كلمة حق في وجه قادة شعبنا

تحسين أبو عاصي

– غزة فلسطين –

[email protected]

يا قادة الشعب الفلسطيني : هل تقبلون بكلمة حق يجب أن تُقال في وجوهكم ، فذلك خير من الهمز والهمس من وراء ظهوركم ، حتى لو كانت مصارحة قاسية ؟ ... نأمل منكم ذلك ؟ .

لقد قاومتم عشرات السنين ، واعترف العالم بقضيتنا ، ولكن على الورق ، وحققتم قيمة معنوية لشعبكم أدت إلى فرش البساط الأحمر ، وعزف السلام الوطني ، وتسوُّل أموال الداعمين والمانحين ، ثم انقسمتم شرّ انقسام طال كل شيء وبدون استثناء حتى المرأة مع زوجها ، ولم تُجد كل محاولات الصلح بينكم حتى اليوم ، ولا نعتقد أنها ستجدي ولو بعد حين...!؟.

يا قادة الشعب الفلسطيني :

إن الشفافية والمصارحة تقتضي طرح عدد كبير من الأسئلة :

لماذا أنتم قادة على شعبكم في غزة والضفة الغربية والشتات ؟  ما هو مبرر وجودكم ؟ هل حققتم ما يصبوا إليه شعبكم الذي تتغنون بصموده وتضحياته ليلا ونهارا  ؟ أم أمسيتم عبئا عليه وسببا في معاناته ؟

لقد تركتم جرحا غائرا في قلوب شعبكم ، باستثناء ثلة من الانتهازيين الذين يُسبِّحون بحمدكم ، ويرقصون لكم على كل الحبال ، ثلة من المنافقين المرتزقة ، يُطبِّلون لكم في كل وقت ، هم المزيفون الذين لا خير من ورائهم مطلقا ، وهم الملونون الذين في كل واد يهيمون ، ولا تعنيهم إلا مصالحهم فقط ... باستثناء هؤلاء المخلصين المضلَّلين والمغرر بهم  ، الذين يقدمون دماءهم وأرواحهم وأعمارهم من أجل وطنهم  ، والنتيجة صفر اليدين ، ومزيدا من المعاناة على أيديكم يا معشر القادة ...

يا قادة الشعب الفلسطيني : غزة محاصرة  ، ويذوق أهلها المر على أيديكم ، وبسببكم تعرضنا للفقر والبطالة ، وتسول شعبنا الكوبونة – حصة الصدقات – وعززتم هذه الثقافة في وعيه ، وتردَّد على أبواب الجمعيات الخيرية ، ونمت ثقافة الأنا ، وكره الأخ أخاه والجار جارة ، وسادت بين الناس حالة من التشكيك بالآخر والحذر منه ... معاناة لن تتوقف في قطع الكهرباء ... وملوحة المياه ... وشح غاز الطهي ... وقلة وقود السيارات ... خريجين بلا عمل ولا أمل ... طلاب الجامعات تركوا مقاعدهم الدراسية بسبب عدم مقدرتهم على دفع الرسوم ، ومنهم من لا زالت الجامعات تحتجز شهاداتهم بسبب عدم استكمال الرسوم ... والموت بسبب الأنفاق جريا وراء لقمة العيش ، ومن قبل الموت من مولدات الكهرباء ، ومن وقت قريب كنا حقل تجارب لصواريخكم الارتدادية التي أطلقها رجالكم ، والتي قتلت وجرحت ودمرت الكثير من الأبرياء الفلسطينيين في مزارعهم وعقر دارهم ،  ومن يظن أن غزة غير ذلك فهو يكابر، ويرى بنصف عين أو ربما أصابه الرمد ...

إن كنتم تعلمون بمعاناة شعبكم فهل تشعرون بها ؟ وإن كنتم تشعرون بها فأين موقفكم مما يجري ؟ وإن كنتم لا تعلمون فكما قال ابن القيم رحمه الله :

إن كنت تدري فتلك مصيبة ***** وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم .

