استفحال آفة عدم انضباط الناشئة المتعلمة لما تفرضه الأنظمة الداخلية للمؤسسات التربوية من ضوابط
من المعلوم أنه لا يخلو مجتمع من المجتمعات البشرية من وجود ظاهرة عدم انضباط الناشئة المتعلمة لما تفرضه الأنظمة الداخلية للمؤسسات التربوية من ضوابط ضامنة للسير العادي للدراسة . ولا شك أن هذه الظاهرة قد تتفاقم فتصيرآفة إذا ما تم تجاهلها أو التغاضي عنها. وتعزى هذه الآفة إلى كون المؤسسات التربوية ترتادها ناشئة متعلمة تتفاوت مستويات أخلاق وسلوكات أفرادها ، ومرد ذلك إلى اختلاف أنماط التنشئة الأسرية التي يخضعون لها ، و كذا اختلاف طبيعة أوساطهم وأوضاعهم الاجتماعية .
ومعلوم أن المؤسسات التربوية من حيث المبدأ ، وباعتبار دورها التربوي الذي يعتمد التعليم وسيلة للتربية ، تسعى إلى صهر الناشئة المتعلمة على اختلاف أوضاعها الاجتماعية في بوتقة واحدة لتحقيق هدفها التربوي المؤسساتي الذي من المفروض أن يعزز من جهة التنشئة الأسرية السوية ، و في نفس الوقت يسدد ما قد يعتريها من سلبيات ، ومن جهة ثانية يواجه بالتصحيح والتسديد الانحرفات الاجتماعبة المؤثرة سلبا في سلوك الناشئة المتعلمة ، وهي بذلك تواجه صعوبات كبيرة في مهمتها من خلال طموحها إلى تحقيق تعميم تربيتها مؤسساتية فعالة تذوب فيها فوارق التنشئة الأسرية المختلفة ، وفوارق تأثير التنشئة الاجتماعية الإيجابية منها أوالسلبية ،خصوصا وأن مرامي وغايات وأهداف المناهج الدراسية المعدة لتحقيق تربية الناشئة تنص على تكوين متعلمين متشبعين بقيم وأخلاق وطنهم الذي تحددها المرجعيات المعتمدة .
ومعلوم أن الوزارة الوصية على الشأن التربويي قد حددت للمؤسسات التربوية في كل جهات الوطن نظاما داخليا موحدا باستثناء ما تسمح به الفقرة الثالثة منه والتي عنوان : " بنود النظام الداخلي للمؤسسات التعليمية ، والتي تخول للمؤسسات عمومية وخصوصية اقتراح بنود إضافية أو تعديلها شريطة مصادقة مجالس التدبير عليها . ولا شك أن الدافع وراء هذا التخويل هو الرقي بمستوى ببعض بنود النظام الداخلي في حال وجود ثغرات أو عيوب فيه أو نقص يتطلب تكميلا. ومع ما قد يوجب مراجعة بعض البنود في النظام الداخلي للمؤسسات ، فإنه في واقع الحال عبارة عن وثيقة تعلق على السبورات المرجعية في مكاتب إدارات المؤسسات دون أن يكون للناشئة المتعلمة لأولياء أمورهم علم بها أو اطلاع عليها ، وربما قد لا يطلع عليها عليها حتى بعض الفاعلين التربويين مع أنها في الحقيقة تمثل تعاقدا طبيعته الإلزام بالنسبة لجميع الأطراف داخل المؤسسات التربوية، فضلا عن أولياء أمور الناشئة المتعلمة . ولا شك أن أجيال الناشئة المتعلمة تختلف سلوكاتها وطبائعها باختلاف الظروف الزمكانية ، الشيء الذي يؤثر في طبيعة انضباطها لما يقرره النظام الداخلي للمؤسسات التربوية .
