- بعضكم يقدم عمله على الجهاز، أكثركم سيفعل.

طيب! في الاختبار التحريري كيف سنفعل؟ حينما تقدم هذا مباشرة إلى شخص أمامك ماذا ستفعل؟ هذه أسهل، لكنها تحتاج إلى تدقيق شديد، فهذه الحيلة مكشوفة، بدء الخطوط من تحت، هذه مكشوفة وغير كافية، هذا صفر، لا قيمة له -وإن كان صوابًا!- خطأ! لا، لابد أن تدلني على أنك تعرف الحدود، وتحسن غناء الشعر، وأنك تميز بين "بِعَيْنَيْـ"، و"ه ِحُلْمُ الصْ"، و"صَبَايَا"، إلى آخره، تمام؟

نحن الآن -يا جماعة!- في قصيدة من بحر المتقارب، تكلمنا من قبل عن مصطلح البحر الذي اختاره الخليل ليسمي به النمط الوزني المعين، ماذا سماه؟ البحر. ولحكمة سماه هذا الاسم. وهذا البحر بحر المتقارب، من الناس من يفسر لماذا سماه "المتقارب"؟ ومنهم من يقول: الأسماء لا تعلل، ولكنني من شيعة من يفسرونها، لأنه دليل ذكاء وعبقرية ودقة وفهم ووعي؛ فنحن لا نسمي الأشياء عبثًا، لا؛ فلكل شيء من اسمه نصيب، ولا بد أن نحرص على هذا -ها!- أن نسمي أبناءنا أسماء دالة، وألا نعبث. سماه المتقارب لتقارب الأسباب والأوتاد في تفعيلاته: "فعو" في "فعولن"، قريبة من "لن"، وأظن أننا كتبنا هذا، فنحن نذهب إليها ندير حولها دائرة، ثم نقسمها هكذا؛ لنشير إلى هذا بأنه...

وتد.

هذا تنبيه على أن الخليل كان حينما يتكلم عن أُسَر البحور يكتفي بأشطار الأبيات -انتبهي انتبهي لا تنامي!- يكتفي حين يتكلم عن أسر البحور في دوائره التي كلمتكم عنها وسأكلمكم عنها فيما بعد كلامًا مستقلًّا، في البيان بنصف بيت يديره في الدائرة، يقول لك: إذا كررته أخرجت بيتًا من هذا البحر. لماذا كان يكتفي بشطر؟

لأن الشطر كما قلت لكم، هو أقل مقدار من الكلام الموزون يصلح بيتا كما صلح نصف بيت. لم يكن البيت في الزمان الأول منقسمًا -تخيلوا!- كان من شطرٍ فقط، ثم طال حتى صار من شطرين، ثم صار في الشعر الموشح من أشطر كثيرة جدًّا، ثم رجع مرة أخرى في الشعر الحر إلى فلسفة أن تكون القصيدة كلها متماسكة غير منقسمة، أي عاد إلى عدم الانقسام؛ فقد بدأ إذن بعدم الإنقسام، ثم انتهى إلى عدم الانقسام؛ بدأ في أول الشعر بعدم الانقسام، ثم انتهى في آخر الشعر بعدم الانقسام، سبحان الله! فكأنه تحرك في دائرة، حركة دائرية، مثل طبيعته الدائرية، سبحان الله! طيب! فلهذا ستجدوننا كل مرة نقول لكم: كذا كذا كذا في اثنين، فهذا شطر تكرره لتخرج البيت من البحر. لماذا تكتفي بشطر؟ لما قلت لكم من أنه أقل مقدار مقبول من الكلام الموزون يصلح أن يكون بيتًا مستقلًّا، ويسمى عندئذ البيت المشطور، كما صلح أن يكون شطر بيت؛ كما رأينا في شعر المعلقات، طيب! ثم ماذا؟

ثم أضفنا التوصيف بأن هذه الدوائر التي بنى عليها الخليل علمه، فأخرجت له هذا البيت من كذا، وهذا من كذا، وهذا من كذا، وعبّر عن كل منها بتفعيلات في أوضاع محددة- إذا جاءت التفعيلة على هذا الوضع سماها سالمة، وصفها بأنها سالمة، وإذا تغيرت جعلها متغيرة، وتأمَّلَ هذا، وضبطه، ووصفها بتغيرها، فمثلًا حَذْفُ "لُنْ" حَذْفٌ، والتغيرات كما اتفقنا، إما سهل وإما صعب؛ إما سهلٌ خفيف وإما صعبٌ ثقيل. أما السهل الخفيف فيصيب الحرف الثاني من السبب في العادة؛ إما بالتسكين إذا كان متحركًا، أو بالحذف إذا كان ساكنًا. وأما التغيير الثقيل فلا يقف أمامه شيء، يكتسح يكتسح، وهنا ملحظان في التفريق بين التغيير السهل الخفيف والصعب الثقيل على رغم كل ما أضفناه من فروق- مهمان ستجدونهما في هذا الذي أمامنا، ما هما؟

أن التغير السهل الخفيف يحدث ولا يحدث، أي يغيب ويحضر، أما التغيير الصعب فينبغي إذا ما حدث أن يبقى لأنه زلزال، زلزال يصيب الموسيقى، وعلاج هذا الزلزال الوحيد أن تلتزمه لكي لا يشعر الناس به؛ فإنهم إذا بقوا يرون الزلزال مستمرا أحسوا أن هذه هي طبيعة الأمور، هذا إذن هو التغيير الشديد، أما إذا حدث وذهب فحدث وذهب فهذا يزلزل عمود الشعر، يزلزل طبيعة الشعر.

ماذا قلنا إذن في التغييرات؟ هي قسمان: إما سهل خفيف يسمى الزحاف يصيب ثواني الأسباب بتسكين متحركها أو حذف ساكنها، ومن طبيعته أنه حر الحركة، يحدث في الأطراف وفي الأحشاء، وأنه يحدث ولا يحدث. طيب! والقسم الثاني؟ التغيير الصعب الثقيل الذي يسمى العلة؛ والعلة مرض، وهي يصيب ثواني الأسباب، والأسباب أنفسها، والأوتاد، والتفعيلة نفسها، والبيت كله، لا يستعصي عليها شيء، علة -ها!- مصيبة، مدمرة؛ تغيير صعب ثقيل يصيب كل شيء، ويكفيك اسمه "علة"، أعوذ بالله من العلل! طيب! هذا التغيير من خصائصه في مضادة الزحاف أنه مقيد الحركة، يحدث في الأطراف فقط؛ مقيد الحركة لا يحدث إلا في الأطراف، ومن خصائصه أنه إذا حدث لزم فوجب عليك أن تكرره لماذا؟ لأنه زلزال، زلزال شديد، يكفي لهدم الموسيقى، وكيف يقبل الناس موسيقاك وهي مهدمة! لكن إذا التزمته قالوا: لا، هذه طبيعة الموسيقى، من أولها يجري على هذا المجرى؛ فهو مقبول، اقبلوا هذا، ما دام قد التزمه فلا بأس. لكن أن تفعله ولا تفعله، هذا يزلزلها زلزلًا شديدًا، تمام؟

حر الحركة، وغير لازم، تأمل! ما التي في البيت الأول، تُناظر "فَيُولَـ" في البيت العاشر؟ "بِعَيْنَي"، وهي سالمة، وهذه مقبوضة.

