الجهل المقدس والهجوم على قيادة جماهيرنا
مساهة في النقاش حول مقال جواد بولس
المحامي مفيد الحاج
في الفترة الأخيرة، تناقشت أنا ورفاق لي بشكل عام في مواضيع ومحاور مختلفة ترتبط بحالة وسطنا العربي والى أي مستوى وصلنا.
إن المعركة الانتخابية بنظري سوف تحرق الاخضر واليابس عدا انها تتميز بطابعها العشائري والحمائلي قل أيضا الطائفي، أراها مع كل السلبيات بأنها تتميز وبشكل مفضوح وغير مسبوق بالتجريحات الشخصية والتطاول على رموز وقاده لمجتمعنا.
لا نستغرب كيف صار الجهل في مجتمعنا مقدسا، فبالرغم من العولمة التي كان من المفروض أنها ستكفل تطور مجتمعنا حصل العكس، إن كل الحركات والفئات الأصولية المعاصرة من جميع الطوائف التي هي مركب اساس لشعبنا الفلسطيني اصبحت هذه الحركات تعادي كل ما هو متنور وثقافي وتبسط سيطرتها باستغلالها كل التقنيات المعلوماتية المستخدمة لنشر فلسفة الجهل.
قناعتي، وهكذا ايضا قناعة الرفاق الذين ناقشتهم، أن تلك الحركات الأصولية نجحت في تمزيق وتشتيت مجتمعنا وتقسيمه لقبائل وعشائر وطوائف بالضبط كما اراد الاحتلال لها ان تقوم بهذا الدور.
هؤلاء الحاقدين وجدوا تربه خصبه لتمرير مشروعهم "الجهل المقدس" بهجومهم الشرس على الرموز وقياداتنا الوطنية.
كلنا قرأنا المقالات والتعليقات التي تمثل هذه المدارس الأصولية بمعلميهم وتلاميذهم تحت حجة الرد على مقالة الأستاذ جواد بولس.
بعضهم استغل المقالة للتجريح الشخصي والتشفي المبطنين بنوايا خبيثة، فبالرغم من أن بعضهم يعرف ان ما قصده الاستاذ جواد في مقالته كان بمثابة ماده للدراسة، طرحت على شرف مؤتمر يعني بمشكله المسيحيين والربيع العربي، قضية من المفروض ان تناقشها القيادات الوطنية التي تمثل كل شرائح المجتمع من ضمنها المسيحيين.
أنا أعلم بأن طرح الأستاذ جواد بولس لم يأتِ كوجهة نظر مسبقة وانما كاقتراح للنقاش موجّه لقيادة الجماهير العربية، إلا ان الحاقدين ارادوها حربا. البعض أكد ان المقالة تعتبر ماده للدراسة ولكن كان له انتقاد مبطن، ظاهره ليس كجوهره، فتلك المقالات كانت اشاره لبداية معركه تستهدف الاستاذ الرمز جواد بولس ابو سري، وأما البعض الآخر وبالرغم من قناعتي انه يتغنى بالطائفية إلا أن مقالاتهم وتعليقاتهم كانت لتصفية حسابات قديمة وأقصد هنا التجمع وخاصة فرع الناصرة. فهم يعرفون بان الأستاذ جواد لا ينتمي لأي حزب لكن كان دوما من أشد منتقديهم، استغلّوا موقف الجبهويين في الناصرة، الذين كانت لهم اعتبارات انتخابيه بغض النظر من ان المقالة لا علاقه لها بالطائفية وبالفعل حصل ما كان متوقعًا.
