حدثني يا معبر رفح..
هنادي نصر الله
حدثني يا معبر رفح.. حدثني عن كل شيءٍ غيبته بوابتُك التي تُغلق وتُفتحُ بحُكمِ لاعبٍ يلعبُ بأناتِ أهلي هنا..
حدثني يا معبر رفح.. عن حكاية الوجعِ الذي لا تنتهي، مُدّني بأفكارٍ لا تنضبْ؛ علمني شيئًا من آلامكَ الثقال التي تهد الجبال فكيفَ بكاهل الناس؟..
حدثني يا معبر رفح.. عن جدةٍ ضاقتْ بها السبل؛ عن أمٍ تشتاقُ لإبنها، عن عروسٍ بكتْ دمًا على عريسها الذي لم تلتقيه؛ حدثني عن أناسٍ فرقتَهم؛ زدتَهم مرضًا، أضفتَ إلى معاناتهم كل أسماءِ العذاب..
حدثني يا معبر رفح.. عن مشاريعَ تعطلتْ، عن أحلامِ طلبةٍ تأجلتْ، حدثني عن دموعٍ هطلتْ؛ فنافستْ الشتاء بهطولها طول السنة..
حدثني يا معبر رفح.. أراكَ تحملُ من الوجعِ الكثير؛ فهل منحتني شيئًا منه؛ لأمنحه لفقراء الإنسانيةِ علهم يتألمونْ؟
حدثني يا معبر رفح.. ما الذي جَدّ لبوابتكِ كي تتنكر لأنين المريض، وحلم المسكين، وأمل رجلٍ طموحٍ، وقاعدٍ طاعنٍ في السنِ يحنُ لجمعِ شمله قبل موته..
حدثني يا معبر رفح.. سأنصتُ إلى كل الوجعْ، لن أمل، لن أشتكي، لن أيأسْ، فقد أصبحتْ لدي مناعةٌ ضد الأحزان؛ فحزني لن يدوم؛ بل سأُفجره بلسمًا يُعطر أحلام الحيارى؛ سأقولُ لهم" لا تفقدوا الأمل؛ مستقبلكم لن يضيع، بوابة المعبر لن تبقى وإن طال الزمانُ بها هكذا، لن تتلاعب بكم كصبيةٍ طائشة، أو كمراهقٍ يعيشُ مزعزع الموافق"..
يا معبر رفح... تمرد على من أرادوك ورقةً يبتزون بها الإنسانيين هنا، لا تكنْ عنوان قيودهم، بل قُم بدورك وحررهم منها؛ يسرْ لهم درب الحرية، ولا تقبلْ على نفسك إلا أن تكون معبرًا لكل الإنسانيين وليس الفلسطينيين..
أفكارٌ كثيرةٌ زارتني وأنا في معبر رفح أتجول، قسمًا بربي يا معبر رفح لن أتحولْ عن موقفي في نصرةِ المُعَذّبين في الأرض، سأبقى أقولُ بلا هوادة ما قاله الشعراء قبلي"وظلم بني القربى أشد مضاضةً على النفس من وقع الحسام المهند"..
أو لعلني أرددُ ما قاله آخر" لو كان شوقي بيننا، لبكى بعينْ دامعة، ومحا سطورًا قالها في دنشوايٍ شائعة، ولقال جرمُ الأقربين سيوفُ ظلمٍ شارعة؛ نُوحي حمائم دنشوايٍ على آمالٍ ضائعة، وقولي عسى فرجًا يكونُ قريبًا لغزة الجائعة، المحاربة في لقمةِ عيشها من قبلِ دولٍ ضالعة؛ في حصارها وقهرها وخنقها هي خانعة"..
يا معبر رفح.. لم تعدْ في نظري مجرد " معبر" سأجتهدْ لأحولك بكلِ ما أوتيتُ من قوةٍ إلى معبرٍ للفرح، سأبقى أزوركَ كلما أغلقتَ بوابتكَ أو فتحتها جزئيًا، سأعاتبك دومًا " يا معبر، كنْ صاحب موقف، وافتحْ بوابتكَ يوميًا"...