طيب! هذا التغيير الثاني الثقيل، هذا الحذف، حذف السبب الخفيف كله، تغيير ثقيل صعب، يسمى  العلة، يسمى علة الحذف، والتفعيلة به محذوفة، فما علة الحذف إذن؟ أو ما الحذف؟ علة فيها يحذف السبب الخفيف من آخر التفعيلة، يحذف السبب الخفيف كله من آخر التفعيلة؛ هذا تغيير إذن صعب ثقيل، يسمى العلة، وفيه يحذف السبب الخفيف كله من آخر التفعيلة، تتحول به (فَعُولُن) إلى...؟

فَعُو.

هذا تغيير شديد، شديد! ينبغي إذا ما حدث أن يُلتزم، لكن العجيب أنه لم يلتزم، تأمل: "وَفِي"... -واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة- هذه التفعيلة الرابعة استعمل فيها الحذف، قال: "وَفِي"، ثم رجع عنه هنا -واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة- فسلّم التفعيلة، ما هذا؟ يوشك هذا أن يزلزل العروض، أن يزلزل موسيقى الشعر، ولكنّ هذا الزلزال مع الأسف نجح، وقبله الناس! هذا زلزال موسيقي، نعم؛ ولكنه نجح وقبله الناس! أتعرفون: قلت لكم في محاضرات معينة: تستطيع أن تفعل ما تشاء، ولن نعبأ بفعلك هذا، لا قيمة له عندنا إلا بشرطين، ما هما؟ من يذكر؟

ها، مسعود!    

أذكر الأول: أن يت...

أن يتواتر على استعماله...

الأجيال.

أجيال الشعراء. الثاني يا عمر؟

أن يتقبّله..

أن يتواتر على قبوله؟

أجيال...

أجيال المتلقيين.

وقد حدث، حدث مع الأسف، أنا لا أنكر أن هذا زلزال موسيقي -هو زلزال لكن يبدو أنه ياباني! اليابان بلاد زلازل بلا ريب، عادي كل يوم زلزال، عادي، لا مشكلة، لكن في مسقط يهرب الناس، لو حدث هذا، يهربون، يعودون إلى البلاد، ها! حتى إنهم في اليابان يبنون البيوت للزلازل، عندهم يؤسسونها على طريقة تناسب ها! طريقة متزلزلة، ههه! ترقص مع الزلازل، رقصًا يابانيًّا! هذا مقبول لا بأس، الحياة هكذا، تجري الحياة، تعوّدوا على هذا!- ماذا نفعل؟ ماذا علمنا الخليل في هذا المقام؟ علمنا أن نسمي هذه العلة علة جرت مجرى الزحاف؛ هناك إذن علة تفاجئنا بأنها تحدث ولا تحدث، أي لا تلزم، وهذا شذوذ، هذا غير متعوَّد عليه، فراعاها كذلك وسماها علة جرت مجرى الزحاف، قد نجحت؛ فماذا نفعل؟ وهو مضطر على رغم أنه يعرف أنها زلزال شديد، إلى الاعتراف بها، وإدخالها في العلم، وتخصيصها بأنها علة جرت...؟

مجرى الزحاف.

مجرى الزحاف. وستفاجؤون في مكان ما -لا أذكره الآن- بزحافات تجري مجرى العلة، أي بالعكس! لكن كل هذا شذوذ، والشذوذ لا يقاس عليه، عندكم مثلًا في النحو والصرف وكذا والأمور كلها، تحدث أشياء شاذة لم يكن ينبغي أن تحدث، فماذا تفعلون؟ هل ثبتت؟ هل استعملها الفصحاء؟ هل قالوها؟ هل قبلها الناس؟ قبلوها، ووصلت إليك، فتُدخلها، وتصفها بأنها شاذة. ما جمع "مصيبة" مثلًا؟ مصائب؟ هذا شاذ أصلًا، المفروض "مصاوِب" -طيب!- ما الفعل من الاستحواذ على الأشياء؟ استحوذ؟ المفروض "استَحَاذ"، و"استحْوَذ" شاذ! لا يعني الشاذ أنه قبيح، لا، الشاذ هو غير الخاضع للقاعدة، وربما كان في القرآن - "اسْتَحْوَذ" نفسه في القرآن: "اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ"- فكيف يكون قبيحًا!

ماذا يقول العلماء في هذه الشذوذات إذن، يا جماعة ؟ تحفظ، ولا يقاس عليها؛ فهنا في البيت من بحر المتقارب، يجوز لك في العروض أن تحذف التفعيلة حذفًا غير لازم، على رغم أنه زلزال؛ لهذا ستجدون الشاعر في هذه القصيدة، يراوح بين الحذف والقبض والتسليم، أما التسليم فلا علة فيه ولا زحاف، وأما القبض فزحاف، وأما الحذف فعلة، قد راوح الرجل بين السلامة من التغيير، والتغيير الخفيف (الزحاف)، والتغييرالثقيل الصعب الشديد...؟

العلة.

العلة. أرأيتم! وقلده الشعراء، وقبله الناس، فماذا نفعل؟ أنا مضطر إلى إدخال هذا تحت عنوان: العلل التي... -وهذا عندكم في كتاب "ميزان الذهب"- العلل التى تجري مجرى الزحاف، وعندكم عنوان بعكسها "الزحاف الذي يجري مجرى العلة"، ها! تمام؟

طيب! الآن أظن أنني فرغت من التنظير، فنحن الآن ينبغي أن نعود إلى القصيدة لنبدأ معًا تلحينها بقراءتها والعزف عليها في وقت واحد، وقد جرت عادتي من أكثر من ثلاثين سنة، على أن أوصي الطلاب قبل بدء هذا العمل الجماعي، فأقول لهم:

شُدُّوا دَسَاتِينَ أَعْوَادِكُمْ،

وَأَحْمُوا طُبُولَكُمْ وَدُفُوفَكُمْ،

وَاشْرَبُوا،

وَاطْرَبُوا،

وَلَا يَتَقَدَّمَنَّ عَازِفٌ عَازِفًا -فَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ يُحْسِنُ فَإِنَّهُ يُسِيءُ-

وَاجْعَلُوا النَّغْمَةَ أَكْثَرَ زُرْقَةً!

وستسمعون هذه العبارة الطويلة مني كل مرة، كل مرة، فما معناها؟

"شدوا دساتين أعوادكم": الدساتين هذه المفاتيح التي في طرف العود، في يد العود، تُشد بها الأوتار حتى تتوتر، يزداد توترها، وتصفو أصواتها، شدوا دساتين أعوادكم. "واحموا طبولكم ودفوفكم": هذه المكسوة بالجلد تحتاج إلى أن يشتد جلدها ليصفو صوته، فماذا نفعل؟ كنا في قريتنا نضعها على النار من بعيد؛ فإذا ما سخنت صفت أصواتها واشتدت. "واشربوا، واطربوا": نحن في عمل من الطرب -يا جماعة!- من السَّلْطَنة، وهذا الطرب محتاج إلي أن تتهيأ له بهيئته:

"أَدَبُ الشَّرَابِ إِذَا الْمُدَامَةُ عَرْبَدَتْ فِي كَاسِهَا أَلَّا تَكُونَ الصَّاحِي"!

أو كما قال الأخطل، قاتل الله شيطانه!

أدب هذا المقام أن نطرب جميعًا، لا بد لكل واحد من أن يفعل ما يساعده على الطرب: أن يتذكر شيئًا حدث له سعيدًا، أن يتذكر عبارة جميلة قيلت له في الصباح، أن ينتعش هكذا.. أن ينتعش! اشرب، اشرب شيئا من القهوة العمانية، اشرب عصير التوت الذي أحبه، جهز نفسك للسعادة هكذا.. للسعادة؛ اشربوا، واطربوا!