بحسب "جهلهم المقدس" خطؤك يا أستاذ جواد انك كنت تنوي ان تثير النقاش لدى قيادة الجماهير العربية لتقييم التجربة الناجحة حتى الأن في رام الله وبيت لحم والتي في حينه قرر الشهيد الراحل ياسر عرفات ومن بعده فخامة الرئيس محمود عباس ابو مازن بتخصيص مكان مضمون لرئاسة بلديات بيت لحم ورام الله لشخصيات وطنية مسيحية، كما خصّصوا أيضا اماكن مضمونه في كل الاطر التمثيلية في منظمة التحرير وفي السلطة الفلسطينية وفي الحركات السياسية كحركة فتح متمثلة باللجنة المركزية والمجلس الثوري حتى امناء سر اقاليم خصصت لهم أماكن مضمونة, إن تلك القرارات بالأصل نابعه من التفهم العميق لقياده حكيمة لقيمة الحفاظ على الفسيفساء الاجتماعي وارادت القيادة لهم مشاركه فعاله وليس صدفة ان تجد اشخاصا مسيحيين يتبوأون مراكز ووظائف استشارية واعتبارية مرموقة وحتى حماس كانت شريك اساسي في الائتلاف ببلدية رام الله. كما قررت القيادة تخصيص أماكن للمقدسيين بغض النظر لأي طائفة ينتمون لضمان مشاركتهم في القرار السياسي المصيري كون القدس لها دلاله ووضع استراتيجي خاص.
نحن هنا في القدس شركاء وقريبين من الحدث ونلحظ أن جميع المناسبات الوطنية والنضالية لا تنجح الا اذا كانت مشاركة فيها كل الطوائف.
إذا لم أوفق بإقناع هؤلاء المتطاولين يكفيني أن شعبي الرازح تحت الاحتلال يوافق هذا الرأي لهذا ومن هذا المنطلق طرح الأستاذ جواد رأيه بمقالته لخصوصية الناصرة كأخت لبيت لحم وللقدس ورام الله. لكن، وبسبب الانتخابات للبلديات والمجالس المحلية، التي جسدت من خلالها في جميع البلدات وخاصة الناصرة العشائرية والحمائلية والطائفية مثل كل مره تحت ذريعة الديمقراطية فالغريب ان هؤلاء يحسبون ان لهم إمارة قد تحررت من الاحتلال يوم تحررت الجزائر وتنعم بالديمقراطية وآمنوا بمقولة المحتل انها تمثل الأغلبيه العددية.
ان الديمقراطية التي نعرفها نحن يا استاذ جواد عدا انها حكم الشعب انها تعني حرية فكر واعتقاد واما الأغلبيه العددية فهي ساحة الجدل السياسي بالمجالس التشريعيه التي تنتصر فقط بقوة الحجج والتشريع، وهنا ليسمح لي أستاذي ابن بلدي لأقتبس مقوله له قرأتها في احدي تعليقاته وصف فيها علاقة الديمقراطيه بمجتمعنا العربي كالطائرة التي تبحث عن مهبط ولكن نحن لم نستطع حتى الآن تجهيز هذا المهبط لتلك الطائرة.
أستاذي قرروا محاصرتك في حرية رأيك بدفاعك عن الأقليات التي تنتمي اليها انت متناسين ان من ثوابت الديمقراطية الحقة الدفاع عن حرية الفرد وفكره وحمايته من كل ظلم.
سجل أمامك يا رفيقي بانني كيفما نناضل معا دفاعا عن اسرانا في سجون الاحتلال سوف نناضل معا لكي نحافظ على بقاء كل فرد من شعبنا على أرضه ومتشبثا بها لا فرق لأي طائفه ينتمي واعاهدك اننا سنبقى نناضل لنشر قيم تقبّل واحترام الاخر وكنس التطرف والتعصب.
أستاذي أتألم لألمك من موقف رفاق لنا قرروا حجز مقاعد متأخرة ليشاهدوا اللعبة وهم غارقون في حساباتهم الانتخابية هناك، التي حتى لو انتصروا فيها فانهم سوف يخسرون المستقبل الذي بادر ببنائه سابقونا، ولكن ظني باننا لسنا اهل لكي نحمل الرسالة، وأما القسم الآخر من المفكرين الواعين والمسيسين فكريا وعقائديا اختاروا هذه المرة ان يتبعوا مقولة فولتير: "على المرء أن يكتفي بزراعة حديقته".