والذي يهمنا بالضبط في هذا المقال هو إلقاء الضوء على ما يمكن تسميته باستفحال آفة عدم انضباط الناشئة المتعلمة داخل المؤسسات التربوية لما يقره ،نظامها الداخلي من سلوكات معينة داخل فضاءاتها بما في ذلك فصولها الدراسية التي تقضي فيها الناشئة المتعلمة معظم أوقاتها الدراسية حيث شاعت كثير من السلوكات والتصرفات المتهورة والطائشة ، وصارت شبه يومية تشكو منها على حد سواء الأطر التربوية والأطر الإدارية خصوصا بعدما تم إجراء تعديلات على فقرة ضوابط الحياة المدرسية المتعلقة بالعقوبات التي تستدعيها المخالفات المرتكبة من طرف الناشئة المتعلمة ، والمنصوص عليها في النظام الداخلي للمؤسسات التربوية ، وقد احتفظ بما سمي عقوبات تصاعدية كالإنذار والتوبيخ وتم إلغاء عقوبة التوقيف المؤقت أو الطرد اللتين كانتا تطبقان سابقا حين تكون مخالفات المتعلمين خطيرة ، وقد عوضتا بما سمي تقديم خدمات لفائدة المؤسسات التربوية، علما بأن عقوبة الخدمات لا تؤدي دورها على الوجه المطلوب لأنها ليست ذات أثر ردعي بل صارت فرصة للمزيد من العبث .
والشائع اليوم في مؤسساتنا التربوية هو أنواع من السلوكات العابثة داخل فضاءات المؤسسات التربوية ، خصوصا داخل الفصول الدراسية حيث صارت الناشئة المتعلمة لا تنخرط بجدية في العمليات التعلمية ، وهي في أغلب مراحل الدروس عابثة بالأطر التربوية التي تضطر إلى وقف السير العادي للدروس عدة مرات في الحصة الواحدة من أجل وضع حد لتصرفاتها الطائشة ، فضلا عن اتصالها المتكرر بالأطر الإدارية كي تتدخل لوضع حد لها ، فضلا عما يهدر من وقت معتبر في تحرير العديد من التقارير اليومية الخاصة بحالات الشغب والمرفوعة إليها دون أن يكون لها أدنى تأثير في الحد من التسيب الشائع في الفصول الدراسية، والسبب في كل ذلك هو ما اعترى الإجراءات العقابية من تحجيم بالرغم من وقوع أحيانا أفعال أو أخطاء من الناشئة المتعلمة التي ترقى إلى عقوبات التوقيف المؤقت أو حتى الفصل أوالفصل النهائي .
ولقد صارت الناشئة المتعلمة تستخف بالعقوبات التي ترى الإدارات التربوية أنها تعود بالنفع على المؤسسات ، وتجعل منها فرصا للتمادي في العبث والفوضى كما يحصل على سبيل المثال في تكليف ذوي المخالفات بعمليات تنظيف مرافق المؤسسات أو إصلاح ممتلكاتها أو معداتها التي تتعرض للتخريب ،وقد تحولت بالفعل في بعض المؤسسات عمليات التنظيف حسب شهود عيان إلى تراشق المتعلمين المعاقبين بالمياه ومواد النظافة فيما بينهم ، ورشق غيرهم بها ،فأي نفع سيعود على تلك المؤسسات بمثل هذا العبث وهذا التهور الذي يفقد هذا الإجراء التأديبي طابعه الزجري والتصحيحي ؟ ولقد تأكد بما لا يدع مجالا للشك أنه لا جدوى من ورائه ، وأن الأمر صار يتطلب عقوبات أخرى تكون ذات طابع زجري بما في ذلك التوقيف المؤقت عن الدراسة أو الفصل في حال وقوع بعض مخالفات خطيرة ومهددة للسير العادي للدراسة أو المهددة لسلامة الناشئة المتعلمة حسب تقديرات الإدارات التربوية .
ولقد آن الأوان لمراجعة الإجراءات التأديبية ، وإعادة صياغة الفصل الخامس من النظام الداخلي للمؤسسات التعليمية المتعلق بضوابط الحياة داخلها . وعلى مجالس التدبير أن تمارس حقها الكامل في اقتراح تعديلات على الإجراءات العقابية كما تنص على ذلك الفقرة الثالثة من النظام الداخلي تحت عنوان : بنود النظام الداخلي . وحري بمثل هذه المراجعة أن تطوق استفحال آفة عدم انضباط الناشئة المتعلمة لضوابط القانون الداخلي للمؤسسات ، كما آن أوان تنزيله في الواقع عوض الاكتفاء بتعليقه على السبورات المرجعية في مكاتب الإدارات التربوية .
وسوم: العدد 1117