"ولا يتقدمن عازف عازفا فإن ظن أنه يحسن فإنه يسيء": وعملنا جماعي، ينبغي ألّا يتقدم فيه عازف على عازف؛ يظن بعضكم أنه -ما شاء الله!- ممتاز، عالِم، أكثر علمًا ممن حوله؛ فيبادر، فيسبق، أو يتأخر؛ هذا مسكين! هذا جاهل لا عالم، هذا جاهل! في العمل الجماعي لا يجوز أن يسبق عاملٌ عاملًا، ينبغي أن نتحرك على قلب رجل واحد، عازف واحد؛ ولا يتقدمن عازف عازفا فإن ظن أنه يحسن...؟

فإنه يسيء.

فإنه يسيء، هذا الذي يسمونه "يغرد خارج السرب"، هذه عبارة مشهورة هذه الأيام، "يغرد خارج السرب". لَا، لابد أن تكون في السرب -ها!-  يد الله مع الجماعة، و"إِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ مِنَ الْغَنَمِ...؟

القاصية.

القاصِيَة"! آه، ينتظر حتى تنفرد غنمةٌ من الغنم هكذا، ينقض عليها، لكن لو كانت في المجموع لالتفتت إليه الكباش فنطحته -ها!- مهما كان هذا السبع، مهما كان، مهما كان!

من اللطائف هنا التي أذكرها لكم، -ها!- لطيفة لا يعرفها لا الكبار ولا الصغار! ما الفنان في أصل لغتنا؟ الفنان حمار الوحش، الفنان حمار الوحش، لما جعلوا حمار الوحش فنانًا؟ أنا أدّعي أن لهذا سببًا، ما هو؟ خلق الله -سبحانه، وتعالى!- حمر الوحش مخططة لتُعمي عيون السباع، لأنها إذا تلاقت موّهت على السبع؛ فلم يميز بعضها من بعض، لتداخل خطوط أجسامها، هههه! يحار المسكين، فيظنها حمارا واحدا ضخما، لا أول له ولا آخر!

أرأيتم الفن العظيم! يا سلام! أي فن هذا! هذا فن رباني -ها!- هذا فن الفنان العظيم، الفنان الأكبر. الفنان عند العرب إذن حمار الوحش، ثم توسعوا في الكلمة. طيب! من أين جاءه الفن؟ من أين جاء الفنُّ هذا الحمار؟ نشتم الشخص بحمار نقول: هذا حمار، لا، هذه إهانة للحمار لا للإنسان! تأملوا حمار الوحش، هذا المخطط، حينما تلتقي الحمر، فتصنع هذه الصورة الإلهية الجليلة التي تموه على السبع، فلا يدري أين هذا من ذاك، من ذلك! فيخاف؛ يقول في سرّه: هذا كائن جبار، هذا ديناصور ضخم، هذا لا يُهاجَم ولا يُقدَر عليه! يد الله مع الجماعة؛ فلا يتقدمن عازف عازفًا، فإن ظن أنه يحسن...؟

فإنه يسيء.

فإنه يسيء. ثم تأتينا العبارة الأخيرة "واجعلوا النغمة...؟

أكثر زرقة.

أكثر زرقة": عبارة قرأتها في أحد كتب الموسيقى التي أراجعها كثيرًا، كتاب "دعوة إلى الموسيقى"، لأحد قادة الأوركستر، يحكي عن قائد أوركستر -ربما كان قائد الأوركستر العماني!- يلتفت إلى العازفين في أثناء العزف فجأة، فيقول لهم: اجعلوا النغمة أكثر زرقة! ماهذا؟ كيف يجعلونها أكثر زرقة؟ وهل للأنغام ألوان أصلا! هذه زرقاء، وهذه أكثر زرقة، وهذه صفراء، وهذه حمراء، هذا بلا ريب من تراسل الحواس، والتعبير غامض، ولكن التعبير الغامض أوضح أحيانا من التعبير الواضح! كيف هذا! كيف يكون التعبير الغامض أوضح؟ حين يعبر عن شيء لا يُحدَّد بالصفات: سأل هارونُ الرشيد إسحاقَ الموصلي: ما الموسيقى؟ فقال له: يا أمير المؤمنين، إن من الأشياء أشياء تحيط بها المعرفة، ولا تؤديها الصفة! يا سلامًا على الكلام الجميل! قال له ما الموسيقى؟ فلم يجد لها تعريفًا كافيًا -لو سألني أنا لقلت له: الموسيقى ضوضاء منظمة، لكن إسحق الموصلي شخص عظيم، قال له هارون الرشيد مرة: لولا الغناء لوليتك القضاء! كان شخوصا من العلماء والفنانين في شخص واحد، وكان كريم الأخلاق، ولهذا قال له: لولا الغناء لوليتك القضاء- سأله، فأجابه إجابة الكبار لا إجابة الصغار من أمثالي، قال له ما الموسيقى؟ فلم يقل ما تخيلت أن أقول، بل أجاب هذا الجواب الحكيم: يا أمير المؤمنين إن من الأشياء أشياء تحيط بها المعرفة (نحس بها في أنفسنا)، ولا تؤديها الصفة (لا نقدرعلى وصفها وصفًا كاملًا، فالصفة دائمًا عاجزة عن وصفها)، فما الحل -ها!- ما الحل؟

نصفها من بعيد.

لا، أن نصفها؟

بالغامضة.

بالعبارات الغامضة، الله عليك يا ابنتي! مَن؟

منى.

منى، هذا هو الكلام، الحل أن تصفها بالكلام الغامض، الحل في هذه الأشياء أن توصف بالكلام الغامض، وهذا الكلام الغامض عندئذٍ أوضح من الواضح، ها! والواضح فيها أغمض من الغامض، تِهتُم.. ضعتم هاه! عندنا كلمة مشهورة لأدونيس يقول فيها: ما أغمضك أيها الكلام الواضح! يا سلامًا على الكلام الجميل! ما أغمضك أيها الكلام الواضح! كيف يكون الكلام الواضح غامضًا! إذا عبّرت به عن الغامض؛ فالتعبير بالواضح -هذا رأيي، فاقبلوا أو ارفضوا؛ أنتم أحرار- إذا عبرت بالكلام الواضح عن المعنى الغامض فقد أغمضت، كيف يا أستاذ! بأنه ينبغي -حتى تكون مخلصًا- أن تعبر عن الغامض بالغامض، حتى يشرد الناس ويفكروا ويقولوا: ها! ربما كان كذا أو كذا أو كذا، وعندئذٍ يتخيلون الشيء الغامض كما ينبغي.

شُدُّوا إذن دَسَاتِينَ أَعْوَادِكُمْ، وَأَحْمُوا طُبُولَكُمْ وَدُفُوفَكُمْ، وَاشْرَبُوا، وَاطْرَبُوا، وَلَا يَتَقَدَّمَنَّ عَازِفٌ عَازِفًا -فَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ يُحْسِنُ فَإِنَّهُ يُسِيءُ- وَاجْعَلُوا النَّغْمَةَ أَكْثَرَ زُرْقَةً!

نبدأ بما بدأنا ونكمل -ها!- معي، معي تلحّنون، تؤدون أداءً ملحّنًا، وتعزفون في الوقت نفسه بالأقلام أو الأقدام أو الأصابع أو المفاتيح أو الجوالات الهواتف -ها!- الأبل خاصةً، هاه!

بِعَيْنَيْـ

ـهِ حُلْمُ الصْـ

ـصَبَايَا

وَفِي  

حَنَايَا

هُ مَقْبَـ

ـرَةٌ مُسْـ

ـتَرِيحَةْ

ها!

