حالنا لا يسرّ ...

عقاب يحيى

كثير ظواهر الخلافات الحالية طبيعية من جهة، ونتاجية من جهة أخرى..

ـ إن تعقد الوضع السوري ودخول قوى كثيرة على خطه، وطول مدة المجابهة الدموية دون وجود أفق قريب للنصر.. وطبيعة العمل العسكري وما احتواه من تداخلات.. وخلفيات.. وواقع المعارضة وأشكالها، والدور الدولي ومناقلاته..إلخ، جميعها عوامل موضوعية لتوليد المزيد من الرؤى والمواقف والتباينات، وحين نضيف إليها العوامل الذاتية : الحزبوية والدينية والمذهبية والقومية والأنا الخاصة المتضخمة ، بشكل عام.. يمكننا أن نستوعب هذه الظاهرات التي باتت عنوان الفترة الأخيرة..ومجلبة لانهيار جميع المؤسسات، وسيادة ما يخطط له النظام منذ البداية : سقوط المعارضة من خلالها، أو عبر حوافها، والمحسوبين على الثورة وتعميم الفوضى.. والتنازع، والاقتتال البيني...

ـ وهناك خلافات نتجت عن التطورات الأخيرة.. خاصة بعد الاتفاق الروسي الأمريكي الذي قطع الرهانات على تدخل خارجي ـ كما اعتقد البعض ـ ومنح النظام أوراقاً كثيرة جديدة، وأدخل إيران طرفاً .. ومارس ويمارس ضغطاً كثيفا على المعارضة لتكريس الحل السياسي المُبهم سبيلاً وحيداً، ووضع جنيف هدفاً دون أي بلورات لماهيته، وهدفه ومضامينه، خاصة ما يتعلق بالحدود الدنيا لاشتراطات السوريين الثائرين.. بأن لا يكون القاتل وكبار مجرميه جزءاً من العملية السياسية بشكل قاطع، ومبلور.. وبما فتح النيران على الإئتلاف بقوة، وتصويره ـ من خلال بعض التصريحات المرتجلة، وبعض اللبس الذي حصل ـ وكأنه عقد العزم وقرر الحضور دون أي شرط.. فخرجت الدعوات المتتالية ضده.. وهناك من كان ينتظر هذه الفرصة كي يوظفها في مشروعه الخاص الذي يحضّر له من وقت ليس بالقصير..وانهالت الاتهامات من العيار الثقيل، بينما حال الإئتلاف كالطابس في شرنقة لا يعرف طبيعتها، ولا وسائل الخروج منها، فيردّ بمزيد من التراشق، وباستفراد البعض بالقرار والحركة والأموال..وسط حمأة ردود الفعل التي تشجع مناخات الفرقة والخندقة.. وإصدار الأحكام بالجملة .

ـ لا شكّ أن الإئتلاف قصّر، وأخطأ كثيراً في عديد الأمور الرئيسة التي أنيطت به، والتي هي أهم من جميع الأنشطة الخارجية، والظهور الإعلامي، ورشّ بعض الأموال هنا وهناك، وأعني بها تأسيساً : التواصل مع الداخل، والمأسسة، وإشراك الجميع بحمل العبء وفق آليات نظامية لا تخضع للحسابات الفردية، والمحوَرة، والاستقطاب الحاصل، حين يصبح من ليس معي عدوي، وحين يبتعد عن تحديد السمت الرئيس، وإقرار رؤيته السياسية بشكل جماعي، وكذا قراراته المصيرية، ولم يتمكن من حمل العبء الرئيس لأسباب ذاتية متداخلة مع تلك الخارجية التي تحجب عنه وسائل الدعم في مختلف المجالات، ووضعه في فوهة المدافع دون أن يملك طلقات، أو قدرات يردّ فيها.. تماماً كبيت الشعر :

 وألقوه في الماء مكتوفاً   وقالوا إياك إياك من البلل

والبلل يتحول إلى غرق حين لا يقدر الإئتلاف على معالجة أموره عبر التفعيل والمأسسة وإشراك الجميع.. وتكثر الخلافات التي تولّد غيرها ليعم جو التشكيك والاتهام، والمناقرة، وكلّ يرمي المسؤولية على الآخر.. والنتيجة : مزيداً من الأزمات.. والتنتيف والضعف..

ـ والنتيجة : هذا الوضع الذي نشهده في الشهر الأخير، وتتالي بيانات الانفضاض وإعلان البراءة، ومحاولة البعض التسابق على ركوب الموجة، واتخاذ قرارات مصابة برد الفعل الشعبوي، وبالنزق الواضح.. وتقوية روح" الضرّة" والمناكفة.. وصولاً إلى ما نحن فيه من حال خطير..

ـ لقد دعوت، وما زلت موقناً أن المدخل الطبيعي، أو الرهان الأقوى الذي يمكن أن يكون مخرج أوضاعنا.. بدعوة السوريين إلى مؤتمر وطني جامع يتحملون فيه مسؤولية الثورة والبلد.. مؤتمر لا يستثني أحداً من القوى المعارضة والثورية والمقاتلة عبر لجنة تحضيرية تتوفر فيها القدرات والاتجاهات الضرورية ..وبواقع ممثل واحد لكل مكون واتجاه وتشكيل..