عين لا ترى... وقلب لا يحزن!!

في مواجهة الظلم والإستبداد (5)

عين لا ترى... وقلب لا يحزن!!

م. وصفي قبها

من المؤسف والمؤلم أن  القيادات والرموز والكوادر أصبحت اليوم تكذب جهاراً نهاراً وعينك عينك، مثلهم مثل الجرائد الصفراء ما فيها خبر يتصدق، لذا فقد تقلص منسوب الصدق في الساحة الفلسطينية، وماتت الفصاحة، وقد أصبح غالب أحاديث الناس عن السطوة الأمنية ومصادرة الحريات وحول المواد الإستهلاكية والكماليات التي باتت عصية على الشراء لدى غالبية الشعب.

لن أكتشف شيئاً لم ينتبه له من قبل أحد، حيث أقول وبحسرة بأن القيادة قد خلقت لنا أهدافاً صغيرة وحرفت إنتباه الناس لأمورٍ لا علاقة لها بقضايا الشعب وهمومه الوطنية ... والمسألة ليست إنتصارات فردية وتنظيمية  وهمية يتم الحديث عنها وكأنها تحقيق لأهداف وطنية كبرى، أو كما يقول المثل " جايبين الذيب من ذيله "، والمسألة قد تكون للبعض الحصول على شقة أو شراء سيارة بالتقسيط أو الحصول على قرض للقيام بمشروع زواج أو شراء حاجة كمالية ليست من ضروريات الحياة ولكن اللهم إلا نزولاً عند رغبة الزوجة مجاراة لما قام بهذا الجار أو الصديق، حيث وبعض شهور قليلة يجد المواطن وتحديداً الموظف نفسه أمام الحقيقة المرة والمتمثلة بعدم مقدرته من الإيفاء بالأقساط والإستجابة لمتطلبات العائلة والمنزل الأساسية ... وقد يضطر الإبن أو البنت من تجميد التعليم الجامعي إلى حين ميسرة ... وفي الواقع فقد أتعبوا شعبنا ... أهلكوا هذا الشعب بهموم الحياة اليومية المعقدة التي تحتاج دائماً إلى وساطات أمنية لحل تفاصيلها العادية في مختلف المؤسسات حتى أنها طالت تدخلات بطريقة أو بأخرى في سياسات القطاع الخاص الأمر الذي حرم الأسرى المحررين من أبناء حماس من الحصول على وظيفة في القطاع الخاص أيضاً، الأمر الذي يُدمي قلب كل حر وشريف حيث يُلاحَق من طحنت رحى سجون الإحتلال سنوات شبابهم وزهرات أعمارهم في لقمة عيشهم وشربة حليب أطفالهم.

