السيسي الزعيم إذ يطلب البيعة .. وتفويضا بالقمع!!
ياسر الزعاترة
حين كان الرئيس المؤقت يرعى مؤتمرا للمصالحة، خرج الفريق السيسي بخطابه “التاريخي” العظيم، والأرجح أن الأول لم يكن على علم بمضمونه، وربما بنية إلقائه أصلا، فقد جاء ضمن مناسبة عادية من مناسبات الجيش، وهذا يشير إلى هوية الرئيس الفعلي للبلاد.
ثمة أكثر من بعد يمكن الحديث عنه في خطاب السيسي قبل الحديث عن التداعيات التالية لإعلان الحرب الذي تضمنه الخطاب، ولعل البعد الأول في الخطاب، وهو الثاني، وربما الثالث من حيث الأهمية، يتمثل في إعادة ترميم خطاب الانقلاب الذي وقع نسفه كاملا خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، إذ نسفت سائر المبررات التي سيقت لتبريره، أكان من حيث التضخيم الكاريكاتوري للجموع بعد فضيحة الإخراج السينمائي لها عبر المخرج خالد يوسف، هذا بفرض أن أحدا قد اقتنع بحكاية الـ17 مليونا التي ظلت تتضخم إلى أن وصلت 33 مليونا؛ هم أكثر من ثلاثة أرباع السكان إذا استثنينا غالبية النساء والأطفال دون الثانية عشرة وكبار السن.
وحين أراد أن ينفي محاولته الوصاية على الرئيس أو خداعه، واستشهد بالدكتور العوا، نفى الرجل ذلك، وكذلك حال رئيس مجلس الشورى، وحين قال إن البيانات العسكرية كانت تصدر بعلم الرئيس، خرج هشام قنديل لينفي ذلك، لكن ذلك لا يغير في حقيقة أن الرجل كان يحاول تبرير الانقلاب من جديد، ونفي أنه انقلاب فيما تشهد الغالبية الساحقة من دول العالم أنه كذلك.
الشق الثاني من الخطاب، وربما الأهم هو أن السيسي كان يطرح نفسه رئيسا للبلاد، فهو تحدث كزعيم أوحد، وهو حين طلب خروج الناس إلى الشوارع يوم الجمعة، فإنما كان يطلب بيعة له كرئيس أكثر من مواجهة العنف والإرهاب لأن مواجهة العنف والإرهاب لا تتطلب تفويضا من الشعب، بل هي من واجبات الجيش وأجهزة الأمن.
من العبث الاعتقاد بأن السيسي بعد أن رتّب كل شيء سيترك السلطة ببساطة، وقد تحدثنا في مقال سابق بعنوان “السيسي رئيسا” عن الشواهد التي تؤكد نية الرجل الترشح للرئاسة، وها إن الخطاب الجديد يؤكد ذلك بشكل واضح، وفي اعتقادي أن القوى الداعمة للانقلاب ستؤيد ذلك بكل قوة، ولا يحتاج الأمر إلى أكثر من انتخابات مرتبة بشكل جيد. وإذا كان أحمد شفيق حصل على ما يقرب من نصف الأصوات، فإن تأمين ثلثيها للسيسي لن يكون صعبا بحال من الأحوال، وهو سيحظى بحملة انتخابية ممتازة بتمويل دول الخليج الداعمة، فضلا عن دفع منافسين للانسحاب بعد ترضيتهم, كي يؤمَّن فوزه من الجولة الأولى.
البعد الثالث في الخطاب والذي جرى التركيز عليه كثيرا هو طلب تفويض شعبي من خلال نزول الناس إلى الشوارع، وهي مفارقة غريبة لا تحدث في أي مكان من العالم، وربما لم يحدث لها مثيل في التاريخ، وهي كما قلنا طلب بيعة، لكن البعد الآخر فيها يتمثل في قرار واضح بجعل “العنف والإرهاب المحتمل”، ولنضع خطوطا كثيرة تحت كلمة المحتمل، بجعله واقعا معيشا من خلال الدس والاختراق والتزوير بهدف تبرير القمع الدموي، ومن ثم تحميل الإخوان المسؤولية عبر إعلام كاذب فاجر، يدعمه إعلام عربي آخر يتبنى الانقلاب ويعادي الإسلاميين بشكل مرضي.
لا شك أن حشود الشرعية التي تتواصل منذ قرابة شهر كامل قد نسفت خطاب الانقلاب وسحبت شرعيته على رؤوس الأشهاد، ولذلك سيكون مطلوبا من أجل أن تمضي خريطة الطريق بثوبها الحقيقي أن يتوقف الإسلاميون عن الاحتجاج، وتهديد الجيش بمنح أنصار الشرعية مهلة حتى يوم السبت دليل على ذلك، وعليهم من ثم أن يقبلوا بما تجود به عليهم مؤسسة الانقلاب، والذي لا يتعدى ما جاد به عليهم حسني مبارك في مرحلة من المراحل ممثلا في أقل من 20 في المئة من مقاعد مجلس الشعب، وربما تتوزع العشرين في المئة عليهم وعلى الإسلاميين الآخرين الذي أيدوا الانقلاب.
لا شيء يشير إلى نية حسنة لدى الانقلابيين، وهم لم يعرضوا على الإسلاميين أكثر من خروج آمن، مع أن هذا الخروج الآمن ليس مضمونا أيضا، إذا لا أحد يضمن عدم الملاحقة التالية، وعموما سيكون هذا اليوم الذي نكتب قبل أن نعرف تفاصيله مهما لقراءة المشهد التالي، وإن كان أكثره واضحا، ويتمثل في عملية قمع وساعة يلهيها المضي في برنامج ديمقراطية الديكور التي تستعيد مفردات النظام السابق بثوب جديد.