يا قادة الشعب الفلسطيني : لقد انتخبكم شعبكم فلم تحققوا له شيئا يُحسب لكم ، ففي الضفة الغربية الويل لمن يطلق رصاصة واحدة ليقاوم عدوه ، ومئات الحواجز تنتشر على طول وعرض الضفة ، وذل وإهانات ومعاناة لشعبنا على تلك الحواجز ، والاستيطان على أشده وتضاعف كثيرا عما كان قبل أوسلو ،  والقدس تتعرض للتهويد بوتيرة غير مسبوقة ، وليس منكم إلا الإدانة والتصريحات والردح والخطب ، وفي قطاع غزة ، يُقدر لكم الكل الوطني مقاومتكم وإعدادكم الصامت لمواجهة عدوكم ، وضربتم تل أبيب والقدس ، وملكتم أسلحة نوعية ، وحفرتم الأنفاق المذهلة ، وأعددتم إعدادا معنويا وعسكريا اعترف لكم به العدو والصديق ، وأثبتم أنكم تعملون عن وعي وإرادة ، حتى اعترف بذلك أحد قادة العدو قائلا : بيننا وبين الفلسطينيين صراع أدمغة.

يا قادة الشعب الفلسطيني :  يجب أن نذكر الحقيقة المؤلمة ، وكما قال العقاد رحمه الله : الحقيقة مُرَّة ينبغي القبول بها ولا يتجرع مرارتها إلا العظماء ، فغزة في العلم العسكري ساقطة عسكريا ، وأنتم تعلمون ذلك جيدا ، حتى لو ملكتم السلاح النووي والكيماوي ، فلن يغير تكديس الأسلحة في غزة من الواقع شيئا مطلقا ، فهل تنتظرون أن يخرج من غزة جيشا يعيد لنا يافا وحيفا ، واللد والرملة والمثلث والجليل ؟، وغزة معزولة دوليا وعربيا ، وغزة تعيش الحصار المؤلم ، وغزة لا مستقبل سياسي لها ، وغزة تعيش الحرمان والكبت وغياب الأمل في كل شيء ، غزة معبرها مغلق باستثناء ساعات أو أيام وفقا لأرجوحة السياسة وخبثها ، غزة اللا عمل واللا دراسة في الخارج باستثناء المحظوظين طبعا من الذين ولدتهم أمهاتهم وفي أفواههم ملاعق من ذهب... سؤال يكرره كثير من المفكرين والسياسيين ولا إجابة عليه .،إلى أين أنتم ذاهبون بغزة ،  وأنتم تارة مع هذا النظام وتارة ضده !!!؟ ،  دعونا نتلكم الحقيقة ... لقد جرّب شعبنا في غزة حكم المصريين ، ثم حكم الاحتلال ، ثم حكم فتح ، ثم حكم حماس ، وغزة تسير من سيء إلى أسوأ ، وفي الضفة الغربية جرب الفلسطينيون حكم الاستعمار البريطاني ، ثم حكم النظام الأردني ، ثم حكم الاحتلال ، ثم حكم السلطة الفلسطينية  ، والضفة أيضا تسير من سيء إلى أسوأ ، هذه حقائق لا تحتاج إلى إثبات ، ودعونا من المزايدات والمبالغات والمغالطات ، فالشمس لا يمكن تغطيتها بغربال كما يقول المثل الشعبي الفلسطيني ...

في غزة البلديات لا ترحم أحدا حتى ولا صاحب بسطة فقير يعيل أسرته ، ولا بائع سجائر من خلفه والدين وإخوة بانتظاره ، وقد رأيت ذلك بنفسي ، وأنا هنا لا اكتب عواطف بل أسوق الحقائق التي حتما سوف لا تعجب المنتفعين والمدافعين وفق ما يروق ويحلو للأمزجة والأهواء ، وفي غزة والضفة القضاء منشار يقص رقاب الفقراء ومن لا واسطة لهم ، وفي غزة والضفة الإعلام منتفع في معظمه ويخشى قول الحقيقة هنا أو هناك ، وفي غزة والضفة الضرائب من كل حدب وصوب ، في غزة الشرطة ليست في خدمة الشعب بل هي في خدمة الراتب أو القائد ، ولي معها تجارب أربع ، منها تجربة ماس كهربائي حرق جزءا من بيتي ، في غزة السائق في حافلته يشكو ، والطالب يضجر ، والعامل يبكي ، والفقير يتألم ، والمريض يئن من مرضه ، ويحتاج إلى واسطة ولا يملك ثمن الدواء ، في غزة الواسطة في كل مكان كما كان الأمر قبل الانقسام ... هذه أمثلة عاينتها عن قرب ولم ينقلها لي أحد ،  في غزة السجن الكبير في مساحته ، في غزة ارتفاع الأسعار وغياب فرص العمل ، وعشرات ألوف الخريجين لا أمل لهم ولا مستقبل ، ولا حيلة أمامهم في بناء بيت وتكوين أسرة والاستقرار في عمل .

