الردة الأخلاقية الأسباب والحل

عزة مختار

[email protected]

مما تعجب له النفس وتقف طويلا هو تلك المتناقضات الإنسانية التي يمر بها المجتمع المصري والدولي علي السواء تجاه قضية الحريات في العالم المسمي بالثالث .

قد نتفهم موقف البعض مما يحدث بأنها معركة المصالح الخاصة لكن ما هو مبرر الآخر تجاه نفس القضية باتخاذ نفس الموقف تجاهها

ردة أخلاقية خطيرة يمر بها المجتمع المصري منذ تم التخطيط للانقلاب علي شرعية اختيار الشعب ، ردة هبطت بالذوق العام إلي أدني مستوياته ، لنجد أنه لم يعد هناك احتراما من صغير لكبير أو تقديسا لحرمة عرض أو أرض بعدما انتهك الإنقلابيون كل الحرمات حتى حرمة النفس الإنسانية بما فيها الدماء ، وكأن جملة الأخلاق الفاضلة أصبحت عيبا أو تعبيرا عن الضعف .

ورسخ لتلك الردة إعلام فاسد كاذب ، وانقلاب قام بأكبر عملية سطو في التاريخ حين أقدم علي السطو علي إرادة أمة دفعت ثمن تلك الإرادة  بدماء أطهر الشباب ، وجهاز شرطة تحالفت مع البلطجة لهزيمة كل ما يمت للقانون الإنساني بصلة ، وقضاء مزور منوط به نشر العدل بين الناس بينما هو يرسخ لمبدأ الرشوة والتزوير وتشويه تعريف القانون بما يتناسب ومصالحهم الخاصة

تري ، هل تلك هي المرة الأولي التي ينقسم فيها الشعب المصري بهذا الشكل المهين والمجحف إنسانيا لبعض أطراف الشعب لمجرد تبنيهم لمنهج معين أو فكرة يؤمنون بها ؟ حقيقة لم أجدها هي المرة الأولي فقد فعلها الفرعون من قبل حين جعل مصر شيعا " وجعل أهلها شيعا " أي أحزابا وجماعات ، قسم الشغب الواحد شعبين ، قاتل ومقتول ، شامت وجريح ، حر يمارس حريته خلف قضبان الاعتقال وعبد خارجها يلعق بيادات العسكر ، قسم الشعب لشعبين أحدهما يدفع ثمن الحرية من دمائه لكلاهما والآخر يتهم الأول بالإرهاب والعمالة والخيانة

أحدهما يدفع الثمن كاملا في سبيل الكرامة والأخر ينعم بالعبودية ويريد إجبار الأول عليها وإلا فهو خارج عن السرب

امتد الأمر ليصل لأفراد الأسرة الواحدة ، والشارع الواحد ، ومرتادي المسجد الواحد ، لتصير عداوة يغلفها الدم الذي ما زال يقطر من ربوع رابعة والنهضة وسائر ميادين مصر .

نعلم أن  هناك المصالح التي تدفع أصحابها للحفاظ علي ذلك الجو المشحون من الغضب والعداء المتأجج ، فهناك دوما فسدة كل عصر الذين تقوتوا علي مخلفات كرامة الشعوب ، حتى ذلك الطرف الخارجي المستفيد الأول من عمالة أي نظام من الطبيعي أن يكون حاضرا في المشهد ومؤثرا فيه إلي حد ما تبعا لمصالحه مع الأنظمة القائمة

لكن ما يحيرنا حقا هم هؤلاء المضارين من ذلك الانقسام البشع الذي لا يتكرر إلا في مثل هذه الفترات في التاريخ ، فترات الضعف والهوان والبيع والعمالة .

كيف لتلك الفئة التي وصفها الإسلام بأنهم يبيعون آخرتهم بدنيا غيرهم ، فلا هم كسبوا دنيا ولا آخرة ، تلك هي الفئة التي تحيرنا حقا إذ كيف يؤازر من يقتل ومن يسرق ومن يهدر كل خير ثم هو لا يحصل علي ادني مقابل في حين أن كل جرائمهم هي في سبيل من أحسن لهؤلاء الضعفاء دوما ، كيف يرتضون بإيذاء اليد التي طالما امتدت لهم بالخير دوما ، بل ربما يكونوا هم اليد التي يستخدمها الباطل في العصف والقصف بهم ؟ كيف يرتضي هؤلاء
أن يقوموا بهذا الدور الذي يضرهم ولا ينفعهم ، هل هي صفة متأصلة في تلك الفئة ؟ هل هي متلازمة لهم ؟ هل هم نوع من البشر موجودا في مثل تلك الظروف دوما ؟ لست ادري غير أنها ظاهرة مرتبطة أولا وأخيرا بوجود فرعون يكون همه الأول تقسيم الشعب وجعله شيعا كي يفوض ويشارك في القتل كما فعل الفرعون من قبل " وقال فرعون ذروني أقتل موسي "

لا حل للخروج من تلك الأزمة سوي بالقضاء علي أسبابها

فليرحل النظام الفاسد حتى ننقذ ما يمكن إنقاذه

وليسقط حكم الانقلابيين حتى يعود الإنسان في بلادنا إلي إنسانيته قبل فوات الأوان ......