هؤلاء القادة والرموز والكوادر الذين إغتصبوا إستبدوا بكل مفاصل مؤسسات الشعب واغتصبوا قراره،   وبغالبيتهم  وكل حسب موقعه وصلاحياته لا يريدون الخير لهذا الشعب الذي يعاني ويلات ومرارات الإحتلال، ولا يريدون للشعب أيضاً أن يُفكر بأمور وأشياء لها علاقة بالوطن والقضية، وهنا تبرز الأسئلة الكبيرة برسم الانتماء الديني والوطني والأخلاقي، عن أيِّ مؤسسات يتحدثون ؟  وأيِّ حريات ينادون ؟  وأيِّ حياة يوفرون ؟ وبأيِّ إنجازات يفتخرون ؟ بل والأهم عن أيِّ وطن يفاوضون ولنا يسوقون ؟؟ في الوقت الذي أصبح همَّ المواطن قوت يومه !!! ومتى سينزل الراتب ؟  أما هم،  فهم يجهدون أنفسهم ، ولا يكلون ولا يملون عن محاولاتهم تحويل الشعب إلى مجتمعٍ من النمل تبحث عن قوت يومها، وجُحرٍ تختبىء فيه مع أولادها، وهذا أقصى ما تتمنى لا أكثر... لقد ضيَّقوا على الناس حتى أن الشريحة المؤهلة أكثر لشغل الوظائف العمومية قد حُرمت حتى من مجرد التنافس على هذه الوظيفة ؟ وكل ذلك بهيبة وبركة ما يسمى المسح الأمني الذي بات الحديث عن إلغاءه، أكذوبة من أكاذيب الكبار... لقد سالت دموعي وأنا اسمع أسير محرر أمضى أكثر من ثمانية عشر عاماً في عتمة السجن وخلف قضبان الإحتلال، وهو مهندس كيماوي، وقد ضاقت به السبل حتى أضطر للعمل في جمع الحطب ... وأضطر إبنه لترك مقاعد الدراسة الجامعية والبحث عن فرصة عمل لمساعدة والده في سد رمق الأسرة، وجريمته أنه أعتقل على خلفية نشاطات وفعاليات في إطار حركة "حماس"، لقد أوجعني وهو يتحدث عبر فضائية القدس وهو يقول ... بعد ثمانية عشر عاماً كانت المكافأة من القيادة ومن المسؤولين ومن المؤسسات بأن ألقيَّ بنا على قارعة الطريق حتى يلجئونا إلى التسول... وهو هنا يشير إلى قضية حساسة أعرف تفاصيلها منذ سنوات حتى وأنا أرسف في قيودي خلف القضبان ... بأن المؤسسات المعنية في شؤون الأسرى والمحررين قد أنصفت كل أسير محرر من فصائل منظمة التحرير ومن الذين أمضوا أكثر من خمسة عشر عاماً خلف القضبان  إلا المحررين من المحسوبين على حماس والجهاد الإسلامي، فلا يزالون يعانون الظلم والإستبداد والتمييز ... وقد تقدم ستة وثلاثون أسيراً منهم بإلتماس للرئاسة لتصنيفهم ومنحهم الدرجات أو الرتب التي يستحقونها أسوة بأسرى منظمة التحرير ووفقاً  لقانون الأسرى والمحررين واللوائح الناظمة له  لتوفير حياة كريمة للأسير المحرر ... وللحق أقول أن الرئيس قد وقع هذا الكتاب بعد طول إنتظار وتسويف من بطانته المحيطة به، ومن المؤسف أنه مضى أكثر من سنتين والكتاب لا زال حبراً على ورق، مما أضطر الأسرى للإجتماع مع الدكتور رامي الحمد الله وشرح حالتهم الإنسانية، بعد إن فقدوا الأمل من إجتماعات كثيرة مع الأستاذ عيسى قراقع والطاقم المختص من المؤسسة المعنية  ووعودات لا رصيد لها من المصداقية ... وحيث سئموا الوعود تلو الوعود، وكانت نتيجة الإجتماع مع الدكتور رامي وعود بتنفيذ القرار... وها هم مرة أخرى أمام وعود جديدة ... وأمام هذه الحادثة وهذه القضية من آلاف القضايا ... يبرز السؤال الذي أثاره الأسير المحرر عبر فضائية القدس، والموجه مباشرة إلى الرئاسة، من يُعطل إتخاذ القرارات وتنفيذ ما أتخذ منها؟ ومن المسؤول عن متابعة ما يصدر عن مؤسسة الرئاسة من توجهات وقرارات ؟؟؟  فماذا يفعل الناس ؟ لقد أصبح الشباب ضائعاً متردداً ...ليس بمقدوره مواصلة دراسته !! ولا يتوفر لديه رأس المال ليشتغل به في تجارة أو فتح ورشة مهنية ... يُفكر بالسفر إلى الخارج ويصطدم بواقع المنع من قوات الإحتلال الإسرائيلي أو عدم السماح له بدخول الآراضي الأردنية والأمثلة حدث ولا حرج ...