يا قادة الشعب الفلسطيني : أنتم لم تحققوا قفزة نوعية على مستوى السياسة ، ولا التعليم ، ولا على مستوى الصحة ، ولا الطرقات ولا بناء المؤسسات ولا الخدمات ، وفقط تجيدون تسول الأموال ... وتذكروا إن نسيتم !! أن خدمات التعليم عندنا بثمن ، وخدمات الصحة بثمن ، وحتى الموت له ثمن ، فلا يمكن دفن الميت إلا عندما يدفع ذويه ثمن حفرة الدفن ...!.  

وفي الشتات : فما من فلسطيني – باستثناء المحظوظين - إلا وهاجر هجرات متكررة هربا من الجحيم ، فعلى سبيل المثال لا الحصر ، من حيفا إلى لبنان إلى الأردن إلى العراق ، إلى مخيمات الحدود مثل مخيم التنف على الحدود العراقية السورية ، ثم إلى مخيم الهول في محافظة الحسكة السورية ، ثم إلى البرازيل والسويد ، ثم إلى النوم على الأرصفة هناك ، وتعرضهم للقمع على أيدي شرطة البرازيل كما شاهدنا من خلال وسائل الإعلام ، ولا مجال لإنكار هذه المآسي المفزعة  ". بناء على المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة " ومن مخيم اليرموك إلى مصر ، إلى ليبيا ، إلى قبرص ، إلى الموت غرقا ، إلى أن يتحول الفلسطيني إلى طعام لسمك القرش في عرض البحار .

 يا قادة الشعب الفلسطيني : رغم كل ذلك فهل تشعرون بمعاناة شعبكم لكي تتفقوا فيما بينكم ، وتنهوا الانقسام !؟. وهل ينتظر شعبنا مزيدا من ظلم وظلمة الأيام على أيدي قادتنا ، أم أن أسماك القرش ، وحجز المطارات ، ونقاط الحدود  والسجون بانتظارنا .

واليسار الفلسطيني : في تراجع خطير ولا نسمع منه إلا الجعجعة  فقط ، وهو الذي كان يقوم تارة  بدور الصليب الأحمر في أيام الانقسام السوداء ، وتارة أخرى بدور المخاتير والوجهاء ، اليسار وما أدراك ما اليسار ، اليسار الذي سقطت كل أطروحاته ، وقد كان التنظيم الأقوى في غزة والضفة في فترة السبعينات وأوائل الثمانينات ، ولم يعد يملك اليوم إلا التغني بأمجاد الماضي التي تحولت إلى متحف التاريخ ، وهو أعجز من أن يعترف بفشله ، اليسار الفلسطيني الذي لا يزال يغلق الأبواب أمام جيل الشباب ، ويتمسك بمجموعة من العجائز الفاشلين ، اليسار الفلسطيني يعج بتناقضاته المخفية ، ولو فتشنا جيدا لوجدنا العجب العجاب ،  اليسار الفلسطيني حدث عنه ما شئت ولا حرج عليك في ذلك ، فلم يبق منه إلا ما بقي للتجار المفلسين ، الذين يبحثون بين كراسات دَينهم القديمة ، علهم يجدون فائدة ما .

