عندما يدعو الأبنودي لقتل الأبرياء

القتل في الهراء العربي الحديث

محمود القاعود

[email protected]

ليس الشعر مجرد حالة تعبر عن الرفاهية وتصوغ المشاعر والأحاسيس الإنسانية فى قوالب موسيقية تسحر العقول وتؤثر فى المستمع والقارئ، وإنما هو عامل من عوامل نهوض الأمة والتأريخ لها وتسجيل الهزائم والانتصارات والدعوة لما فيه خير الناس وصلاح البلاد.

وكعادة كل بضاعة فيها الثمين والغث والجيد والردئ ،  فظهر أدعياء الشعر فى العصر الحديث، لا سيما أصحاب " شعر التفعيلة" و "الأغنية" والذى يحوي كثيرا من الهراء والاستخفاف بالعقول والحديث عن الجنس والترويج للمصطلحات الصليبية من خلال الإلحاح على فكرة " الصليب" " والدم المسفوك" و "الخلاص" و "الملكوت" .. إلخ.

ومثلما يتأثر الشعر بالعصر الذى يحيا فيه من ناحية الاستقرار السياسي والاقتصادي، تأثر "الهراء" عقب الانقلاب الدموي الفاشي فى 3 يوليو 2013 ، وعادت الوجوه الكالحة من جديد لتلقى بروثها على قارعة الطريق ومن خلال وسائل التعبئة والدعاية السوداء، والأفظع أن يتحول هذا الهراء إلى دعوة صريحة للقتل والفتك بمن يعارضون الانقلاب الدموي.

المتتبع لتاريخ الشعر منذ الجاهلية وحتى القرن العشرين، يجد أن شعر الحرب ( فى الجاهلية) أو شعر الجهاد ( فى الإسلام ) – ومعه بدرجة أو أخرى شعر الحماسة والفخر- كان دائما يُستخدم فى ساحات الوغي وعندما تقع الحرب بين معسكر الشاعر والأعداء .. أما يتحول – ما يعتقده الأدعياء أنه شعر – إلى دعوة لقتل الأبرياء ومن يرفضون الانقلاب العسكري ، فهذه جريمة بكل المقاييس تستحق الدراسة.

لنأخذ نموذج عبدالرحمن الأبنودي صاحب معلقة " اسقينى ياشابة وناوليني حبة مية .. اسم النبي حارسك اسمك إيه ردي عليا " ، كدليل على تحوّل القتلة إلى مفكرين وشعراء ..

يعد الأبنودي – إن جاز أن نسميه - أحد شعراء السلطة، لا سيما فى عهد جمال عبدالناصر ، الذى كتب له الأبنودي العديد من الأغنيات التى تشيد به وتجعل منه الزعيم الأوحد، مستغلا صوت عبدالحليم حافظ الذى كان يعد بمثابة " قناة الجزيرة" لنظام ناصر، فما أن يغني حتى تكون أغنيته فى كل الإذاعات ويرددها الناس .. منح حليم للأبنودي شهرة وأضفى على كلماته الركيكة الموغلة فى النفاق شرعية ، مثل أغنيته " ولا يهمك ياريس م الأمريكان ياريس" وأغنيته الأخرى التى تناقض صريح الإسلام عن "المسيح" حيث يتبنى الأبنودي رؤية المعتقد الكنسي بأن المسيح عليه السلام صُلب، وهو ما يخالف نص القرآن الكريم الذى ينص على نجاة المسيح وعدم صلبه.

وكعادة شعراء الأنظمة الذين ينتقلون من حضن هذا النظام إلى حضن ذاك ، ارتمى الأبنودي فى أحضان مبارك وألف عنه يمتدح عصره وعدله ويصفه بالنسر المصري! وكان من الطبيعي أن يحصل الأبنودي على جائزة مبارك فى الآداب التى قيمتها خمسمائة ألف .. لينقلب الأبنودي بعد ثورة يناير ويهاجم مبارك !

ومنذ فوز الرئيس محمد مرسي والأبنودي ورفاقه يهاجمونه منذ الأيام الأولى له فى الحكم ، بل هاجموه بضراوة وهم الذين نافقوا مبارك بكل الكلام .. فتجد الأبنودي فى شهر أغسطس 2012 عقب تولى الرئيس مرسي بشهر يكتب ما يُسميها مربعات ، قال فيها :

إحنا ماطردناش مبارك

ولا حطيناه في سجن

بص في الجورنان .. مبارك نفسه

بس طلع له دقن

والعجيب أن الأبنودي الذى نافق مبارك يتحدث بصيغة الجمع " إحنا" وكأنه من ثوار ميدان التحرير ، والأعجب هو أن أصدر حكما قاطعا على الرئيس مرسي أنه مبارك لكن بلحية ! ساوي بين الديكتاتور الذى دمر مصر وأذل البلاد والعباد لمدة ثلاثين سنة، وبين الرئيس الشرعى المنتخب الذى لم يكمل شهرين !

