جراح بريطاني: لم افتح صدورا في حياتي مثلما فعلت في سورية..

جراح بريطاني:

لم افتح صدورا في حياتي مثلما فعلت في سورية..

النظام يستهدف المستشفيات وعائلات الاطباء

إبراهيم درويش

الناطق باسم وحدة العمل الوطني لكرد سورية، المشرف على موقع

syriakurds.com

[email protected]

لندن ـ ‘القدس العربي’ اتهم جراح بريطاني معروف الحكومة السورية باستهداف الاطباء والمؤسسات الصحية والعاملين فيها، وقال ان القناصة يتعمدون قنص النساء الحوامل كرياضة يتنافسون فيها بينهم. ودعا الى انشاء ممرات انسانية بينسورية ودول الجوار معها لدعم النظام الصحي والمستشفيات التي خسرت الالاف من اطبائها وتتناقص المواد الطبية اللازمة لانقاذ الارواح بشكل سريع. 

وكان الدكتور ديفيد نوط قد عاد الاسبوع الماضي من زيارة له الى شمال سورية حيث قضى هناك ستة اسابيع. وقال ان المواد الطبية اللازمة تتعرض لهجمات من الفصائل الاسلامية المسلحة التي تعطل وصولها الى المستشفيات الميدانية والعيادات الصحية. 

وقال نوط ان هذه الجماعات تعيش حربا مع الجيش ومقاتلي الجيش الحر. وقالت صحيفة ‘اندبندنت اون صاندي’ ان نوط وهو جراح له خبرة في مناطق الحروب وعمل سابقا في افغانستان والبوسنة والعراق وكان يعمل 18 ساعة في مستشفى ميداني لا يبعد سوى كيلومتر واحد عن جبهات القتال وفي المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة. 

وقال ان معظم الحالات التي كانت تصل الى المستشفى هي من المدنيين الذين اصابهم رصاص الجيش وقناصته وعلق قائلا ‘لم يبق الكثير من الاطباء في ذلك الجزء من البلاد، وهناك قلة من الاطباء المتبقين ممن تلقوا تدريبا على ممارسة الجراحة و’لهذا السبب يموت الكثير من الجرحى لعدم قدرة الاطباء على التعامل مع الحالة ووقف النزيف’. 

وقال نوط ان المستشفى الذي عمل فيه كان يفتقد لابسط الاشياء ‘ فلم تكن هناك قبعة او قناع للجراح كي يلبسه، وهم بحاجة الى مواد كثيرة لانها في تناقص دائم.

صعوبة نقل المواد الطبية

ويعتبر ايصال المواد الطبية امرا صعبا، وهناك حاجة الى ممرات انسانية تقوم بانشائها الامم المتحدة او الحكومة البريطانية، فنحن كما يقول ‘بحاجة الى ممر انساني تمر عبر المساعدات الانسانية’. 

وتقول الصحيفة ان دعوات الدكتور نوط جاءت في ضوء حالة الاحباط التي اصابت منظمات الاغاثة الانسانية من المجتمع الدولي الذي اتهمته بعدم القيام بما هو لازم للتصدي للازمة الانسانية التي تواجه ملايين السوريين، وتتهم هذه الجماعات المجتمع الدولي بالتركيز اكثر على تدمير الترسانة الكيماوية للنظام السوري وتنفيذ الاتفاق الامريكي- الروسي.

ونقلت الصحيفة ما قاله مدير الابحاث في منظمة اطباء بلا حدود من ان ‘ السكان بحاجة الى دعم من الخارج.. ولم يغير الاتفاق في مجلس الامن (حول الاسلحة الكيماوية) اي شيء’، وكان الدكتور جين هارفي برادول قد عاد من سورية قبل اسبوعين حيث قال ‘لم يتم دعم الاتفاق الذي تم بأي خطوات صلبة لها علاقة بالسكان.. ولم يتغير اي شيء.. ومن المثير للدهشة هو ارتياح المجتمع الدولي للاتفاق الكيماوي لكن لم يحدث اي تغيير مهم على حياة المدنيين، فنحن بحاجة لوضع نكون فيه قادرين على ارسال قوافل للمناطق التي يتعرض فيها السكان للهجمات، ومع ذلك فهذا يبدو في الوقت الحالي حلما’. 

وبالاضافة للمصاعب التي يعاني منها العاملون في مجال الاغاثة الطبية والانسانية تعرضهم للاختطاف من الجماعات المسلحة، ففي الاسبوع الماضي تم اختطاف ستة من عمال الصليب الاحمر مع متطوع اخر من الهلال الاحمر السوري في بلدة سراقب قرب في محافظة ادلب وقد تم الافراج عن ثلاثة فيما لا يزال البقية رهن الاختطاف، وقد اظهر الحادث المخاطر التي يتعرض لها العاملون المدنيون في محاور الحرب. وبدا هذا واضحا من الطريقة التي دخل فيها نوط الى سورية، حيث اختبأ في سيارة عندما وصلوا نقطة تفتيش يشرف عليها مقاتلون من الدولة الاسلامية في العراق والشام ‘داعش’. 

