مصر من أين إلى أين؟

ولادة المعنى من رحم المعاناة

د. خالص جلبي

[email protected]

ما جرى انقلاب عسكري حتى ولو كان الأخوان في قائمة الأذلين والخاسرين والفاشلين. ليس الكلام عن نجاح وفشل الإخوان .أنت تعرف رأيي فيهم منذ كتابتي في النقد الذاتي وضرورة النقد الذاتي للحركات الإسلامية. الإخوان في حاجة إلى تغيير الكود الثقافي في نواة خليتهم العقلية.

ولكن كل المشكلة هي في إجهاض التجربة الديموقراطية لصالح العسكر. اعط الإخوان فرصتهم طالما جاءوا بصناديق الاقتراع. في الانتخابات القادمة أسقطهم إذا فشلوا. وإذا تجبروا أسقطناهم كما سقط المبارك بدون بركة.

الإخوان يشفع لهم شيء واحد، وهو غير مضمون للمستقبل نظافة أيديهم. لا يمكن ان يقارنوا بعصابة مبارك.

أعطهم الفرصة ليس من اجلهم ولكن من أجل اليدموقراطية وقطع الطريق على الوحش والعسكري وترويضه بحبل وسوط كما يروض سبع السيرك، وفهم قبل ذلك ولكن متى فهم العسكر؟ إنهم في الشريحة الأسفل في الدراسات النفسية. إنهم الطلبة الفاشلون. إنهم الاسمنت كما جاء في فيلم ياماكازي! قال ضابط الشرطة وهم يطاردون أطفالا أبرياء يحاولون إنقاذ طفل مغربي من فشل قلبي نحن اسمنت هل يفكر الاسمنت؟ كذلك كان قدر العسكر. إنهم كالسيف والبندقية هل فكرة البندقية يوما على من تطلق النار؟ هل فكرت شفرة السيف رقبة من تقطع؟  وفي الانتخابات القادمة سيسقطون، ولكن المهم هو إنجاح التجربة الديموقراطية، أن الحكومات تزاح بالانتخابات وليس بالبسطار العسكري؟

لذا فالسيناريو الثاني هو ما سيحدث، أي حمام دم كما كتبت في مقالتي عن استراتيجية الصراع مع سمك القرش. لعلك اطلعت عليها. وقد يكون أفظع من سوريا . سوريا أرادت الحرية فانتفضت؛ فجاء ملالي إيران لنصرتها من خندق مذهبي متعفن من قضية أكل عليها الدهر وشرب وتقيأ وبال عن  معركة شخصين ايا كانوا اختلفوا واقتتلوا وأثبتوا أنهم من الفاشلين. في الاقتتال الداخلي ضاعت الخلافة الراشدة بين مجانين وانتهازيين وجماعة تقول إن هذا الدين هو لحساب عائلة؟ إنه أمر مضحك لولا أن كمية الدماء التي سالت من أجل هذه النكتة مازالت في الجريان. كما يموت الناس في الطواعين والحميات حتى يأتي زمن العلم وحقن البنسلين. فهذا هو طريق إزالة الأمراض والعفونات.

دخلت دول على الخط حين انحرفت الثورة لصالح الحرب. وما سوف يحسم الأمر في سوريا في النهاية سيكون على الأغلب مصالح الدول المتصارعة. إذا حصل الثوار ولو على حصة بسيطة في هذ الصراع ، قد يبقى لنا أمل أن تكتحل عيوننا برؤية الوطن من جديد، وإلا فمصيرنا مثل البلاشفة البيض.

حين احتدمت الحرب الأهلية في روسيا  انتصرت الديكتاتورية .

كما حصل في إسبانيا مع فرانكو ونجاح اليساريين في الانتخابات فقلبهم وأبادهم في جورنيكا وبالطيران الفاشي والنازي.

هرب عشرون مليون روسي أبيض من جحيم الشيوعية، بغير عودة فبنوا أوربا وأمريكا ؛ فمنهم من اخترع التلفزيون ومنهم من طار بالهيليكوبتر. إنهم يذكرون بنفس هريببة علماء القسطنطينية حينما اجتاحها العثمانيون فهربوا إلى أوربا وبنوها. كما يفعل السوريون الأسطوريون فيبنوا زوايا العالم الأربع حيث تشردوا على يد فصيلة السنوريات السورية.

قال لي صديقي سفيان في مدريد، لقد اختفى أناس من خصوم فرانكوا لمدة أربعين سنة حتى مات الجبار عام 1975 فخرجوا يتنفسون الهواء النقي مذكرا بفيلم سجين شواشونج. الذي مثلته هولييود في فيلم.

لقد مررت على قبر فرانكو ودعست على ضريحه وضريح مساعده الأشد إجراما. لفت نظري صليب إي والله صليب رفعه المجرم وأحسن بناءه وهو رمز سيد الرحمة عيسى بن مريم. ارتفع على نحو شاهق لم أر مثل ارتفاعه سألت صديقي الديري سفيان ما باله؟ قال هذا أعلى صليب في العالم ولكن من بناه كان الشيوعيون الذين سخرهم للبناء من معتقليه في أقبية السجون عذبهم مرتين ببناء نصب يلعنونه.