لِنَيْسَا

نَ يَشْدُو

وَفِي صَدْ

رِهِ

شِتَاءٌ

عَنِيفٌ

طُيُورٌ

جَرِيحَةْ

ها!

بِلَادٌ

تَهُمُّ

بِمِيلَا

دِهَا

بِلَادٌ

تَمُوتُ

وَتَمْشِي

ذَبِيحَةْ

ها!

بِلَادَا

نِ دَاخِـ

ـلَهُ هَـ

ـذِهِ

جَنِينٌ

وَهَذِي

ـذِهِ جَـ

ـنِيْنٌ وَهَذِي

انكسر الوزن! محاولة فاشلة، أعد المحاولة مرة آخرى -هذه كالعبارة المسجلة على الهواتف!- ها!

بِلَادَا

نِ دَاخِـ

ـلَهُ هَـ

ـذِهِ

جَنِينٌ

وَهَذِي

عَجُوزٌ

طَرِيحَةْ

 ها!

وَآتٍ

إِلَى مَهْـ

ـدِهِ يَشْـ

ـرَئِبُّ

وَمَاضٍ

يَئِنُّ

كَثَكْلَى

كَسِيحَةْ

ها!

زَمَانَا

نِ دَاخِـ

ـلَهُ يَغْـ

ـتَلِي

دُجًى كَالْـ

ها! هذه البنت النائمة تغرد خارج السرب، ماذا قالت؟ قالت:

تَلِي دُ

ما شاء الله، ممتازة! لكن أكملي: دن دن، فتدمَّر الإيقاع! أنت سعيدة طبعا بإتمامك النصف الأول، سعيدة بإتمام بعض العمل، وبعضه الآخر ما خبره؟ لا، لم يخطر لك على بال. مسكينة مسكينة! ينبغي أن ترمي ببصرك إلى الأمام، ألا تفرحي بالنجاح المؤقت، سبحان الله! هذه حكمة الدنيا، هذه كأنها حكمة الدنيا، سعيدة بأنك أتممت النصف الأول -ها!- وعندك نصف آخر لم يتم! أعيدوا، ها!

زَمَانَا

نِ دَاخِـ

ـلَهُ يَغْـ

ـتَلِي

دُجًى كَالْـ

أَفَاعِي

وَتَنْدَى

صَبِيحَةْ

ها! آه! أين الملفات؟ أين الملفات؟ تركها بعضكم في البيت -ها!- ولمَن تركها؟ لمَن؟ لمَن؟ لمساعديه مثلًا في البيت من الشياطين، ها! له خليل من الجن على طريقة الشعراء، رِئِيٌّ من الجن، ها! كان للأعشي شيطان، كان يسميه مِسْحَلًا -هو شيطانه اسمه مسحل، هاه! هذه أسطورة معروفة طبعا، يقول: أنا لي شيطان! أنا كذلك كان لي شيطان، كنت أسمّيه وأكتب عنه! فكان الشاعر يقول:

"وَلِي صَاحِبٌ مِنْ بَنِي الشَّيْصَبَانِ...

-بنو الشيصبان قبيلة الجن، بسم الله! اسمها الشيصبان، عندك قبيلة الحارثي، وقبيلة الكندي، وقبيلة المحروقي، هذه قبيلة من الجن اسمها الشيصبان، عادي، الواحد منها شيصباني، تقول: فلان الشيصباني هذا من قبيلة الجن!-

وَلِي صَاحِبٌ مِنْ بَنِي الشَّيْصَبَانِ فَطَوْرًا أَقُولُ وَطَوْرًا هُوَهْ"!

يقول

ههه! لا هذا البيت هكذا: ... فَطَوُرًا أقُوْلُ؟

وَطَورًا هُوَهْ!

وَطَورًا هُوَهْ! فصاحبنا ترك الملف في البيت لصاحبه، لقرينه من الجن، ربما أعانه الله عليه، فأسلم؛ فهو عند طاعته، يقول له: طبّق لي حتى أرجع لك في المساء! يا جماعة، سأتسلم هذه الملفات كاملة -ها!- وعليها عشر درجات، تخرج الحي من الميت والميت من الحي، يعني تُدخل وتُخرج، وتُخرج وتُدخل، أنتم أحرار؛ فلا يلومنَّني أحد! أين الملفات؟ أين؟ في البيت، طيب! دعها لقرينك من الجن!

ها!

وَرَغْمَ

صَرِيرِ السْـ

ـسكَاكِيـ

ـنِ فِيهِ

يُغَنِّي

يُغَنِّي

وَيَنْسَى النْـ

ـنصِيحَةْ

لدينا هنا لطيفة! إذا عرضت هذا البيت على شخص من عموم المثقفين، قال لك: هذا البيت فيه خطأ. ما الخطأ يا أخي؟ "يُغَنِّي" مكررة. ههه! سيقول: "يُغَنِّي" مكررة، خطأ؛ احذف "يُغَنِّي" الثانية! لو كنتَ من علماء العروض -وطالب العلم هو العالِم- لقلتَ له: مسكين! لقصد الشاعر تكرارها، وكذلك الوزن لا يستقيم إلا بتكرارها، لأننا إذا حذفناها صارتال تفعيلات سبعًا، والبيت من بحر المتقارب مُثمّن (ثماني تفعيلات)، نصفه أربع تُكَرَّر، عُدّ معي:

وَرَغْمَ| صَرِيرِ السْ| سكَاكِي| نِ فِيهِ| يُغَنِّي| وَيَنْسَى النْ| نصِيحَةْ

سبع تفعيلات، أخطأت إذن يا مسكين! دع العلم لأهله، اسألوا أهل الذكر، ونحن أهل الذكر، والحاسوب يخطُّ لك خطًّا أحمر تحت "يُغَنِّي" الثانية، خطأ، خطأ؛ احذف حتى تريح الحاسوب وترتاح من إزعاجه، فكلما خط لك بالأحمر تحت كلمة حذفتها! مسكين! تُرى ماذا سيفعل الحاسوب إذا ما قرأ قول الفيتوري:

"وَأَنَّنِي وَأَنَّنِي وَأَنَّنِي يَا أَيُّهَا العَائِدُ مِنْ غُرْبَتِهِ يَا وَطَنِي"!

سيحذف "وَأَنَّنِي" الثانية والثالثة!

أم ماذا سيفعل بقول أحمد بخيت:

"أَنَا مَنْ رَأَى أَنَا مَنْ رَأَى أَنَا مَنْ رَأَى وَطَنًا تَجَسَّدَ فِي امْرَأَةْ"!

ها! سيدمر البيت تدميرًا! لا لا، نحن أعلم بهذا، لا الحواسيب، نحن أهل الذكر، على رغم أننا الآن في طور تعليم الحاسوب علم العروض، ولكنه لا يتعلم –"عَلِّمْ فِي الْمِتْبَلِّمْ يِصْبَحْ نَاسِي"- كلما قلت له: كذا، لم يفهم، كيف؟ هذا طرب -يا أخي!- طرب، هذا طرب! كيف يطرب الحاسوب، كيف يطرب، كيف!

طيب! إلى أين وصلنا؟ هاه! معًا معًا! هاه!

فَتَخْضَرْ

ـرُ عَافِـ

يَةُ الْفَنْـ

ـن فِيهِ

وَأَوْجَا

عُهُ وَحْـ

ـدَهُنَّ الصْـ

ـصحِيحَةْ

أَيَا شَمْـ

ـعَةَ الْعُمْـ

ـرِ ذُوبي

يُلِحُّ

فَتَسْخُو

وَتُومِي

أَأَبْدُو

شَحِيحَةْ

ها الله، ها الله، ها الله، ما شاء الله! أنتم أحسن من استمعت إليهم، إخوانكم في الشُّعَب الآخرى يتعثرون، يبدو أنكم سألتموهم، وتعلمتم منهم!