وبدأت تتولد وتترسخ قناعات بأن الشهادات اليوم لم تعد تُفيد في شيء، فبالرغم من أن الشباب الذي محسوب على حماس يحمل شهادات عليا فقد حرموا من حق التوظيف وكأن القادة والرموز والكوادر من المستبدين يقولون بملء فيهم للشباب الطاهر والصابر، ليس هذا زمناً للعلم !!!  ليس هذا زمنكم  !!! إنه زمن الأمن الذي بات يتدخل بتفاصيل التفاصيل ، ويُحصي على الناس أنفاسها ... إنه زمن الشطارة من يريد أن يصل عليه أن يكون عيناً على إخوانه، أو عليه أن يقدم خدمة أو أن يتوب توبة نصوحة تُقبل لدى المؤسسة الأمنية حتى تُغفر له جريمته بأنه أعتقل على خلفية الإنتماء أو تقديم خدمة لحماس ... لقد تبلدت المشاعر !!! وماتت الضمائر !!! لقد إختلت الموازين ... وإضطربت المقاييس ... وأصبح الناس تائهين لا يعرفون هدفاً حقيقياً في الحياة  يركضون إليه أو يعملون من أجل تحقيقه ... والعيش في ظل واقعٍ أليم ومضطرب .. واقع الإنتماء التنظيمي للفصيل المستبد على الرغم من أننا شعب مُحتلٌ، وأكثرُ من هذا عند البعض، محتلٌ مرتين ... إحتلال إسرائيلي يلاحق الكل الفلسطيني، وممارسات سلطة تمارس الملاحقة والإعتقال والتحقيق والسجن وممارسة القهر والإذلال بحق شريحة الأطهار والشرفاء من المجاهدين والمناضلين ... إن المشكل الحقيقي يكمن في هذه الأجواء والواقع من السطوة الأمنية، والقهر الأمني .. من الفسادين المالي والإداري ..  واقع يقتل روح الإنتماء والطموح والإبداع ... واقع  لا يقيم وزناً للكفاءات ولا يعترف بالمؤهلات والخبرات ... واقع يعكس سياسات وأفعال وممارسات الفصيل والتنظيم المستبد وسلطته وأجهزتها الأمنية التي تبعث على الإستياء والإحباط العام لشعب بأكمله ... واقع لا يعترف بلغة الحوار والمحاججة بالدليل، ولا يهمه لا مصالحة ولا وحدة وطنية ... واقع يقوم على الإنتهازية والأنا التنظيمية وتغليب المصالح الشخصية والتنظيمية على كل مصلحة أخرى ... واقع من المرارة والألم ما أفقد شعبنا شهية وروح المبادرة والحلم والتخطيط لأي مشروع يفيد الوطن ويساعد في توفير لقمة العيش بكرامة ... فلا المتعلمون ولا العاملون سعداء ... قالها أحدهم قل لي بالله عليك، ماذا يمكن أن تفعل بعلمك إذا كنت ستنتهي بك الأمور على أبواب الأجهزة الأمنية للحصول على السلامة الأمنية حتى تنفع وتنتفع بعلمك، ويا لهول الموقف إذا ما تعرضت للمساومة على قيم الإنتماء والأخلاق مقابل تلك الورقة التي ستنتهي بك موظفاً يعمل تحت إشراف مدير جاهل وُجدَ في منصبه ليس مصادفة، وليس لسعة معرفته وغزارة علمه، وإنما لحزبيته وإنتمائه التنظيمي   وفاعلية دوره في إطار التنظيم أو لواسطة كبيرة لا يُمكن أن يُرفَضَ لها طلباً، ويا لُقبح الوظيفة إذا جعلت من الموظف مندوباً يرفع التقارير بأخوة جمعته بهم آلام وعذابات القيد والسجن والكثير من الذكريات الحلوة والجميلة ... فكيف بالله عليكم يمكن أن يصمد الشاب والشخص أمام كل هذا الظلم ... ولماذا هذا التمييز بالتعامل الذي يدفع بالشباب إلى الهجرة أو العمل في الخارج وترك الوطن في الوقت الذي يوفر فيه المحتل كل المحفزات لإستجلاب قادمين جدد من شذاذ الآفاق، شتان شتان بين الموقفين ؟! شتان شتان بين السياستين ؟!  لقد أشبعنا د. سلام فياض قبل عن يرحل عن مجلس الوزراء، وهماً وهو يتحدث عن مؤسسات الدولة التي إدعى أنه أنشأها وفق معايير المهنية والشفافية العالمية... مؤسسات دولة تمَّ بناؤها بعقلية اللادولة ... وأما ذلك،  فقط التقوى والإيمان ... إيمان الشباب الراسخ بقدسية الأرض والقضية هو ما يدفعه إلى مزيدٍ من التشبث بتراب الوطن، ويمده بكل أسباب القدرة على الصمود.

لقد بات معروفاً للقاصي والداني أن أبناء وشباب الحركة الإسلامية والأوفياء من المناضلين  هم الضحية الأولى في هذا الوطن الذي يئن تحت نير الإحتلال...وهم من يدفعون الثمن مرتين وكل ذلك من أجل الوطن الذي لم يتنكروا له يوماً ولم يبخلوا عليه من سنوات أعمارهم وزهرات شبابهم ... وهم الذين كسوا هذا الوطن حنيناً وعشقاً وجنوناً ... فماذا  إقترف هؤلاء الشباب ؟؟؟ فهم ليسوا مجرمين !!! ولا مقامرين ... ولا خائنين ... ولا كاذبين ... ولا كافرين ... بل هم شباب تنضح إيماناً وإنتماءً وعطاءً وتضحية ... شباب تدفع الثمن على كل حال ... وهيهات هيهات أن تجد من المستبدين من يدفع الثمن مرة واحدة ....  فمن الأولى بالرحم في هذا الوطن من الأسرى المحررين الذين ضاقت بهم سبل العيش ؟ من بالله عليكم ؟ ذلك الجالسُ فوق الجميع !!!! أم أولئك الجالسون فوقنا ؟

إن هذا الزمن يُذكرنا بما حدثنا عنه الأباء والأجداد عندما ساد إقتصاد الكفاف والمواسم في فلسطين وحيث تحكمت في مصائر السواد الأعظم من الناس والشعب مجموعات من العائلات الإقطاعية التي ساعدها نفوذها الإقتصادي المتمثل في أملاكها من الآراضي والعقارات وقطعان المواشي في ممارسة الظلم والقهر على الناس وتوظيف حاجاتهم للقمة العيش من خلال إبتزازهم وتسخيرهم في خدمة العائلة الإقطاعية ... وقد تعددت أشكال وصور الظلم التي وقعت على الناس ... فهذا يأخذ دين على الموسم ... وذاك لا يستطيع تسديد ديونه ولديه إبنة مزيونة ( جميلة ) كما يقولون فيأتي الإقطاعي والثري وعلى الرغم من فارق السن وبدون أدنى إعارة للبراءة والأخلاق فيخطبها ويتزوجها مقابل الدين ومزيد من العطاء ... لقد كان صاحب الحاجة ذليل تحت هيمنة الإقطاعي، يقبل بالعمل أو يُرغم على أعمال لا يرضاها إلا تحت وطأة الحاجة للقمة العيش، فهناك من كان يعمل من آذان الفجر حتى آذان المغرب بالحصيدة أو الدِّراسْ أو الحراث أو العناية بالأرض والأشجار وفقط مقابل أن يأكل وأولاده الخبز،  ومما كان يزيد طينَ الذلةِ بلةً هو قبول الزوج المحتاج بأن تقوم زوجته بخدمة عائلة الإقطاعي من نظافة وطبيخ وغسيل ... لقد إستخدموا المال  والحاجة إلى رغيف الخبز في الإذلال والقصص لا تعد ولا تُحصى ... واليوم يتكرر المشهد بصورة وثوب جديد حيث تستخدم السلامة الأمنية في حرمان الشباب من الوظيفة والعيش بكرامة ... لقد قالها زميلي المهندس وعبر الفضائية ... ما أشبه اليومَ بالأمسِ ... يريدون مقايضتنا بمبادئنا وثوابتنا وقيمنا وأخلاقنا ... يريدون تشويه سنوات جهادنا ونضالنا التي سرقها الإحتلال من أعمارنا خلف قضبان سجونه ... ولكن أقول لهم والحديث للزميل المهندس المثل الفلسطيني " تموتُ الحرةُ ولا تُرضعُ بثدييها "، ونحن لا ولم ولن نقايض ؟! ويبقى القول  "  عين لا ترى ... وقلب لا يحزن ؟! "