يا قادة الشعب الفلسطيني : لا يمكنكم الإنكار بأن كل قراءة خاطئة تؤدي حتما إلى نتيجة خاطئة ، وما وصلنا إليه هو نتيجة خاطئة لسوء قراءتكم ، وإلا ما معنى دخول حماس تحت سقف أوسلو ، وقبول فتح بذلك ، وما معنى محاصرة الحكومة المنتخبة شرعيا – حماس – ورفض التعامل معها ، والاحتكام على السلاح ، وترك قطاع غزة حتى الآن ضحية لسوء قراءتكم ؟ وما معنى المشروع الوطني الوليد والذي صار مثل الجبل الذي تمخض عن فأر ، فلم يعد ثمة مشروع ولا وطني ، بل عاد احتلال مجاني لم يشهد التاريخ له مثيلا ، وتنسيقا أمنيا مع عدوكم باسم الواقعية والمرحلة !!!. ولا زالت دماء شعبنا ورقة رابحة بيد الناخب الإسرائيلي .

والنخب الفلسطينية تنقسم إلى قسمين : قسم محنط وآخر منحط  كاذب مارق ، نُخب كالشجر الأخضر الذي يتسلق الجدران ،  منظره جميل وطعمه مر ، يعيش بداخله  الحرادين والسحالي والجرذان ... 

وأضحوكة المستقلين : فهم من رجال المال والأعمال ، والذين هم في كل قفص يصيحون ، وعلى أنفسهم منقسمين ، ولا يهمهم إلا مصالحهم  " إلا من رحم ربي وقليل ما هم" .

وأكذوبة الكُتاب والمفكرين والمثقفين والشخصيات الاعتبارية : الذين يجيدون الفن والتمثيل والشتم ، بل تشم منهم رائحة الحقد والإقصاء ورفض الآخر ، فهم فتحاويون أمام فتح ، وهم حمساويون أمام حماس ، ويهود أمام اليهود ، وبحكم شيخوختي اعرفهم جيدا ..." إلا من رحم ربي وقليل ما هم" .

يا قادة الشعب الفلسطيني : هكذا يعيش شعبنا الفلسطيني على أيديكم ، أزمة يتلوها أزمة ، ولا تنتهي الأزمات ، ولا تنتهي المعاناة .   

يا قادة الشعب الفلسطيني : من الجهل أن نعلق أخطاء كل شيء على شماعة الاحتلال ، ومن السهل أن نجيد فلسفة التبرير والتعليل بامتياز ؛ لنبرر عجزنا وأخطاءنا . 

يا قادة الشعب الفلسطيني : إن سياسية تكميم الأفواه ، وقمع الحريات ، وضرب المقاومة ، والحرمان من الراتب ، وتكسير الأيدي والأرجل ، لربما تكون كلها شكلا من أشكال إنجازاتكم التي تحتاج إلى مزيد من تضخيم مواكبكم المارة بين الجياع ؛ لكي تزعجوهم بأبواق سياراتكم !.