لا، لم نسألهم!

لا، لا، من غير سؤال تعرفون! بارك الله فيكم! عاشوا، عاشوا، "فيكم طرب، وفيكم وناسة"!

ههههه!

لكنني لاحظت على مسعد أنه لا يشاركنا، مسعد رجل متدين، ما له وللغناء والمغنين؟ ها! قاتلهم الله! لكن ماذا يفعل في قول الرسول -عليه الصلاة والسلام!- لأهل العُرْس: غَنَّيْتُمْ؟ فقالوا: لا، فقال لهم: هلّا قلتم:

"أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ فَحَيُّونَا نُحَيِّيكُمْ"!

يعلمهم كيف يغنون في العرس؟ يغنون! معقول! نعم؛ يغنون، يعلمهم الأغنية التي يغنونها، ها! يا أخي، الحلال حلال، والحرام حرام، المشكلة في تشويهات الناس للحلال والحرام.

صح.

لكن الأمور بيّنة، الحلال بيّن والحرام بيّن، المصيبة في تشويهات الناس للحلال حتى يبدو حرامًا، وللحرام حتى يبدو حلالًا، وليس منهم مسعد، إن شاء الله! هيا، اقرأ، واعزف أنت وحدك، بقلمك. إلى أين وصلنا؟ إلى العاشر؟ هذا؟ لا، فرغنا منه على السبورة، انتقل إلى الحادي عشر.

فَيُولَ

اعزف، اعزف!

أحتاج إلى ليلى!

لا، اعزف بالآلات، بالقلم! لكل واحد ليلاه، كلٌّ يغنّي... لا، لا، ماذا قال الشاعر؟

"كُلٌّ يُغَنِّي عَلَى لَيْلَاهُ مُتَّخِذًا لَيْلَى مِنَ النَّاسِ أَوْ لَيْلَى مِنَ الْخَشَبِ"!

ليلاي أنا من الخشب، هذه ليلى، لكل واحد ليلى، ها! وأحيانًا تطلق ليلى على اللغة العربية، وأحيانا تطلق على الأمة الأسلامية، أوعلى الأمة العربية، ها! كلُّ واحد حر في ليلاه، استمعوا إلى مسعد!        

فَيُولَـ

سقط صوت! أعد، اضرب على الخشب حتى نسمع!

فَيُولَـ

ـدُ فِي قَلْـ

ـبِهِ كُلْـ

ـلَ يَوْمِ

ـلَ يَوْمٍ، ليست ليومِ!

وَيَحْمِـ

ـلُ فِي شَـ

ـفَتَيْهِ

ضَرِيحَهْ

هذه فرغنا منها، أنا أطالبك بالحادي عشر، اقرأ الحادي عشر!

يُوَالِي

فَيَرْفُـ

ها، ها، أعد، أعد!

يُوَالِي

فَيَرْفُـ 

يُوَالِي

فَيَرْفُـ 

يُوَالِي

فَيَرْفُـ

آااه! أسقطت صوتًا، أسقطت ضربة.

هذا نغم!

"ما لي خُصّ"! كل هذا معتبر في الاختبار: لتخريج كل بيت في الاختبار خمس درجات، للخطوة الأولى درجتان، وللثانية درجة، وللثالثة درجة، وللرابعة درجة؛ فأهم الخطوات الخطوة الأولى قطعا؛ للأولى ضعف ما لكل واحدة، والأمور محسوبة كأننا في حساب، في رياضيات، مستحيل أن يخرج شيء، الأمور مضبوطة، ها!

يُوَالِي، قلتها مرة صحيحة!

يُوَالِي

فَيَرْفُـ

ـضُ نِصْفَ أَلْـ

آه! خطأ؛ مَن يقول: "ضُ نِصْفَ أَلْ"، إلا المذيعين والمذيعات الأحياء منهم والأموات!

يُوَالِي

فَيَرْفُـ

ـضُ نِصْفَ اَلْـ

لا، ليس من العرب من يقف قبل همزة القطع، ليقول مثل ما تقول، مستحيل! وقد علّمتكم أن الشعر من هذه اللغة، يجري مجراها، ولا فرق! حتى يتبين لنا بما لا يُردّ، أن الشاعر خالف اللغة، ولا نجترئ على القول بهذا حتى نتيقن به، وفيما سوى هذا نحكّم اللغة العادية. ها!

يُوَالِي

فَيَرْفُـ

ـضُ نِصْفَ الْـ

ـوَلَاءِ

وَيُبْدِي الْـ

ـعَدَاوَا

تِ جَلْوَى

صَرِيحَةْ

أحسنت يا مسعد!

عمر!

نفسه؟

لا! نفسه، تقول: نفسه! ما شاء الله! نصاب!

دكتور! نسقط ألف الوصل في بداية كل الكلمات؟

صحيح! نعم؛ يُوَالِي| فَيَرْفُ| ضُ نِصْفَ الْ| وَلَاءِ| وَيُبْدِي الْ| عَدَاوَا| تِ جَلْوَى| صَرِيحَةْ، حتى يستحيل عليك، وفي العادة لا يستحيل، إلا نادرًا فيما يسمى الضرورة، هل سمعتم بالضرورة الشعرية؟

لا.

ما الضرورة الشعرية؟ ظاهرة شعرية يخالف فيها الشاعر معهود اللغة، من أجل أن يدهشك، وأن يقيم وزنه لا من أجل أنه لا يستطيع إلا هذا، لا؛ الشاعرالكبير يقدر على كل شيء، لكن أحيانا يريد أن يدهشك، فعندئذٍ يخالف معهودك من اللغة، يغيّر، لكن هذا محدود، قليل، أما أكثر الشعر فعلى طريقتنا في الكلام؛ فكما تقول في العادة: "نِصْفَ الْوَلَاءِ"، تقول في الشعر، وكما تقول: "يُبْدِي الْعَدَاوَاتِ"، تقول في الشعر، لا تقول: "نِصْفَ أَلْوِلَاءِ"، ولا "يُبْدِي أَلعَدَاوَاتِ"، مستحيل هذا! مستحيل! ها! عمر!

لَهُ وَجْـ

ـهُهُ الْفَرْ

دُ لَا يَرْ

تَدِي

وُجُوهًا

تُغَطِّي

الْوُجُوهَ

تُغَطِّي الْـ

ـوُجُوهَ

الْقَبِيحَةْ

ـوُجُوهَ الْـ

ـقَبِيحَةْ

أرأيتم كيف أخطأ فصحح! ماذا فعل؟

ثم مَنْ مِنْ الفتيات؟ ها! مَن؟ مَن؟ أصيلة التي غابت عنا المرة الماضية، وحضرت في غير مكانها، وهو تصرف عاقل، إذا ما غاب واحد عن محاضرة فمن الواجب أن يدرك، ونحن بحمد الله عندنا ثلاث شعب بل أربع شعب، لكن الرابعة في الموسيقى! هل سمعتم عن المشكلة التي حدثت؟ طالبة في قسم اللغة العربية سجلت المقرر مع طلاب الموسيقى، وقبلها النظام، والمقررعندهم في الموسيقى ساعتان، ما شاء الله! يعني ضاع منها ثلث الدرجة، وذهبت لتعدل فلم تستطع؛ فستعيش الفصل كله مع طلاب الموسيقى، وأنا هناك أدرس بطريقة غير هذه الطريقة؛ نحن هناك نعيش مع الأغاني والعزف وكذا، وندرس هذا من خلال الأغاني -ها!- من خلال نصوص أغاني أم كلثوم وعبد الوهاب وفريد الأطرش! ممتع طبعا -ها!- تستمتع طوال الفصل، لكن في النهاية ستحصل على ثلثي الدرجة -هذا إذا حصلت على الممتاز- ثلثي ممتاز، مسكينة! ينبغي أن ينتبه الشخص عند التسجيل، ها، أصيلة!

