ثلاث نصائح من السوريين للمصريين

عابدة فضيل المؤيد العظم

عابدة فضيل المؤيد العظم

كشف الانقلابيون عن جوهرهم الذي طالما أخفوه تحت شعار الديمقراطية وإرادة الشعب، وأظهروا نواياهم السيئة لمصر ولشعبها الطيب الأبي، وما حدث في المياديين فضحهم وبين حقيقتهم، أرادوا إكراه المصريين على مفاوضات يسرقون بها حريتهم، ويحدون بها صلاحياتهم، ويمكنون بها لجيوشهم في أرض الكنانة، فلما أبى المصريون خداعهم ضربوهم ضربة الجبان، وضربة الغدر والضعف.

إن الذي صنعه المصريون شيء عجيب، خمسون يوماً في الميادين يتحدون التهديدات صامدين للإرهاب، حسبوها فورة حماس تستمر لساعات ثم تخمد، تمتد يوماً أو يومين، فإذا هي تستمر الشهر والشهر الذي بعده، وتزداد قوة، ذلك بأنها ليست حركة الإخوان وحدهم، بل حركة الشرعية فهي ضد الظلم والفساد والاستعباد، وضد الاستغفال والاستهبال.

وما هي إلا لحظات بعد فض الاعتصام حتى بدأت الثورة المصرية تمشي على خطى الثورة السورية وعلى خطى كل ثورة كريمة، وهذي سوريا أمامكم أيها المصريون الشرفاء فتداركوا أخطاءها، وخذوا العبرة منها وأسوقها لكم في كلمات:

النصيحة الأولى- أيُّها الثوار إن النار تمشي الآن في أعصابكم، وقد صَبَّت القوة في عضلاتكم، وإنها ليست حماسة زائفة بل هي الغضب لله وللحرمات وللشرعية، وإنكم على الحق فلا ترجعوا بعدها إلى بيوتكم مستسلمين، واصبروا ورابطوا في الشوارع والساحات، لم يعد أمام المصريين إلا الاستمرار في الثورة، وليس شرطاً أن تعتصموا بالميادين، ابقوا في الطرقات والحارات، اخرجوا كلكم رجالاً ونساء وأطفالاً وشيوخاً في مسيرات وهتافات، اخرجوا كل يوم وكل ساعة ولا تتأخروا عن الغضب والاستنكار. قفوا على الشرفات وكبروا وارفعوا اللافتات. فأنتم أكثر عدداً وأكثر ثباتاً وأقوى مهابة، ولا ينقص أهل مصر العدد، ولا تخافوا فلن يبيدوا شعباً كاملاً تعداده الملايين.

أيها المصريون

أنتم في خطر؛ وسواء عليكم أرضيتم الدنية واستسلمتم للطغاة أم تماديتهم في تمردكم فأنتم مدركون بالاعتقال والسجن والقتل والتعذيب والملاحقة... سلوا قومي في سوريا كم من دم أريق، وكم من نفوس ذبحت بالسكاكين، وكم من أرواح قضت تحت الركام، وكم من صغير أصيب بعاهة جراء الإجرام والوحشية. النتيجة واحدة فلا تتوقفوا عن التذمر والاحتجاج، واجعلوها جهاداً في سبيل الله.

النصيحة الثانية- كنا في سوريا كلما عدا النظام علينا صرخنا: "وا عرباه، وا إسلاماه"، كما يصنع الضعيف المسكين. فعرفنا أن العالم اتفق على تدميرنا، وما أقام مجلس الأمن وسائر المنظمات الحقوقية إلا لينصر أعوانه ويقضي على أعدائه، ويحمي مصالحه، فتمردنا عليهم جميعاً ونبذناهم واتكلنا على الله وحده وأخذنا حقنا بأيدينا وأسلوبنا وطريقتنا بما يرضي الله.

إن سلاح الهدنة والمفاوضات والحوار لم يعد يفيد ولا يجدي وإن اللغة الوحيدة التي يفهمون بها هي التمرد والعصيان المدني، وسوف تُغلَبون عندما تَغلب عليكم خلائق الثقة بالأعداء، فتصغون إليهم وتقبلون الجلوس للحوار معهم، تُغلبون حين ترضون بالهدنة، وتُغلبون بالدس والكيد واستغلال الخائنين.

وإن المفاوضات التي يدعوننا إليها كالهدنة بين القط والفأر لا تكون أبداً. فلما أنكرناها وسخرنا منها، قالوا: أننا إرهابيون، واجتمعوا على حربنا.

فيا أيها المصريون لا أمل لكم إلا في أنفسكم وجمعكم وقوتكم، ولن تحل مشكلتكم إلا بإيمانكم، ثم بجهودكمالمباركة وذكائكم وعزمكم وتصميمكم.

وإن سوريا تحت أنظاركم، فانظروا ما حققناه في ثورتنا المباركة، لقد هببنا ندافع عن العدالة والحرية، وهذا الطلب حق لنا. الحق معنا ولكن الحق إن لم تكن معه القوة سطا عليه الباطل، فكونوا أقوياء وأعدوا العدد، وخططوا، ولا تستبعدوا الظفر؛ وهل بلغت الأماني في سوريا أن نصل إلى وصلنا إليه اليوم من تحرير المدن وإنقاذ العباد من ربقة الظلمة والمفسدين؟!

نحن اليوم غير ما كنا بالأمس، لقد تبدل الناس غير الناس وانقضت الغفلة وتنبهت الأمة، وها هي تكتب التاريخ وتصل مجد اليوم بأمجاد الأمس، ولقد كتب المعتصمون -في الميادين- سطوراً بصمودهم، ووقعت عليها جثث الشهداء بدمائهم، وأقسم الله على نصرهم وإجابة دعوتهم ودعوة كل مظلوم: "وعزتي وجلالي لأنصرك ولو بعد حين".

والنصيحة الثالثة والأخيرة والمهمة

إن العلويين في سوريا ما أخذوا ما أخذوه بقوتهم ولكن بأيدي من يدفعهم ويحميهم، بأيدي الدول الكبرى التي تتركهم يضربوننا غدراً ومكراً فإذا أردنا أن نمد أيدينا لرد الضربة أمسكوا بها ولجمونا بالقوة بحجة الطائفية!؟ وإن النظام انتصر علينا (في بعض المواقع وتقدم في أرضنا) بالخونة من أبناء وطننا وديننا، وإني لما استثنيت المنتفعين وعددت سواهم من المؤيدين للأنظمة الفاسدة والمحايدين وجدتهم غير قليل!؟ وكلهم مقتنعون بأننا كنا بخير وعافية قبل الثورات! ألا يدل ذلك على ضعف عقول شريحة كبيرة من الناس قد يصل تعدادهم إلى 40 مليون عربي يقيمون بيننا ويكبلون أيدينا عن المضي في هذه الثورات المباركة؟!

فاعلموا أيها المصريون أن المنتفعين وأغنياء الحرب سينشطون في دياركم كما نشطوا بيننا، وإن الخيانة العظمى هي التي تقوي الضعيف وتنصر باطله فاحذروهم، وأخفوا خططكم الدقيقة، والتفوا على بعضكم ووحدوا صفوفكم وصَفُّوا قلوبكم.

أيُّها الثّوار، أمَامكم عمل كثير وإنهم يتربصون بكم الدوائر، فاكْظموا غيظكم وانسوا كل خلاف بينكم. وما غلبونا حين غلبونا -في سوريا- بضعفنا ولكن بتفرقنا وانقسامنا، فلا تكونوا مثلنا، وإني وجدتكم في الميدان على قلب رجل واحد وأتأمل أن تكونوا هكذا حقاً، ودائماً.