يا قادة شعبنا الفلسطيني : لا يزال رغيف خبزنا رهن المانحين ، ولا يزال مشروعنا السياسي رهن الإرادة الأمريكية والرضى الصهيوني ... ولا أعلم حركة تحرر في التاريخ آلت إلى ما آلت إليه الحركة الفلسطينية ، والتي هي حتى الآن أعجز من أن تتفق حول نظام سياسي موحد يحقق لشعبها أهدافه . ولا أعلم أن ثمة حركة تحرير في العالم تحولت إلى عبء على شعبها إلا حركتنا الفلسطينية بكافة قواها وفصائلها وبدون استثناء ... والحمد لله فنحن نتمتع بالخير الكثير فبدلا من رئيس واحد للوزراء هناك رئيسين ، وبدلا من وزير لكل وزارة يوجد وزيرين ، وبدلا من مدير مديرين ، وبدلا من وكيل وكيلين ، وهكذا .. بل إن هناك مسميات أوجدها قادتنا فقط للمناكفات الداخلية فيما بينهم مع الأسف ، مثل السلطات التي حملت نفس مسمى الوزارات كسلطة الطاقة  ، وسلطة المياه ، وسلطة كذا وكذا وكذا ، وأصبح للمواطن جوازين سفر بدلا من جواز واحد ... مزيدا من النعم والخير الكثير والحمد لله !! ، ومع ذلك كله لا زلنا نمشي القهقري ، وقد أزعجتنا أصوات القعقة والجعجة والفرقعة ولم نر قمحا ولا طحينا  ، ينطبق علينا المثل القائل : كالذي صام وأفطر على بصلة مصننة – أي عفنة – فلا زال الجريح يعاني ، ولا زالت أسر الشهداء تجني ثمار الحنظل المر ، حتى المحررين من السجناء يعانون ، وليس ما حدث مؤخرا في رام الله عنا ببعيد . وهذه صور احتجاجات مؤسسة رعاية أسر الشهداء والجرحى شاهدة عليكم ، فأكثر من ألف أسرة يعتصمون اليوم "حتى تاريخه" احتجاجا على عدم صرف رواتب لهم ، وما منكم إلا الوعود والمسكنات فقط ، فهل تشعرون بمعاناة من قدموا فلذات أكبادهم من أجل كراسيكم ، ومن اجل استمرار قيادتكم ، وانتم تسكنون في القصور ! وتجلسون في المكاتب الفاخرة ! تهزون الأرداف والأكتاف ! وكأن تلك الأسر وهؤلاء الشهداء يتبعون الماوماو أو كوكب المريخ ، أم أنكم تشعرون بالعظمة وهم يتسولون منكم رمق الحياة وقوت أطفالهم منذ سنوات ، فمن الذي يضرب هنا مقومات صمود المواطن الفلسطيني ؟ ألستم انتم بأنفسكم يا معشر القادة ؟ ثم تتغنون بأدبياتكم فتقولون على سبيل المثال لا الحصر : لبيك يا جبال .. اسمعي يا جبال .. واشهدي يا أرض جدودي .. يا وطني يا غالي لبيك يا أرض جدودي ، قسما أنكم تضحكون على شعبكم ، ألستم تتغنون دائما بأنكم الديمقراطيون .. إذن لا بد من الاستماع إلينا حتى ولو كنا نحن مخطئين ولا أعتقد ذلك ...

يا قادة شعبنا الفلسطيني : إسرائيل لن تعطيكم شيئا على طبق من ذهب ، ولن تمنحكم نصرا مجانيا ، لقد أخطأتم القراءة السياسية مرات متعاقبة فماذا بعد ؟. وبأمانة وبشفافية هل وفرتم بحق مقومات الصمود لشعبكم ؟ ، لقد حطمتم تلك المقومات بأيديكم وسوء قراءتكم ، وما أكثر الأمثلة على ذلك لكل متابع منصف أمين ؟ وهل تعلمون أن الألوف من شباب غزة يتمنون الهجرة والرحيل وترك الوطن يأسا منكم  وبسببكم ؟.

يا قادة الشعب الفلسطيني : ما شاء الله عليكم وانتم أمام شاشات التلفزة بالحُلل وربطات الأعناق ، وأُعيذكم بالله من شر عين كل حاسد ، وأنتم داخل اجتماعاتكم وسهراتكم ولقاءاتكم وتنظيركم ومحاضراتكم ، فأنتم حينئذ تبدون أربابا للفكر ، وآلهة للتنظير ، وفلاسفة في الطرح ، ولكن مع الأسف أمام الواقع المر فالنتيجة صفرا ... فإذا كانت لا تجمعنا الدماء والأشلاء فعلى الوطن السلام ، ولتكمل دولة الاحتلال تطوير منظوماتها التسليحية ، لدرجة أن جندت الفئران في المعركة القادمة ، ولمن لا يصدق ذلك فعليه البحث في محرك جوجل ليتأكد بنفسه ، ولعله يجد اسم دولة فلسطين على الخارطة !! ، ولننتظر إلى أن تقاتلنا إسرائيل بآليات من دون استخدام بشري– إلا عن بعد -  مثل عربة جيب "همر" المطورة كما يجري الآن على حدود غزة !!!.  