يُعَرِّي فَضَائِحَ هَذَا الزَّمَانِ وَيَعْرَى -يبدأ بنفسه- فَيَبْدُو...؟

كَأَنْقَي فَضِيَحةْ!

كَأَنْقَي فَضِيَحةْ! اقرئى أولًا، اقرئي، يا أصيلة! هذه حفيدتي أصيلة، بنت بنتي؛ مجازًا، ها! اقرئي!

ارفعي صوتك، أم هو شعر سري، يُعَرِيْ!

الله! ما شاء الله! كلام سليم مئةً بالمئة، فلماذا تقولينه في السر؟ ألأنه فضائح مثلًا؟ فضائح هذا الزمان، كأنها تقول: نستر عليه، لعل الله أن يستر علينا جميعًا! هذا من العبقرية، هذا أداء عبقري من ملاءمة الحال، هي طبعا لم تفكر في شي من هذا، لكنني أحاول أن أرفعها إلى مقام العبقرية: لما جاءت إلى بيت يتكلم عن الفضائح، خفضت صوتها:

 

يُعَرِّي

فَضَائِـ

ـحَ هَذَا الزْ

زمَانِ

وَيَعْرَى

فَيَبْدُو

كَأَنْقَى

فَضِيحَةْ

على رغم أن الرجل لا يخجل من فضائحه يبدأ بنفسه أصلًا! ها! وأخيرًا! مِن الفتيات، مَن؟ مِن؟ ها! ها! نريد رحمة لتكفّر عن -هل رفعت يدكِ؟- أن تريكم أنها أفضل مما فُعِل بها في اللقاء السابق، تفضلي!

تَرَى وَجْـ

ـهَهَا الشَّمْـ

ـسُ فِيهِ

كَمَا تَـ

والله! كانت تستحق إذن، هههه! أعيدي أعيدي! فقد تعثرتِ قليلًا، هلّا فكرت في سر التعثر! أنت طبيعتك سليمة، ما شاء الله! ووقّفتكِ وكذا كذا، فانتبهي إذن، المسألة فيها سرّ، فعدّلي بسرعة، ها!

تَرَى وَجْـ

ـهَهَا الشَّمْـ

ـسُ فِيهِ

كَمَا

كما، كما فقط، هذا هو السبب أنها "كما"، أعيدي!

تَرَى وَجْـ

ـهَهَا الشَّمْـ

ـسُ فِيهِ

كَمَا

تَرَى وَجْـ

ـهَهَا فِي الْـ

مَرَايَا الْـ

ـمَلِيحَةْ

تَرَى وَجْـ

ـهَهَا الشَّمْـ

ـسُ فِيهِ

كَمَا تَـ

ـرَى وَجْـ

ـهَهَا فِي الْـ

ـمَرَايَا الْـ

ـمَلِيحَةْ

ما "رى وجـ" هذه؟ لا هي "فعولن"، ولا هي "فعو"، ولا هي "فعول" ولا تستقيم هنا على شيء! لا، عودي فصححي!

كَمَا

تَرَى وَجْـ

ـهَهَا فِي الْـ

ـمَرَايَا الْـ

ـمَلِيحَةْ

مطالبون أنتم بأن تنزّلوا هذا الذي فعلناه كما جريت عليه على السبورة، على كل بيت من هذه الأبيات، وعندكم فراغ مهيأ لهذا، إضافة إلى الواجب، ما الواجب؟ أن تعثروا من الشعر العربي على قصيدة كاملة كهذه القصيدة، تفعلون بها على الأوراق في الملف مثلما فعلنا بهذه: تقطيعًا، وتوقيعًا، وتفعيلًا، وتوصيفًا؛ بعد أن تكتبوها فتحسنوا الكتابة، وتشكّلوها فتحسنوا التشكيل. هذا علم؛ من شاء أن يكون جديرًا بمقام طالب العلم -لا عليكم من درجة الممتاز؛ وستأتي، إن شاء الله!- فلْيأخذها بحقها، بارك الله فيكم!

طيب! نعود لتحديد القوافي، ما قافية البيت الأول؟

رِيْحَةْ

هل تذكرون القافية؟ ما القافية؟ نسيتم! ما القافية؟ آخر ساكنين في البيت مع ما بينهما من متحركات، إضافة إلى المتحرك الذي قبلهما، فما قافية البيت الأول؟

رِيْحَةْ.

ها!

رِيْحَةْ.

مستريحة؟

رِيْحَةْ، رِيْحَةْ.

مستريحة أم رِيْحَةْ؟

رِيْحَةْ.

أما ابنتنا التي قالت: "مستريحة"، فظنت القافية الكلمة الأخيرة، فأراحت نفسها، فقالت: قافية البيت "مستريحة"، وهذا قول الأخفش من العروضيين؛ كان يرى أن القافية هي الكلمة الأخيرة، وهذا القول سائغ، ولكنه متروك، أما قول سيد هذا المقام سيد هذه الطائفة الخليل بن أحمد، فهذا الذي قلت لكم، وبناءً عليه تكون القافية؟

ريحة.

"ريحة" فقط، ما الذي في "ريحَةْ"؟ ما الذي شممتموه في "ريحة"؟

حاء.

ها! عندك ساكنان، ما الساكن الأول؟

الياء.

الياء ياء المد، وما الثاني؟

التاء.

الهاء المنقلبة عن التاء عند الوقف. ما الذي بينهما؟ الحاء المفتوحة، وما الذي قبلهما؟

الراء المكسورة.

الراء المكسورة.

فالقافية إذن "رِيْحَة"، وقافية الثاني؟

رِيحَةْ.

رِيحَةْ، وقافية الثالث؟

بِيحَةْ.

بِيحَةْ، وقافية الرابع؟

رِيحَةْ.

رِيحَةْ، وقافية الخامس؟

سِيحَةْ.

سِيحَةْ، وقافية السادس؟

بِيحَةْ.

بِيحَةْ، ما شاء الله! تدليلات كتدليلات الفتيات، نحن في بلادنا ندلل البنت، إذا كان اسمها "مديحة"، فنقول لها: تعالَيْ يا ديحة! في تدليل مديحة نقول: "ديحة". ها! ولو كان اسمها "صبيحة" مثلًا لقلنا لها: يا بيحة! ... وهكذا ها! وقافية السابع؟

صِيحَةْ.

وقافية الثامن؟

حِيحَةْ.

حِيحَةْ، وقافية التاسع؟

حِيحْةْ.

حِيحْةْ، وقافية العاشر؟

رِيحَةَ.

رِيحَةَ، وقافية الحادي عشر؟

رِيحَةْ.

رِيحَةْ، وقافية الثاني عشر؟

بِيحَةْ.

بِيحَةْ، وقافية الثالث عشر؟

ضِيحَةْ.

ضِيحَةْ، وأخيرًا؟

لِيحَةْ.

لِيحَةْ؛ ما أقوي الحروف المقررة؟

الحاء، الحه.

الحه! جميلة هذه، لا، في المصرية نقول: حه، وخه، فما تقولون في العمانية؟

حا.

حا، ونقول في المصرية أيضا: ره في الراء، وزين في الزاء، والفصيح راء وزاء، لتجري الزاء مجرى الراء، كما تجري الشين مجرى السين. طيب! نعود: ما أقوى الحروف المكررة؟

الحاء.

