الانقلاب الأمريكي مخاوف وأسباب
خليل الجبالي
مستشار بالتحكيم الدولي
إن حالة الترقب والقلق الأمريكي من المستجدات في الساحة السياسية المصرية جعلها تتحرك علي كل المستويات الدبلوماسية المختلفة، مستخدمة بذلك أداوتها السياسية من ضغوط وتفاوض وحوار وتواصل ومساومات.
فهاهي الاتصالات مستمرة بين وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاغل والسيسي بعد تصريحات الأخير بحصوله علي تفويض الشعب لفض الإعتصامات بكل الطرق حيث أن تلك الإعتصامات تهدد الأمن القومي بزعمهم ، لذا فقد طلب تشاك هاغل من السيسي إصداره أمراً للجيش المصري بضبط النفس أثناء التعامل مع الاحتجاجات التي تشهدها مصر ودراسة المستجدات بعد زيار اشتون التي طلبت ضرورة إجراء عملية مصالحة شاملة.
إن رسائل أمريكية من أوباما إلي عدلي منصور بسرعة إقامة نظام مدني يحترم حقوق جميع المصريين، مع تأكيد أوباما علي الدعم الأمريكي للنظام الجديد بكل أنواع الدعم المطلوب حتي ينحج ويتخطي هذه المرحلة في أسرع وقت !
إن رفض الإخوان المسلمين التعامل مع المسئولين الأمريكان نتيجة إكتشاف ضلوعهم كمحرك أساسي في الإنقلاب جعل المؤسسة الأمريكية لا تستطيع أن تتحاور مع جماعة الإخوان المسلمين الذين يتهمون السفيرة الأمريكية آن باترسون بمشاركتها الضليعة في عملية الإنقلاب ، وتهديدها للدكتور مرسي قبل بداية الإنقلاب بلحظات.
إن القلق والإضطراب يساور أمريكا في حالة فشل الإنقلاب حيث أن مؤيدي الشرعية يعلمون أنها هي الداعمة الأول له .
ولذا فإن الدلائل تشير إلي أن السفيرة الأمريكية تعد حقائبها الآن للرحيل خارج مصر حيث أن المؤشرات تتجه نحو فشل كل الطرق في البقاء علي الإنقلاب وخاصة بعد زيارة آشتون للدكتور مرسي الذي اتضح لأمريكا من خلالها إصراره علي تمسكه بالشرعية وعودته كرئيس للبلاد وعندها كل شيئ قابل للنقاش والتحاور مع أي جهات في ظل الشرعية والدستور.
إن أمريكا أيقنت أن الدكتور مرسي صلد لا تؤثر فيه الأحداث أو المؤامرات، وأخرها ما حدث من إنقلاب عسكري عليه والذي بدى للعالم كله أكثر جلداً وصرامة، ووضح لهم أن جماعته أكثر تنظيماً وحشداً، ولديها القدرة علي تحمل المسئولية، وتبعة ما تخطو إليه ، مما جعل أمريكا تفكر جيداً في حجم الأضرار التي ستقع عليها في حالة رجوع مرسي والتي بدت وشيكة علي التحقيق.
إن إسرائيل أبدت رعبها الكبير علي لسان الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز في حالة فشل الإنقلاب حيث قال : إن إسرائيل ستعاقب في حال فشل الإنقلاب العسكري في مصر، ثم عبر مجدداً للمسؤولين الذين يلتقيهم مؤخراً عن قلقه الشديد مما يسميه "العوائد الكارثية" للدعم الإسرائيلي المعلن للانقلاب على مرسي وتجنيده نتنياهو لتوفير دعم سياسي ومالي ودولي للانقلابيين.
إن ماصرح به نتنياهو يوم الإثنين 29 يوليو في قناه التليفزيون الاسرائيليه الثانية أن نجاح الإنقلاب علي مرسي أهم من إحباط البرنامج النووي الإيراني.