ربما تكون عباراتي قاسية ومؤلمة للبعض ؛ لأني أكتب بحرقة وألم ومرارة ، أدعوكم إلى قراءة الواقع بدقة وأمانة ، بعيدا عن التقارير التي تُرفع إلى معاليكم ، وجنابكم ، وسيادتكم ، وفخامتكم ، وحضراتكم ، اذهبوا وابحثوا عن المهمشين الصامتين بين الأزقة والحارات ، واسمعوا أصوات الأنين والضجر والألم .... منكم وبسببكم ، أولئك الشرفاء المساكين الذين ترددتم على بيوتهم مرات كثيرة ، من خلال لجان دعاياتكم الانتخابية في موعدها ، رافعين أجمل الشعارات البراقة الكاذبة والمخادعة ؛ لكي ينتخبوكم والنتيجة لسان حالكم يقول : طز فيكم أيها الصامتون والمهمشون – اعتذر عن اللفظ – فلا مانع من وقوفكم طويلا أمام مؤسسات البطالة – العمل المؤقت – فلا يهمنا معاناتكم ومعاناة أسركم وأطفالكم ، وما يهمنا هو صوتكم فقط  .

إن لغزة وضعا استثنائيا خاصا وفريدا من نوعه على مستوى العالم  وربما التاريخ  ، ينبغي اعتباره ، وليس معنى هذا أن تستمر المعاناة وإن تشابهت الظروف بشكل عام مع كثير من دول العالم ، ولا وجه شبه بين خصوصية شعبنا في قطاع غزة وبين شعوب العالم من حيث صراع القادة ، والحصار ، والاحتلال ، والتشابك ، والتعقيد ، فإلى متى الصمت ؟ وإلى متى اللامبالاة ؟ وإلى متى العذاب ؟ وهل من مجيب ؟ أم أن الإجابة ستكون هي عقاب صاحب هذا المقال !؟.  

إذن ما الحل  ، وما السبيل ؟ ، فالمستقبل مظلم ، ومخطئ من يراهن على حركة الجماهير من أجل التغيير حاليا أو في المستقبل المنظور ، بل مخطئ كل من يراهن على أحد من قادتنا ...!.

ربما يفهم البعض من السطحيين والجهلاء ، من أولئك المفرغين فكريا وسياسيا وثقافيا ، والذين لا يجيدون إلا النباح والعواء ؛ ليعبروا عن مزيد من الغباء ، فأولئك هم الذين أوصلونا إلى ما وصلنا إليه ، ربما يفهمون أن كلامي هذا إحباط وتيئيس ، وأنه يصب في مصلحة الاحتلال ، هكذا نحن ماهرون جدا في كيل الاتهامات والشتائم ، بدلا من مقارعة الحجة بالحجة ، والحقيقة بالحقيقة ، والدليل بالدليل ؛ لنجدد تأكيد عجزنا ، وفقرنا السياسي والمعرفي ..

إن عجلة التاريخ أقوى من أن يوقفها أحد مهما علا شأنه ، وإن التاريخ لا يرحم أحدا لم يرحم شعبه ، فلم أسمع أحدا يذكر اللواء موسى عرفات ، ولا غازي الجبالي بكلمة خير واحدة ، وغيرهم كثيرين ، وأين اليوم القذافي ، ومبارك ، وزين العابدين ، وعلى اليمن ، وأين شاوشيسكو ، وستالين ، وهتلر ، لقد ذهبوا وبقيت شعوبهم .

يا قادة الشعب الفلسطيني : لا مفر أمامكم إلا أن تتفقوا فيما بينكم ، وترحموا شعبكم ، وإلا فالقادم أسوأ ، وإن غدا لناظره لقريب ... أكرر أنكم ناضلتم وقدمتم التضحيات ولكن قراءاتكم كانت خاطئة ، فهل ستقرؤون قراءة خاطئة من جديد ؟.

يا قادة الشعب الفلسطيني : افتحوا الأبواب أمام العقول المهمشة ، والمخفية ، المدفونة الخاملة ، لعلكم تستفيدون من خبراتها ومعرفتها ، فالمعرفة كالهواء ، والحكمة ضالة المؤمن أنَّى وحدها فهو أحق بها وأهلها ، فالصواب ليس حكرا عليكم ، والحقيقة ليست ملكا لوحدكم ، وربما التمستم الحكمة من أفواه المجانين – كما يُقال- وهل الحكيم مجنونا إلا في عقول المُغلقين ؟ . ألم يضع الله سره في أضعف خلقه !!؟ ، وإياكم من المتسلقين فهم العرب الصهاينة بلباس وطني خادع ، وما أكثرهم اليوم !! .