ما حركتها؟

الفتحة.

طيب! هل قبلها ألف أو واو أو ياء ساكنات؟

نعم.

ما الذي قبلها؟

ياء ساكنة.

هذه الياء ياء مد، أم ياء لين؟ وما الفرق الذي بينهما؟ ياء المد بعد كسرة، وياء اللين بعد فتحة، هاه!

هذه ياء مد.

هذه ياء مد، فما الذي بعد الحاء المفتوحة؟

هاء ساكنة.

هاء ساكنة منقلبة عن تاء أو غير منقلبة، عندكم "ضريحه"، هذه هاء لا تاء، وقف عليها، فقال: "ضريحهْ".

جميل! الآن -يا جماعة!- نستطيع أن نضيف إلى الصورة في البطاقة، البيانات، ألصقنا الصورة -هذا الذي فعلناه من قبل- ألصقنا الصورة، حللنا الوزن، وحللنا القافية؛ فالآن نضيف البيانات إلى البطاقة الشخصية؛ فماذا نقول؟ هذه القصيدة متقاربية الأبيات، ما معنى أنها متقاربية؟

من بحر المتقارب.

أن أبياتها من بحر المتقارب، متقاربية الأبيات، تمام؟

تمام.

الآن نريد أن نقيس طول البيت؛ فَبِمَ يقاس كما علمتكم؟     

بالتفعيلة.

بأعداد التفعيلات، علمتكم -نسيتم!- في إجابة الأسئلة، كنتم تنامون وقت إجابة الأسئلة! كيف نقيس طول البيت؟

بعدد التفعيلات.

بعدد التفعيلات، طيب! كم تفعيلة في كل بيت عندنا هنا؟

أربع.

بل ثماني تفعيلات على ما تخرجه الدائرة. لكن عندنا هنا مصطلحان على البيت حين يستوفي الأعداد الدائريّة المطلوبة: إما أن يسمى تامًّا، وإما أن يسمى وافيًا، فما الفرق الذي بينهما؟  لا يسمى تامًّا إلا إذا استوت تفعيلاته في السلامة والتغير، فليس لتفعيلة على تفعيلة من فضل، كلها سواء، إذا شاء الشاعر أن يغير من أي منها غيّر، وإذا شاء أن يسلمها جميعًا سلّم. نعود إلى هذا، فهل هذا هنا مثلاً؟ هل هذا هنا؟ يعني عندكم مثلًا في (وَفِي) التفعيلة محذوفة جميل! هل يستطيع أن يحذف الأولى؟ أو الثانية؟ أو الثالثة؟ أو الخامسة؟ أو السادسة؟ أو السابعة؟ لا يستطيع، أما الثامنة فكان يمكنه أن يبنيها من الأصل على الحذف، ولكنه بناها على السلامة، ولا يستطيع أن يبنيها على السلامة في التفعيلة الأخيرة لينقلها إلى الحذف. معنى هذا أن البيت استوفى أعداد التفعيلات، ولكنها لم تتساو في الحقوق والواجبات، فما الحل؟ أن نصفه بالوفاء، وهذا هو الفرق بين البيت التام و البيت الوافي، فيم يشتركان؟ يشتركان في استيفائهما أعداد التفعيلات. فيم يختلفان؟ في أن التفعيلات في حال التمام متساوية في الحقوق والواجبات، في السلامة والتغير- أما في حال الوفاء فهي غير متساوية؛ ربما اختص تفعيلة بتغير لا يجوز في أخرى، رأيتم؟ هذه القصيدة إذن متقاربية الأبيات...؟

الوافية.

الوافية، ننعت الأبيات؛ هذه القصيدة متقاربية الأبيات الوافية. بعد قياس الطول ننتقل إلى آخرة تفعيلات الصدر وآخرة تفعيلات العجُز؛ أي إلى التفعيلتين الرابعة والثامنة. من تمام البيانات بعدما ألصقنا الصورة، أن نذكر حال التفعيلة التي في آخر النصف الأول وحال التفعيلة التى في آخر النصف الثاني، لأنهما أهم التفعيلات على الإطلاق، كما يقولون في بيانات الشخص، اسمه، ونسبه، ومولده، أشياء في بياناته لا يستغنى عنها؛ فكذلك هنا في هذه البيانات، لا يستغنى عن ذكر صورتي العروض والضرب؛ فما صورتا العروض والضرب؟ أما الضرب فتفعيلاته كلها صحيحة سليمة؛ فعولن فعولن من الأول إلى الأخر، وأما تفعيلات العروض فمرة جاءت محذوفة، ومرة جاءت سالمة، ومرة جاءت مقبوضة، وهكذا! وإذا كانت التفعيلة على هذا النحو -تسلم، وتتغير- فإنها تعد في التصنيف سالمة؛ فلهذا نعبر عنها بالصحة، نعبّر عن السلامة هنا بالصحة، لماذا يا أستاذ؟ لأن موضعي العروض والضرب من المواضع التي تتلقى العلة، وعكس العلة الصحة، فسنعمّم اسم صحيحة على الصحيحة والسالمة جميعًا، فنقول: هذه القصيدة متقاربية الأبيات الوافية الصحيحة العروض والضرب، هذه بيانات الوزن.

انتقلوا إلي بيانات القافية، كيف نقول؟

حائية القافية.

أحسنت! ننسبها إلى أقوى حروفها المكررة، كما تقولون في سينية البحتري، ونونية ابن زيدون، ودالية المعري، ولامية العرب، ولامية العجم، وكذا وكذا وكذا، نقول هنا؛ فماذا نقول؟

حائية.

حائية القوافي، ها! ما حركتها؟  

مفتوحة.

المفتوحة، ها! قبل الحاء شيء من الألف أو الواو أو الياء؟

لا.

لا، بل قبله ياء.

ياء مد.

كما قلتم ياء مد، هذه الياء تسمى الرِّدف، والرِّدفُ اللِّصْق. إن لم يكن فيها هذا اللصق فَتَّشْنا عن الذي قبله، هل ثَمَّ ألف؟ لو كانت عندنا ألف قبل الذي قبل الروي لَسَمَّيناها التأسيس، ولوصفنا القافية بأنها مُؤَسَّسة، لكنها اشتملت على ردف لا تأسيس؛ فلهذا نقول: حائية القوافي المفتوحة المُرْدَفة بياء المد. ولابد أن نحدد هذا بياء المد؛ لماذا؟ لأن الشاعر كان يمكنه أن يُشْرك مع ياء المد واوَ المد، ولكنه لم يفعل، كان يمكنه أن يقول: "صُرُوحه"، مثلا -ها!- "جُرُوحه"، إلى آخره، فلم يفعل، وهذا -ياجماعة!- "لزوم ما لا يلزم"، هل سمعتم عن "لزوم ما لا يلزم"؟

نعم.

ما "لزوم ما لا يلزم"؟ أن يلتزم شيئًا كان يمكنه أن يغيّره إلى آخر، من غير أن يتدمَّر البناء؛ فكونه ألح على ياء المد في كل بيت من الأول إلى الآخر، يدل على أنه قد التزم ما لا يلزمه. مَن أشهر من كان يلتزم ما لا يلزمه؟

المعري.