وقال ان ‘المشكلة تكمن في وقف داعش لايصال المساعدات’، مضيفا ‘هناك صعوبة في الدخول والخروج، وان لم يشعروا بعدم الراحة تجاهك فاما يعتقلونك او يختطفونك’. 

وقال نوط ان العمال في الاغاثة الطبية والعيادات اصبحوا هدفا للنظام ‘فان تخلصت من الاغاثة الطبية فلا احد عندئذ يريد القتال لعدم وجود من سيعالجهم’. 

ووصف حالة مستشفى استهدفها النظام بقوله انها سويت بالتراب فيما ‘تم استهداف المستشفى الذي كنت اعمل بصواريخ سكود، انهم يحاولون تفجير كل المستشفيات، ولدينا سائقون يصلون بسيارات الاسعاف وعليها اثار الرصاص، ولدى النظام مخبرون وفي حالة تعرفهم على وجود اطباء فانهم يخبرون عن عائلاتهم التي تتعرض للاعتقال او يقوم النظام بعمل شيء وحشي ضدها’.

دعوات اخرى

وتقول الصحيفة ان منظمة الاغاثة السورية ومنظمة الاغاثة الاسلامية في بريطانيا دعمتا ما قاله الدكتور نوط، ونقلت عن مارتن كوتينغهام من الاغاثة الاسلامية قوله ‘ندعو منذ فترة ليست بالقصيرة لانشاء ممرات انسانية’. 

وتشير الاحصائيات الى مغادرة اكثر من 15 الف طبيب سوري بلادهم منذ بداية الازمة. وفي الوقت الحالي هناك طبيب واحد لكل 70 الف شخص. 

ويحذر عمال الاغاثة من مشاكل نقص الاغذية والجوع مع حلول فصل الشتاء الذي عادة ما يكون قارسا في مناطق الشمال السوري. ومن هنا فالممرات الانسانية ضرورية لايصال المواد الغذائية للمناطق البعيدة والتي يصعب الوصول اليها. 

ويدعو عمال الاغاثة الى ممرات انسانية يقوم تحالف من الدول المستعدة بانشائها بالتعاون مع الامم المتحدة. وكانت فرنسا قد دعت الى مثل هذه الخطوة العام الماضي الا انها فشلت لحاجتها الى دعم عسكري كي تنجح. ويقول نوط الذي عاد للعمل في لندن الاسبوع الماضي انه يشعر بالارتياح لزيارته وانه قام بتعليم وتدريب الاطباء على اساليب مثل لقط الاوعية الدموية وقطب ثقوب في القلب، اساليب يمكن ان تنقذ حياة مريض اصابته رصاصة. 

ويقول نوط انه لم يقم باجراء عمليات جراحية وفتح صدر مثلما فعل اثناء اقامته لان هناك الكثير من الجرحى الذين اصيبوا بصدورهم. 

و’كان الجرحى ينزفون حتى الموت بسبب عدم تدريب الجراحين هناك على اهمية فتح الصدر كي يتم السيطرة على النزيف في الرئة او القلب او الاوعية الدموية’. 

واكد انه تلقى رسائل من الاطباء هناك قالوا فيها انهم فعلوا بالضبط كما دربهم وهذا مدعاة لسروره. وفي تصريحات اخرى وصف نوط الحالات التي كان يعالجها بانها تعبر عن لعبة كان يمارسها القناصة، حيث كان هناك جرحى في الصدر او الرقبة واحيانا الفخذ. مشيرا ان بعض القناصة كانوا يحصلون على علب سجائر كمكافآت لهم على ضرب الاهداف الصحيحة. 

وقد تحدث نوط الى راديو -4 يوم السبت قائلا انه عالج في يوم ست نساء حوامل كلهن استهدفهن القناصة، وفي اليوم التالي تم استهداف اثنتين، تم انقاذهما لكن الجنينين في داخلهما ماتا. ورفض نوط تحديد مكان المستشفى الميداني الذي كان يعمل فيه، ولا الطرف الذي كان يقوم باطلاق النار لكنه اكد انه من الجانب الحكومي. وما قام به الدكتور نوط هو جزء صغير مما يحتاجه السوريون حيث تقدر الامم المتحدة ان هناك اربعة ملايين سوري بحاجة الى مساعدات عاجلة.

ويقول المدير التنفيذي لمنظمة ‘انقذوا الاطفال’ جاستين فورسايث انه مع اقتراب فصل الشتاء فالجوع سيزداد ‘ونحن بحاجة للوصول الى المناطق في سورية في غضون اسابيع او اشهر’. 

وفي الوقت الحالي تقوم منظمة الهلال الاحمر السوري بتوزيع المواد الغذائية لكن كما تقول متحدثة باسم برنامج الغذاء العالمي فان توزيع المواد الغذائية عادة ما يتعرض للتوقف بسبب المخاطر الامنية ونقاط التفتيش، واستمرار تغير خطوط السيطرة على المناطق بين المقاتلين والحكومة. 

