لسنا يهود...!!
هنادي نصر الله
ويحدثُ الخلاف؛ ونتجنبُ الحديث مع بعضنا، ويفرضُ كلٌ منا على نفسه رقابةً عسكرية؛ فيُصبح وكأنه يعيشُ في ثكنةٍ عسكرية؛ وجهه متجهم، عيونه عابسة، قلبه يائس، تلك الإشاراتُ الصارمة التي أعلنتْ عنها تقاسيمُ وجهه؛ هي بمثابة إعلانٍ صريحٍ لخصمه" ممنوع الإقتراب" فخلافُ الأمسِ لن يسمحَ له بأن يكسرَ كبريائي؛ ويصفح ويُصالح، ليس هو من يبدأ...
نُصبح حين نختلف " يهود" لا نردُ السلام على بعضنا؛ نُهينُ أنفسنا بذلك ونحنُ نظنُ واهمين أننا نرفعُ من قدرها؛ وأننا نحفظُ هيبتنا، وأننا وأننا وأننا.
نُلبسُ أنفسنا " زورًا" ثوب الكبرياء؛ ونُجاهرُ بأن لا أحد " يفرقُ" معنا، فلا نهتم في " إصلاح" الخلل؛ بقدرِ ما نهتم فيمن يبدأ في " الإصلاح" ونسينا أن الخيرَ في من يبدأ في السلام، وينبذ الخصام..
وماذا في الأمرِ إن تشاجرنا، وإن مسَ الخلافُ شيئًا من فرحتنا؟ هل ندعه يقضي على ما تبقى من إنسانيتنا، ونبدأ بحملةِ إقصاءٍ وتهميشٍ وقطعٍ لكلِ أواصرِ التراحم والتعاضد؟؟
بل نختلف؛ ونعودُ نضحكُ كما الصغار؛ نعود نتسابقُ من يبدأ في السلام؛ لا ننتظرْ تطبيقًا لفهمٍ أعوج بأن من لهثَ خلف الآخر طالبًا الصلح هو الحلقة الأضعف، وهو الذي أهانَ كبرياءه،بل نقول بأن من يبدأ هو الأشجع وهو الأجرأ وهو الأكثر ثقة بنفسه..
" وما يُلقاها إلا الذين صبروا وما يُلقاها إلا ذو حظٍ عظيم" صدق الله العظيم، عظيمٌ قلب الإنسان حينَ يكونُ خلوقًا في أدق تفاصيل حياته، خلوقًا حتى في شجاره مع الآخرين، يمتصُ غضبهم، يتغاضى عن زلاتهم، يصفحُ عن أخطائهم..
إنها الإيجابية التي دعانا إليها نبينا الأمين محمد صلى الله عليه وسلم، الإيجابية التي تتعاظم معها روعة القلوب؛ فتحيا واثقةً بأن كل لحظةٍ تقضيها مع الآخرين بحسنِ نية وصفاء خاطر وطيبِ قلب لن يضيع أجرها عند الله..
نسأله جل وعلا أن نكون في اختلافنا وخلافنا كالأطفال؛ لا نحقد ولا نركنُ إلى زاويةٍ مظلمة متجاهلين أو مكابرين أو محاولين إلغاء إنسانيتنا وشطبَ أحاسيسنا عن الوجود..