أبو العلاء، نعم؛ وله ديوان كامل اسمه "لزوم ما لا يلزم". لكن هل هو مخترع هذا؟ لا؛ حدث في الجاهلية، حدث، وفي صدر الإسلام، وعصر بني أمية. المعري في القرن الخامس الهجري، وقد حدث هذا قبله منذ الجاهلية، لكنه الذي ركز عليه حتى أخرج فيه كتابًا كاملًا، كل قصيدة من قصائده فيها التزام ما لا يلزمه، حتى إذا وصل أحيانًا إلى التزام خمسة أحرف، وهذا لا يقدر عليه أي أحد، لا يقدر عليه أي أحد. حاول العماني الحبسي أن يقلد المعري، شاعركم الحبسي -وكان مثل المعري كفيفًا- حاول أن يقلد المعري ويتجبَّر علينا مثله؛ ففعل كثيرًا مما فعل المعري في شعره، تمام؟ ماذا قلنا إذن؟ حائية القوافي...

المفتوحة.

المفتوحة.

المردفة.

المردفة بياء المد، وأضيفوا بين شرطتين وقد التزم بهذا ما ليس يلزمه.

أصيلة ليس معها ملفها، وسنأخذ الملفات، ولم تكتب في هذا، مَن الذي كتب؟ مَن الذي كتب؟ ارفعوا أيديكم، مَن الذي كتب؟ طيب! ولماذا لم يكتب من لم يكتب؟ الذي كتب هو الجدير بأن يكون من أهل العلم، ومن لم يكتب جدير بأن يعمل أي عمل آخر، أن يعمل منسقًا في وزارة التجارة مثلًا، أو أن يعمل في جراج نزوى مساعدًا، أن يعمل أي شيء، لا أن يكون أحد طلاب العلم، نعم يا ميس!

دكتور! في البيت الأول قلنا: العروض صحيحة.

على رغم أنها محذوفة! نعم؛ قلت لكِ: إذا كانت التفعيلة تُغيّر وتسلم، وصفناها في التوصيف من البيانات بأنها سالمة، وغيّرنا سالمة إلى كلمة صحيحة التى تغني عنها لأن موضعي العروض والضرب من مواضع العلة التى تحدث فيها العلة وعكس العلة الصحة، فكلمة صحيحة هنا ستنوب عندنا عن سالمة كذلك. ماذا قلنا؟ حائية القوافي المفتوحة المردفة بياء المد، وهذا من لزومه ما لم يكن يلزمه. ها! ثم ننظر إلى ما بعد الروي، ما الذي بعد الروي؟ الهاء الساكنة، هذه الهاء وصل، بها وصلت القافية إلى غايتها؛ فماذا نقول؟ الموصولة بالهاء الساكنة. ولابد من وصفها بالساكنة لأنها ربما كانت مفتوحة فقلنا: "هُ"، "هَ"، "هِ" -ها!- فلهذا ينبغي أن نضيف الموصولة بالهاء الساكنة. ها! ماذا قلتم في البيانات؟ هذه القصيدة...

متقاربية الأبيات.

طويلية الأبيات.

الوافية.

الوافية.

متقاربية الابيات.

متقاربية، سامحني، أنا أخطأت، متقاربية الأبيات.

الوافية.

الوافية.

الصحيحة.

الصحيحة العروض والضرب.

حائية القوافي.

حائية القوافي.

المفتوحة.

المفتوحة.

المردفة بياء.

المردفة بياء المد، وقد التزم بهذا ما لا يلزمه -وليس هذا من البيانات، ولكنه من إضافات طلاب العلم- ها!

الموصولة بالهاء الساكنة.

الموصولة بالهاء فقط؟

بالهاء الساكنة.

بالهاء الساكنة، هذا هو. بارك الله فيكم، وشكر لكم، وأحسن إليكم، والسلام عليكم!

نحن بهذا -يا جماعة!- أصّلنا الأصول التى سنجري عليها إلى أن ننتهي. لا بد في كل قصيدة من هذا، هنا في قصائد الملف، وعندك في قصائد الواجب وقصائد البحث، في كل مكان، في كل مكان! مع السلامة مع السلامة.

دكتور!

ها!

والقصيدة في الواجب، نكتب عن أي قصيدة؟

كهذه؛ إن استطعت أن تعثري على قصيدة كأنها نسخة من هذه فلا بأس، وإن لم يكن فلتكن قريبة من هذه فقط.

المهم من المتقارب.

من المتقارب، بهذا الطول، بهذا الطول؛ في طول الأبيات وفي طول القصيدة. بعضكم يذهب -ما شاء الله- ليأتي بأربعة أبيات، صفر! هذه القصيدة من بضعة عشر بيتًا، من خمسين بيتًا، من عشرين، من كذا، لابد أن تكون قصيدة الواجب في طول قصيدة الملف، إذا كانت أكثر قُبلت، وإذا كانت أقل لم تُقبل، ها! عمر نصاب، هذا معروف.

دكتور!

نعم.

أي مصدر حتى نكتب منه؟

نعم!

أي مصدر نكتب؟

ما تشاء، لكن كتاب الحجري، كتاب هلال الحجري بلا ريب، فيه أشياء كتير، لكن أنا شايله لتصرفات أخرى، يا أخي عندك النت -ما شاء الله!- وانتبهوا إلى النت؛ فيه تحريفات للشعر كثيرة.

أجل.

النت فيه مصايب، تروح تنقل وأنت -ما شاء الله!- مطمئن، لفلان وليست لفلان، هي هكذا وهي خطأ؛ فماذا تفعل؟ لابد في الباحث والمكتفي بالإنترنت أن يكون عالمًا، قادرًا على تصحيح الأخطاء، أنا لا أستغني عن النت طبعا، لكنني أميز الأخطاء، لكن واحد مسكين مبتدئ يذهب إلى النت ويسلّم له نفسه، مصيبة! مع السلامة.

عليكم السلام.

أخبرهم يمكن حفظ ملفات هذه الحلقة؟

يا جماعة، إحنا عندنا مسابقة أصلًا، مسابقة في هذا الفصل، لها جوايز،  مسعود بس ذكرني بيها، سويناها الفصل الماضي فأنا بعيدها عليكم، حقكم طبعا. كل فصل لازم نتيح له هذه المنافسة: عندنا مسابقة في حفظ هذا الملف.

في حفظه؟

في الحفظ.

في حفظ الملف!

في حفظ الملف، أي شعر الملف.

شعر الملف ولا الكلام؟

الشعر، عندك كام قصيدة؟ عندك على الأقل ست عشرة قصيدة بعدد ستة عشر بحر، فيه مكان فيه قصيدتان في بحر المضارع. الفصل الماضي جالي إبراهيم مسكري حتى الكلام حفظه، هذا طالب من هندسة، كان يحضر معاهم، من الهندسة، وعرفت بعد كده أن له مواقف مشهودة في الحفظ، هذا الطالب شيطان من الشياطين، وأعطيته -هو فاز بالجائزة- كتب وعليها إهداءاتي كتب كثيرة وكل كتاب عليه الإهداء، مش بس كده كتبت عنه مقال سميته "راوية المدى العماني"، اتكلمت عنه، فلما كتبت حصّلت واحد داخل يعلق يقول لي: وأزيدك يا دكتور -هو أستاذه في إبرا- قال هذا الطالب أراد أن يدخل -وكان صغير- أن يدخل معهد كذا، فقلنا له: لا، هذا صغير، أنت صغير! قال: لا، بدخل! أنت صغير. لا، بدخل! قالوا: تريد تدخل؟ طيب! إذا حفظت كذا بندخلك، فحفظ! شرط عليه الحفظ -أي يصعّب عليه- فحصّل الولد اكتسح! ودخل وهو صغير مع الطلاب الكبار، المهم كان شيء طيب جدًّا؛ فأنا الآن أتيحه لكم كما أتحته لهم، بارك الله فيكم! يا الله مع السلامة، خبّروا زملاءكم!

وسوم: العدد 1095