كان الأبنودي ورفاقه من حظيرة فاروق حسني يطالبون بالانقلاب ويركزون على مصطلح " الاحتلال الإخوانى" وأشهرهم جمال الغيطاني الحاصل على دبلوم محو الأمية وتوأمه يوسف القعيد التمرجى السابق .. طالبوا بالانقلاب السريع، وإعادة مصر إلى دورها الرائد فى "الهشك بشك" أيام سلامة موسي ولويس عوض وبديعة مصابنى !

عقب الانقلاب الدموي النازي فى 3 يوليو تحوّل الأبنودي ورفاقه إلى قتلة يدعون لقتل من يرفضون الانقلاب ويحتجون على ممارساته القمعية النازية .. كتب الأبنودي عقب طلب السيسي "التفويض" لاجتثاث معارضيه، يحرضه على قتل المعتصمين بسرعة  :

وفرصتك بتقل ..

وبيبرد اﻻحساس ..

لما أنت مش حتحل

نزلت ليه الناس..؟؟

يحث الأبنودي السيسي على سرعة فض الاعتصامات ويتساءل مستنكراً لما أنت مش حتحل .. نزلت ليه الناس ؟

وينتقد الأبنودي دعوة السيناتور الجمهوري جون ماكين للمصالحة ، بعدما كان يظن أنه سيؤيد الانقلاب فيقول :

خليت طبيخنا ملح

ياللى بحبالنا خانقنا

جبتك تقول نصطِلح

هو احنا لسه اتخانقنا

ووصلت الرعونة بالأبنودي أن دعا السيسي أن يقتل المتظاهرين بدلا من أن يخرج هو ليقتلهم، وكان ذلك قبل ساعات من فض اعتصام رابعة العدوية وميدان النهضة يوم 14 أغسطس :

شايفنكو فى المعمعة صامتين

الصمت جايزة للقاتل

قولولنا : " إحنا مش لاعبين"

فالشعب يطلع .. وِيقاتِل

وعقب الجريمة النكراء واستشهاد أكثر من خمسة آلاف وجرح أكثر من عشرة آلاف ، أراد الأبنودي أن يستنسخ ما يُقال فى إعلام السفاح بشار الأسد بأن الثوار " إرهابيون" وأن من قتلوا ظلما وعدواناً هم القتلة ، ويتهم الإعلام بفبركة الأحداث ، فكتب يقول:

كل اللى شفناه يا ( سوريا ) وصَابنا بالحيرة

طلع كلام زور بيتكرر هنا فى مصر

بلاوي ( سي إن إن ) السودا و (جزيرة)

شُفناه ودقناه مع القتلة فى مدينة نصر

لم يتوقف الأبنودي الذى يعتبر أحد القتلة بتحريضه الفج، بل راح فى وصلة لعق للبيادة ينتقد من استنكروا قتل الجيش للأبرياء العزل يقول:

ولا مجال للفذلكة .. ولا للبُكا

إحنا اللفندية نحب نكاكي

الجيش سندنا فى الظروف المُهلكة

فاوعى ياعم .. يكَرهُوك فى الكاكي !

ويصل الإجرام بالأبنودي مداه عندما يبرر قتل الأبرياء  الذين ينوا سورا عند مخارج رابعة العدوية ليحتموا فيه من القتل والرصاص .. فكتب يقول :

يا جَابِرِ الكَسْر.. أُجْبُرْ كَسْرَها العَاصِى

داوِيها مِ الوَقْعَة واقْرَالْها (يَسٍ.. والنُّور)

لانا باعْشَقَ الدمّ ولا بَاتْبَاهى بِرْصَاصِى

غِيرْشِ الغَبِى اللّى بِيبْنِى ف كلّ شِبْرينْ.. سُور!!

إن التاريخ القديم والحديث لم يسجل أن شاعرا ظل يدعو لقتل أناس أبرياء أو يدعو لسحق قبيلة مجاورة دون سبب أو رفضا للمعتقد .. وإن تجاوزنا واعتبرنا الأبنودي ينتمى للشعر – والشعر منه براء – فما فعله لم يسبقه إليه أحد ، وهى ظاهرة تستحق الدراسة تحت عنوان " القتل فى الهراء العربي الحديث" ، كما تستحق المحاكمة إن كنا فى دولة القانون ..

ومن هزل الانقلاب المجرم أنه يحاكم عالما جليلا مثل فضيلة الدكتور محمد بديع المرشد العام للإخوان المسلمين بزعم أنه يُحرض على القتل ، وهو صاحب مقولة" سلميتنا أقوي من الرصاص" وهو الذى استشهد نجله عمار برصاص الغدر والانقلاب .. فماذا إن كان قال عبارة واحدة من عبارات الأبنودي ؟!

إن عبدالرحمن الأبنودي ومحمد حسنين هيكل وغيرهما من العواجيز الذين تسببوا فى هزيمة 1967 بتحريضهم الجيش على الدخول لمستنقع السياسة، كما تسببوا فى انقلاب يوليو 2013م  لابد من محاكمتهم .. فهؤلاء العواجيز القتلة لوثوا الماضى والحاضر ويحاولون تلويث المستقبل، ليرتهن الشعب بأفقهم الضيق وطباعهم الاجرامية الشريرة..

(*) كل نصوص الأبنودي التى يسميها " مربعات" منشورة على مدار شهر أغسطس فى جريدة التحرير التى يرأس تحريرها إبراهيم عيسي.