الثورة عزيزي حين تنحرف إلى الحرب تعني خمس أمور أو معادلات:

الحرب تعني القتل والتسلح

التسلح يعني التمويل

التمويل يعني دخول الدول على الخط

ومعها المخابرات وكل وسخ السياسة وقذارات وأوحال  السياسيين

ودخول دول الدول والاستخبارات والعسكر على الخط معناه

الجريمة والإفلاس الأخلاقي ومعه الجنون يقينا؛ فالحرب تعني ثلاثا: من أي دولة شنت وفي أي مكان وقعت ومن كان خلفها أيا كان تعني: الجريمة والجنون والانهيار الأخلاقي. من يبدأ الحرب يفرح ومن ينهيها ينتحر أو يبقى حسيرا بقية عمره كما حصل مع هيروهيتو وهتلر أو مسوليني الذي التهم إثيوبيا وليبيا فانتهى معلقا عاريا منكا سمع عشيقته كلارا مياتتشي مثل خارف في المسلخ البلدي.

هل يعقل أن يقتل إنسان أنسانا لا يعرفه. يقول فولتير إنه الجنون وليس غيره أن يقتل الناس بعضهم على الأوامر؟

هل يقدم على هذا عاقل ؟ سبحانك اللهم تبنا إليك.

الثورة ـ الحرب ـ التسلح ـ القتل ـ الدول ـ الإفلاس الأخلاقي وإرادة الدول، ومصالح الدول

بكلمة مختصرة: من يعطيك السلاح والمال سوف يفرض عليك رؤيته ومصالحه كما هو واقع في العراق اليوم.

حدثتني عراقية أن أي نفط يباع في العراق يجب أن يوقع شيكه من المندوب الأمريكي الخفي.

ليس هنا ما أريده، ولكن أقول أريد أن أعقب على مقالة الأخ أنه قال بفكرة خاطئة عن ديكتاتورية الأغلبية وأن ماحدث في مصر هو دكتاتورية الأغلبية. الاستعراضات الميدانية ليست هي الحكم.

العقلانية وصناديق الاقتراع يجب أن تكون هي الحكم.

يمكن أن يخرج مائة متظاهر ثم وبواسطة الفوتو شوب والانفوميا أن نجعلهم مائة الف ومليون. كما رأينا في فيلم التيتانيك أن كل المحيط كان بركة صغيرة.  

جوابي ليس ثمة أغلبية بل عسكر ببسطار قذر وسلاح أوسخ واستخبارات تدير المعركة وأموال وسخة تصب في ضمائر أوسخ.

ماذا يفعل المصريون أمام تمساح العسكر؟

المواجهة السلمية ولن يصبروا عليها كما حصل في سوريا مع استفحال القتل؟

الانسحاب إلى بيوتهم، والاستعداد لحياة طويلة من النضال السلمي، مع الحبوس والفلق والاعتقالات والتعذيب والتشريد والتهميش.

نعم هذا ماحصل لحواريي المسيح حتى فازوا ولكن من يقرأ التاريخ؟

أو مناجزة الجيش بالسلاح لاسترداد الشرعية المسلوبة، كما فعل جهاديو الجزائر وخوراج العالم القديم.

الثالث يعني استبدال اللاشرعية من جديد باللاشرعية.

النضال السلمي؛ أشك أن تكون المعارضة بمن فيهم الإخوان مدربين على مثل هذا الأسلوب، وستكون نهايتهم ألعن وأشرس وأفظع من المعارضة السورية.

ربما العود إلى البيوت، والعود أحمد، وأفضل من حمام دم الجزائر وشلالات دم سوريا.

فعل هذا الأتراك ونجحوا فلجموا الوحش العسكري في قفص، وحاكموا رجاله ولو تقوس ظهر أحدهم وطقطقت عظامه وعشي بصره واشتعل الرأس شيبا.

هذا ما جرى وهذا ما اظن أن على المعارضة المصرية فعله. ولكن في الأرجح سيحصل الخيار الذي رسمته في الصراع مع سمك القرش.

أي أن يسحبهم القرش العسكري إلى لجة المياه العميقة؛ فينهش لحمهم، ويطحن  عظامهم، ويفترسهم في وجبة شهية، ويصفق المغفلون لهذه المسرحية، أمام مياه زرقاء تحولت إلى لون أحمر زاهي قاني.

لك الحب والتقدير يا أحمد.

ألا لعنة الله على العسكر فهم خير بيادق في يد أشرار خبثاء ملاعين لايعرفون الرحمة، قساة لايخترق قلبهم نور ويقين .

تذكر ياصديقي العديد من الانقلابات بدء من عبد الناصر على نجيب. سوهارتو في اندنوسيا. موغابي في الكونجو وقتل هامرشولد السويدي الأنساني أول رئيس لجمعية الأمم. تاهيتي. في إسبانيا فرانكو. مصدق في إيران.

دوما تفعل أمريكا نفس اللعبة؛ فتاتي بالعسكر حتى تستهلكهم، مثل ممسحة زفر (وسخ المطابخ) عفوا، إذا أدوا دورهم لفظتهم في سلمة مهملات التاريخ ولا تبالي

ولن يخرج السيسي والميمي والجيجي عن هذه اللعبة القذرة يقبضوا مالا وسخا ويذهبوا إلى مزبلة التاريخ.

كانت نصيحتي للإخوان،  وأيضا الغنوشي في تونس، وكذلك بنكيران في المغرب، وينطبق نفس الشيء على أخوان سوريا، ان يتركوا السياسية ولا يدخلوها، ويعنوا بأخلاق الناس وتحسين الثقافة والاقتصاد والبلديات، ولكن لعابهم سال للسلطة بأكثر من الجرذ فهو حلمهم منذ ثمانين سنة. هذا ايضا ماجعلهم مترددين في أول الثورة ثم قفزوا في التيار. إنه غرام السلطة السقيم.

إما فهمنا وتصرفنا وإلا فلن تزيد حياة أحدنا عن حلقة دخان وذرة غبار غادرها الوعي . دعنا نتفائل فلا نسرف فيه. ولا نتشاءم فهي علامة انحطاط

إنها ولادة المعنى من رحم المعاناة