وتصل المواد الغذائية عادة عبر الحدود اللبنانية او ميناء اللاذقية لكن القوافل تتعرض للتفتيش والتوقف في اي اكثر من منطقة وفي حالات يتم الهجوم عليها ونهبها. ويتساءل التقرير ان كانت الممرات الانسانية ستنجح في تخفيف الكارثة الانسانية السورية. 

وتنقل عن النائب في البرلمان بروكس نيومارك قوله ان المبادرة يجب ان تأتي من الحكومة السورية او عبر تفويض دولي يسمح بممرات آمنة تمر عبرها المنظمات الانسانية العاملة في سورية. 

وقال ان اية محاولة لانشاء ممرات انسانية بدون موافقة الحكومة السورية سيكون خطيرا لانه اي دولة لن تعرض جنودها للخطر، وقال ان الروس عليهم واجب اخلاقي للضغط على النظام السوري كي يسمح بانشاء هذه الممرات. 

وتنقل عن كريس دويل من منظمة التفاهم العربي ـ البريطاني قوله ان الممرات الانسانية بحاجة الى من يحميها ومع ذلك لا احد مستعدا لارسال قوات او فكر اين سيتم انشاء هذه الممرات. ويرى لورد بادي اشاداون، زعيم الليبراليين الاحرار والذي عمل سابقا في البوسنة، ان الممرات الانسانية فكرة جيدة لكن من ‘سيحميها’. 

وحذرت منظمة الصحة العالمية من مخاطر انتشار حالات شلل الاطفال او ‘بوليو’ حيث سجلت حالات في منطقة دير الزور.

تدمير الكيماوي لا يحل الازمة

وخصصت الصحيفة افتتاحيتها لموضوع الممرات الانسانية داعية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كي يمارس الضغط على النظام التابع له. وذكرت الصحيفة بما قاله ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني الذي قال ان بريطانيا ستظل مشغولة بهم المساعدة الانسانية ويجب ان لا يفهم احد ان تدمير الترسانة الكيماوية السورية يعني ان الازمة قد ‘حلت’. 

وترى مع ذلك ان هناك نوعا من تراجع في ضغط الرأي العام العالمي. فعمليات تدمير الاسلحة الكيماوية جار في الوقت الذي تستمر فيه الحرب والتي ترسل يوميا الالاف من اللاجئين الى لبنان والاردن وتركيا والعراق. 

واشارت الى تصريحات ديفيد نوط ‘جراح انديانا جونز (في اشارة الى سلسلة الافلام الشهيرة) والذي قالت انه قاد فريقا من الاطباء الى سورية. 

واتهم النظام السوري بانه يقوم عبر قناصته باستهداف النساء الحوامل، حيث يقوم القناصة بممارسة هذا الفعل كرياضة وتسابق بينهم. وكان نوط قد وصف تجربته في سورية بانها ‘جهنم ما بعدها جهنم’.

يقظة الضمير

وعبرت عن املها في ان تؤدي تصريحات نوط الى ايقاظ الضمير العالمي وان تجدد الجهود الدبلوماسية. مضيفة الى ان الاحتجاج غير العادي الذي قامت به السعودية، برفضها مقعدا في مجلس الامن قد يؤدي الى زيادة هذه الضغوط. خاصة ان السعودية قد اتهمت الامم المتحدة من بين عدة اشياء بالازدواجية في المعايير وانها تسمح لبشار الاسد بقتل شعبه مستخدما السلاح الكيماوي وبدون ان تقوم اي الامم المتحدة باتخاذ اجراءات لردعه او عقابه. وقالت ان الحكومة البريطانية اعلنت عن مشاركة لها في مواجهة الازمة الانسانية حيث اعلن جاستين غرينينغ، وزير التنمية والتطوير الدولي عن 12 مليون جنيه استرليني لمساعدة الحكومة الاردنية كي توفر المساعدات للاجئين السوريين. ومع ذلك فهناك حاجة لجهود انسانية اكثر. 

واشارت الصحيفة الى اقتراح نوط بانشاء معابر انسانية، متسائلة الم يحن الوقت كي تقوم الحكومة الروسية بتحويل بلاغتها حول المساعدات الانسانية الى واقع خاصة ان مفتشي الاسلحة الكيماوية يقومون بعملهم داخل سورية. 

وتقول ان الحكومة الروسية تظل الداعم الخارجي الاكبر لنظام الاسد، فيما تتطلع ايران لتحسين علاقاتها مع امريكاوالغرب. بوتين يمكنه دفع حليفه السوري للالتزام بالقانون الدولي. 

ولهذا تأمل الصحيفة ان يؤدي الغضب الدولي بسبب ما كشفه نوط من استهداف النظام السوري للاطباء الى ان ينتج فعلا من روسيا.