وما صرح به الجنرال الصهيوني رؤفين بيدهتسور يبين مدي دعمهم للإنقلاب العسكر فقال: [ إن تورط الجيش المصري في السياسة علي هذا النحو سيضمن إستمرار تفوقنا النوعي والكاسح علي العرب لسنين طويلة].
وكذلك طلب نتنياهو من أوباما الضغط علي الزعماء العرب وغيرهم لتكثيف زياراتهم لمصر من أجل تكريس شرعية الانقلابيين كما أعلنت ذلك القناة العاشرة الاسرائيلية.
إن الضغوط علي الإدارة الأمريكية كبيرة ومتعددة هذه الأيام سواءً كانت ضغوط داخلية من خلال الكونجرس ومنظمات المجتمع المدني التي ترفض الإنقلاب العسكري لأنه مخالف للقوانيين الأمريكية أو من ناحية اللوبي الإسرائيلي داخل أروقة القيادة الأمريكية التي عبرت عن رعب إسرائيل من عودة مرسي مرة أخري.
وكذلك الضغوط النفسية في الإدارة الأمريكية لإخفاقاتها المتتالية سواءً كانت في الإنقلاب العسكري علي مصر أوقضية كوريا الشمالية أو تسريب المعلومات الإستخباراتية بالغة الحساسية من خلال إدوارد سنودن الموظف السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية الذي قام بتسريب معلومات حول برنامج أمريكي سري للمراقبة الإلكترونية الدولية وغيرها.
إن الخسائر المتلاحقة للإدارة الأمريكية يجعلها مهزوة القرار ومرتعشة اليد بتورطها في الإنقلاب العسكري علي الرئيس الإسلامي الذي أتي من خلال الإنتخابات الحرة النزيهة والتي شهد بها جيمي كارتر من خلال مراقبة مركز كارتر للسلام علي تلك الإنتخابات المصرية.
إن أمال أمريكا تبددت علي أعتاب ميدان رابعة العدوية بإستمرار التظاهر السلمي لمؤيدي مرسي في ظل الإخفاقات المتلاحقة لمسئولي الإنقلاب العسكري سواءً من ناحية كذبهم الفاضح أوتشتت أرائهم وحرصهم علي المكاسب الشخصية بغض النظر عن نجاح الإنقلاب من عدمه علي الرغم من فشلهم الزيع الذي لحق بهم في ظل الإنتخابات التي جرت في الساحة السياسية المصرية مما أوقع أمريكا اليوم في ورطة ووقفت مكتوفة اليدين الذي إضطرها بدفع الإتحاد الأوربي وبعض دول الغرب لمحاولة الوصول إلي نتيجة ترضيهم بإستمرار الإنقلاب كما هو مع تغيير بعض بنود الخطة التي كان متفق عليها.
ولكن هيهات هيهات أن تصل أمريكا إلي النيل من مرسي ذلك الرجل المخضرم في الحياة السياسية والذي تربي في ظل جماعة نالت من الطعنات التي جعلتها تقف اليوم موقف المجاهد الذي لا يبالي بالشدائد، وصاحبة القرارات المستمدة من الحشود الشعبية التي تبحث عن مصلحتها في الحرية والديمقراطية المفقودة سنوات عديدة.
إن إنهزام أمريكا في الإنقلاب العسكري علي الحكم سيجعلها تتراجع كثيراً عما بدأته في بلاد ثورات الربيع العربي الآخري رغم ضغوط دول الخليج مثل الإمارات والبحرين والسعودية في إستمرار تلك الإنقلابات والعمل علي نجاحها حتي تنجو بنفسها مما قد يلحق بها مستقبلاً في تغيير مماثل لخريطتها السياسية.
إن أمريكا في ظل هذه الأحداث السريعة والمتغيرة لا تري إلا مصلحتها الدولية التي تحاول أن تحافظ عليها حتي في ظل عودة الرئيس الشرعي الدكتور محمد مرسي، لذا فالتراجعات ستكون كثيرة حتي بعد محاولاتها بتدمير الإقتصادي المصري الذي تنتهجه هذه الأيام من خلال الإنقلابيين الذي يجرفون أموال مصر من خزائنها خارج البلاد.