حضور الحضور وغياب الغياب

لمن كان له قلب

زهير سالم*

[email protected]

حين يفرح أصحاب المقاعد بمقاعدهم ، ويظنون أن الإنجاز الأهم في المرحلة الدقيقة من عمر هذه الثورة المباركة هو التسند عليها فإنه لا بد من تذكرة تعيد الحق إلى نصابه ، وتضع أصحاب المسئوليات أمام مسئولياتهم .

يدرك السواد العام من السوريين أن  ما يظن البعض أنه مقعد مسئولية أو صدارة أو إنجاز أو فعل ما هو في الحقيقة إلا مقعد إشغال وإلهاء وعبث ،  يحمل أصحابه مسئولية تاريخية ، ويشغلهم عن حقيقة ما يجري خلفهم ، ويتعب خيلهم في باطل ، ويصرف جهدهم وأبصارهم إليه في الوقت الذي يجدّ فيه الآخرون على الأرض زرعا أو قطعا !!

ودعوى ( الحضور خير من الغياب ) دعوى عريضة يظل البعض يكررها على مسامعنا بلا رأي ولا روية . نعم الحضور في مجلس الدعوة إلى الخير ، والانشغال بالبر ، وإحراز التقدم في ميادين الإنجاز هو ليس فقط خيرا من الغياب بل هو فريضة وقت لمن هو معني بالعطاء . ولكن حضور مجالس اللغو والخوض في الباطل والجري وراء الوهم هو من الحضور الذي أشارت إليه آيات كثيرات : (وإذا رأيتم الذين يخوضون في آياتنا فلا تقعدوا معهم ..) ( فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الكافرين  ..) ( وإذا مروا باللهو مروا كراما ) ( فقل سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين ) ..

ثم أن يلجأ المرء في لحظات من وهم الذات إلى شراء كرسيه بدماء الصامتين من بني قومه ، بعيدا عن رأيهم وقرارهم والمراهنة في كل مرة على صمتهم وتعقلهم وحكمتهم وأناتهم لا يمكن أن يمر في كل مرة كما يحب مشتهيه . ..

الحقيقة الصارخة التي يتصامم الكثيرون عنها أنه بينما ينشغل البعض بتمويه وتزيين مقعده ويعتبره غاية الانجاز وهدف الثورة ويختصر فيه أمل وألم شعب وفريق من الناس عانى على مدى أربعة عقود فإن هناك من يسبق بجد لنفسه وصدق مع مشروعه ليضع بصماته على أرضنا ورقابنا ونحن غافلون أو متشاغلون ...

لماذا لا يقفون وقفة صدق وجد مع المشروع الذي يتقدم بصدق أهله مع أنفسهم في الشمال الشرقي لوطننا الحبيب ؟! مشروع يعمل عليه عاملون وجنود مجندون وتدعمه دول  بكل ما يشتهي ويريد ..؟! أليس الحضور لمواجهة هذا المشروع خير من الغياب عنه ؟

لماذا لا يتساءلون عن الخطر القادم من قريب وبعيد تحت رايات وعناوين يحمل أجندته بكل ما فيها من خير وشر ونعمى وبؤسى : كيف نتعامل معه ؟ كيف نحتويه ؟ كيف نحمي مشروعنا وشعبنا من تداعياته ؟ والحديث عن هذا المشروع لم يعد حديث عمات وخالات  بل هو مشروع قائم على أرض الحقيقة ، يتهربون من الحضور للوفاء باستحقاقات احتوائه إلى مقاعد القيل والقال وهدر الجهد وإضاعة المال ..

لا أحد ينشغل بما يقال عن مشروع أطلق عليه إعادة تأسيس ( جيش وطني ) جامع ومستقبلي . لمن ترك هذا الحضور وبماذا يعلل هذا الغياب ؟!  ومن الذي سيسبق إليه ؟ وما الذي سيحمي مشروع شعبنا الثوري من تجربة جيش الشرق القديم ، أو تجربة عبد الفتاح السيسي الجديدة ..

ومشروع بشار الأسد وحزب الله وإيران  الذي لا يزال حقيقة قائمة على الأرض ، في الوقت الذي يظن البعض أنه قادر على حربهم بما يمطرنا به من سيل البلاغات والتصاريح ..

ومشروع .. ومشروع .. ومشروع ...

نختصر حضورنا إزائها بمقعد معلق بحبال الوهم . وبوعد سبقته من قبل وعلى مدى عامين وعود ..

حين تصبح الأرض السورية نهبى لأصحاب التطلعات والمشروعات والمخططات الذين يعملون ويجدون ويخططون ويبرمجون سيكون الحضور الحقيقي هناك حيث تسيل الدماء وتسفح العبرات ..

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية