مفاوضات الوطن البديل
مفاوضات الوطن البديل
في السياسة عادة ما يستخدم السياسيون الفاظا مهذبة وغير فاقعة , ويجتنبون فيها استفزاز الناس واثارة المشاعر , لأن السياسة هي اسلوب خبيث في تمرير ما لا يجوز ان يمرر دون اثارة , وهذا بالضبط ما يدور في اروقة السياسة في العالم العربي منذ عقود من الزمان , وخاصة فيما يتعلق بشأن الصراع العربي الصهيوني حول فلسطين , وقد مرت فترة كانت الشعارات فيها ثورية , ولكنها للاسف لم تبتعد عن اسلوب التعمية والتمويه التي تستخدم اليوم لنفس الغاية , فكلما كانت المؤامرة اكبر وأخطر , كانت اللهجة الثورية المزعومة تعلو اكثر فأكثر .
المفاوضات التي تجري الآن بين السلطة الفلسطينية والعدو الصهيوني هي مثال صارخ على اسلوب التعمية والاستخفاف بعقول الناس في المنطقة , فالسلطة تقع تحت ضغوط الواقع المرير الذي تعيشه بعد فشل اوسلو والانقلاب عليه , وبعد استمرار عملية الاستيطان والتهويد للقدس والاراضي المحتلة , وبعد تقدم التيارات السياسية المتطرفة في المجتمع الصهيوني نتيجة الفشل الذي قادتنا اليه السياسات الفلسطينية بقيادة فريق اوسلو الذي فقد الكثير من مبررات وجوده , وفشل في كل وعوده , ولولا المهمة الخفية التي وكلت اليه بمحاربة التيارات الاسلامية والوطنية في الشعب الفلسطيني لكان اعفي من مهمته منذ زمن .
ان الحديث الممجوج عن حل الدولتين الذي يمضغه ممثلوا السياسة الخارجية في دول المنطقة والعالم ما هو الا اكذوبة أخرى كبيرة يستخدمها المتآمرون من جهة , والمهزومون من جهة أخرى ليعطوا العدو الصهيوني فرصة تلو فرصة ليتقدم على ارض الواقع وليخلقوا حالة جديدة ومتنامية من ترسيخ الاحتلال والتهويد والتضييق على الشعب الفلسطيني , لينقلوا المفاوضات (المؤامرة ) من مستوى الى آخر , وليتقدم المشروع الصهيوني كل يوم على حساب حقوق الشعب الفلسطيني في الارض والوطن , ما يحدث الآن في مدينة القدس مثال صارخ على صحة ما ذهبنا اليه .
سلطة اوسلو الفاشلة وبمباركة من انظمة عربية اكثر فشلا تمارس لعبة السياسة المضللة مع الشعب الفلسطيني والشعوب العربية , فما هو مطروح من حلول , وما تجري حوله المفاوضات لا يشكل الحد الادنى المرحلي مما يقبل به الشعب الفلسطيني , هذا اذا سلمنا ان هناك حلولا مرحلية , والا فان ما يطالب به الصهاينة من حلول تحفظ لهم الحق المزعوم في الارض والامن يجعل دماء من بقي عنده دم تغلي وتفور , ولكن دماء المفاوضين والساسة العرب يبدوا انها لم تعد موجودة او انها موضوعة في فريزر شديد البرودة .
باختصار شديد , اذا كانت المفاوضات الجارية حاليا هي حول ما يتم الحديث عنه من دولة مسخ تدير الشؤون البلدية على جزء من الضفة الغربية , مع احتفاظ اليهود بالسيادة على الجو وباطن الارض والحدود مع الاردن وعلى بقاء المستوطنات واستمرار تهويد القدس تحت السيطرة الصهيونية والتنكر لحق العودة واستبعاد اللاجئين من المعادلة النهائية , والضمانات الامنية للعدو الصهيوني ومستوطناته , فهذه وصفة واضحة للوطن البديل لا تحتاج الى ذكاء وتحليل ,ليس هذا فحسب , بل هي فتنة , ووصفة للشر والخراب والصراع السياسي في الاردن والمنطقة باسرها , والقبول بهذه الوصفة من قبل الانظمة السياسية لا يعني سوى شيئا واحدا , وهو ان هذه الانظمة افلست وفشلت ولم تعد مؤهلة لادارة قضاياها الوطنية والمصيرية , أو انها خرجت من هويتها وانتمائها الى امتها ووطنها , واصبحت في صف وخانة العدو المحتل , وهنا ينبغي على الشعب وقواه الحرة والوطنية ان تعالج هذا الامر قبل ان يذهب بما تبقى لدينا الى نهايته .
ان مجرد القبول بالسير في طريق المفاوضات العبثية بدون تفويض حقيقي من قبل الشعب الفلسطيني بكل قواه الحية يعني تواطئا على القبول بالمشروع الصهيوني واستسلاما لإرادته , يشترك في ذلك السلطة التي لم تعد شرعية , والانظمة التي لم تكن شرعية في يوم من الايام , لأنها لم تكن نتاج اختيار حقيقي للشعوب.