هل حان أوان حلّ المؤسسة العسكرية في الدول العربية؟

هل حان أوان حلّ المؤسسة العسكرية

في الدول العربية؟

عثمان أيت مهدي

قد يبدو العنوان غريبا، خادشا لكرامة العسكر، لكن إن بحثنا عن دور جميع المؤسسات الأخرى بالدول العربية، القضائية منها والتشريعية أو التنفيذية لوجدناها جميعا تعمل على قدر استطاعتها، بطيئة أو متخلفة، مريضة أو متعفنة، تقدم القليل أحيانا والكثير أحيانا أخرى للشعوب التي هي مخولة بخدمتها إلّا المؤسسة العسكرية التي لم يجن منها المواطن العربي إلا الخزي والعار والدمار.

تؤسس الجيوش في دول العالم للدفاع عن السيادة الوطنية من أيّ طموح أجنبي توسعي، غير أنّه مع مطلع القرن الواحد والعشرين أصبحت هذه الجيوش عالة على شعوبها، فالاستعمار بمفهومه الكلاسيكي قد ولّى ولم يعد يساير التطور الحاصل في العلوم والتكنولوجيا.

بإمكان الولايات المتحدة الأمريكية أن تستعمر جزءا من الكرة الأرضية عن طريق الإعانات المالية التي تقدمها للشعوب المتخلفة، وكذلك عن طريق وسائل إعلامها المتطورة التي غزت جميع دول العالم، إلى جانب اقتصادها القوي وتكنولوجيتها التي لا يمكن الاستغناء عن استيرادها.

إذا كانت الجيوش العربية لم تؤسس لضرب أشقائها العرب، ولا تستطيع أن تقف ندا أمام قوة إسرائيل النووية والتكنولوجية، فمن حقّ المواطن أن يسأل عن دور الجيوش العربية، وماذا تقدمه للدول العربية في عصر أصبحت الجيوش أمام التطور الاقتصادي والتكنولوجي لا معنى لها ولا فائدة؟

والدليل على قولنا هذا، ألمانيا، اليابان، سويسرا دول غنية، متطورة ولا تملك جيشا يذود عن حياضها. وكذلك القول بالنسبة لليبيا وتونس اللتين تملكان جيشا بسيطا لا يقوى على مجابهة جيش الجزائر من الغرب ولا جيش مصر من الشرق، ورغم ذلك تعيشان جنبا إلى جنب مع دول الجوار في إخاء ووئام. وبقية الدول التي تملك جيشا متطورا تكنولوجيا كفرنسا وإيطاليا وإنكلترا أصبح مهامه فك النزاعات والعمل على استتباب الأمن في الدول المتخلفة في إفريقيا وأسيا. هل يعقل أن تقوم حرب نووية بين فرنسا وأمريكا؟ أو بين الصين وروسيا؟ أو بين الصين وأمريكا؟ إنها أسئلة لا تطرح أبدا في هذا العصر الذي يعتمد الدهاء السياسي والبراغماتية في التعاملات.

نعود إلى أوطاننا التي تخصص ميزانياتها الكبيرة للتسليح ورواتب العسكر الذين يأكلون ويشربون وينامون، فلا حربا انتصروا فيها على عدوهم التقليدي، ولا فائدة يتحصلون عليها إذا تورطوا في حرب ضد أشقائهم في اللغة والدين؟ وبالتالي، لا غاية من وجودهم سوى سقوط الدول العربية في مستنقع الانقلابات والفتن والحروب الأهلية والجوارية.

لم يشهد التاريخ للجيوش العربية منذ بداية القرن الماضي إلى يومنا هذا سوى الانقلابات العسكرية والتسيير المتعفن الذي أوصل الشعوب العربية إلى ما هي عليه الآن ـ ضعف، جهل، فقر، تخلف.. ـ  فقد عرفت الجزائر انقلابات عسكرية في سنوات 1962م و1965م، وآخر سنة 1992م، وعرفت ليبيا انقلابا عسكريا سنة 1969م، ومصر سنة 1952م، و1954م، وأخيرا 2013م، في سوريا سنوات 1949م، 1961م، 1962م، 1966م، وتشير بعض الإحصاءات أنّ خلال الفترة بين عامي 1952/1986 وقع حوالي 34 انقلابا عسكريا ناجحا في الدول العربية، ما يمثل نسبة 53% من الانقلابات في العالم.

هذا هو دور الجيش في العالم العربي. وأكثر من هذا وذاك ما يقع حاليا في سوريا، الجيش العربي السوري الذي يذبح ويشرد وينكل بالشعب العربي السوري، ويدك المباني والإنجازات التي بناها الشعب العربي السوري، كلّ ذلك باسم العروبة في الدمّ والحضارة، ولا حياء.

أين موقع الجيوش العربية من الصراع العربي الإسرائيلي؟ أين موقعها من البناء والتشييد؟ الأكيد أنّ التاريخ لم يحتفظ إلا بالهزائم التي أطلق عليها اسم "الانتكاسات"، والانقلابات التي أطلق عليها اسم "التصحيح الثوري"، والحكم الديكتاتوري الذي أطلق عليه "الحكم الشعبي أو الجماهيري"، وما ترتب عنه من الفساد والنهب والظلم والتعدي على الشرعية الشعبية؟

أمّا الذين ينادون بتدخل الجيش لقتل المواطنين، وهم من أشباه العلمانيين فإنّ التاريخ سيكشف، لا محالة، عن سوءاتهم وعوراتهم أمام العالم.