نصف دزينة الأخطاء التي أسقطت مرسي

تعلم كيف تخسر الرئاسة في عام واحد

طريف يوسف آغا

[email protected]

فوجئ العالم يوم الأربعاء 3 تموز 2013 بقيام الجيش المصري بعزل الرئيس المنتخب (محمد مرسي) والذي بالكاد مضى على انتخابه عام واحد، وتعيين رئيس المحكمة الدستورية بدلاً عنه كرئيس انتقالي لحين إجراء انتخابات مبكرة. وبالرغم من الملايين التي تظاهرت ضد الرجل في ميدان التحرير، ومن الأحزاب السياسية المعارضة التي نادت باسقاطه، فليس هناك توصيفاً لما حدث إلا بأنه انقلاب عسكري بامتياز. فالملايين وكذلك الأحزاب المعارضة كان يقابلها ملايين وكذلك أحزاب مؤيدة، إلا أن الجيش انحاز للمعارضة وحسم الأمر في الوقت الراهن على الأقل. فما الذي حصل خلال العام الماضي وأدي إلى سقوط (مرسي) وبهذه الطريقة الدرامية؟

 بالرغم من أني لست ولم أكن في يوم (إخوانياً)، وبالرغم من أني أشك في قدرة المتشددين دينياً (مهما كان دينهم) على النجاح في العمل السياسي المعاصر، إلا أن الأمور تقيم بظاهرها ونتائجها. ورأي الشخصي هنا أن الرجل، ومعه حكومته، كان يستحق فترة رئاسية كاملة لتقييم أدائه، وليس خلعه بهذه الطريقة بعد عام واحد فقط. هناك من يقول بأن المعارضين ثاروا لأنهم لن ينتظروا الرجل ليقوم بعملية (أخونة) مصر خلال الأربعة سنوات فيصبح من المستحيل إزاحته. أرد على هؤلاء بأن الثلاثين عاماً التي قضاها (مبارك) في تجذير الفساد لم تحمه من الثورة التي استغرقت أيام فقط للاطاحة به. وعلى كل، فلست في هذا المقال بوارد الدفاع عن (مرسي) ولكن لعرض الأخطاء القاتلة التي ارتكبها هو وحزبه (الاخوان) والتي دفعت الجيش للانقلاب عليه، وهي حقائق لاأعتقد أن هناك من يختلف حولها لابين المؤيدين ولاالمعارضين.

1- الجميع يعرف أن (الاخوان) لم يبدوأ ثورة (يناير) قبل عامين، بل وقفوا يتفرجون عليها عن بعد، حتى أنهم قبلوا الاجتماع مع نائب (مبارك) قبل استقالة الأخير بأيام بالرغم من مناشدة شباب الثورة لهم بعدم الذهاب وعقد تفاهمات جانبية قد تقوي النظام وتؤخر انهياره. ثم وبعد انتصار الثورة قفزوا إلى مركبها وادعوا أنهم من صانعيها. هذا التصرف أساء لسمعتهم وأضر بصورتهم عند الشعب، وهي كانت بمجملها صورة ناصعة لمعاداتهم لنظام (مبارك) الفاسد.

 2- كلنا تابعنا الأحداث التي تبعت انتصار الثورة، وكيف صرح (الاخوان) بأنهم لن يقدموا مرشحاً للرئاسة، بل سيكتفون بمجلس الشعب والمعارضة السياسية. فاذا بهم بعد فترة وجيزة يتراجعون عن تصريحهم هذا ويخوضون الانتخابات، مسيئين بذلك لمصداقيتهم عند الشعب من جهة وكاشفين عن تعطشهم للحكم، مثلهم مثل غيرهم، من جهة ثانية.

3- حين وصل (مرسي) إلى الرئاسة، كانت قد سبقته إليه الزلتان السابقتا الذكر والتي وقع فيهما حزبه، وربما كانا السبب بفوزه الباهت وبفارق ضئيل على منافسه (أحمد شفيق) المحسوب على فلول النظام الساقط. وهنا أرى أن شخصية (مرسي)، التي توصف بالعنيدة ولم تساعده، كانت أحد أهم الأسباب التي جعلته يفشل في إجراء مصالحة وطنية بعد وصوله إلى سدة الحكم. فمن بديهيات السياسة هي المرونة والبراغماتية، وهذا ماكان واضحاً أنه لايملكه كما ولم يحاول أن يتعلمه.

4- اتهمه معارضوه من الشعب ومن الأحزاب السياسية بأنه يقوم بعملية (أخونة) للمجتمع المصري باستئثار أعضاء حزبه بالمراكز القيادية من وزارات وإدارات وغيرها. ويبدو أنه لم يهتم لذلك كثيراً ولم يفعل مايمكنه من الانكار، فلقبوه برئيس (الاخوان) بدلاً من رئيس مصر.

5- حين لم يحصل من دول الخليج على المساعدات الاقتصادية التي يحتاجها، لأسباب سياسية وغيرها. فلجأ إلى (إيران)، عدو العرب عموماً ودول الخليج خصوصاً، لطلب المساعدة، كما وتبادل الزيارات مع الرئيس الايراني (أحمدي نجاد). طبعاً لم ترده (إيران) خائباً، ولكنها اشترطت عليه المرونة مع (نظام الأسد) وتسهيل نشر (المذهب الشيعي) في بلده مقابل عدة مليارات من الدولارات وكذلك تشجيع السياحة الايرانية في مصر. ويبدو أنه وافق على تلك الشروط في البداية، فأعاد القائم بالأعمال المصري إلى سفارته في دمشق وسمح بمرور سفن الأسلحة الايرانية المتوجهة إلى سورية بالمرور من قناة السويس كما وبدأت جحافل السياح الايرانيين تظهر في شوارع القاهرة وغيرها، مما سبب ضده غضباً شعبياً امتد إلى من كانوا يعدون من الموالين له.

6- الأمور السابقة كانت داخلية بحتة أثارت عليه غضب الشعب، إلا أنه حين أقدم في الشهر الماضي على حسم أمره بخصوص نظام الأسد، اتخذ خطوة أثارت عليه غضب (إسرائيل) والغرب والشرق في آن واحد. وقد حدث ذلك حين استضاف مؤتمراً لعلماء المسلمين انتهى بدعوة المؤتمر للجهاد في سورية ضد النظام المذكور. وطبعاً لاداعي لشرح الأسباب التي دعت روسيا وإيران للغضب، ولكنه أيضاً أغضب (إسرائيل) لأنها لاتزال المستفيد الأكبر من بقاء الأسد، فهي من قام الأب باهدائها الجولان عام 1967ويقوم الابن بحمايته لها، وبطبيعة الحال فما يغضب (إسرائيل) يجب بالضرورة أن يغضب الغرب والعكس بالعكس. ومن جهة ثانية فليس لأحد، لافي الشرق ولاالغرب أن تصبح سورية مقراً للحركات الجهادية وهذا مايقلق (إسرئيل) بصورة خاصة.

 من جهتي، وبناء على ماأرى من تردد الغرب وعدم جديته في تسليح الجيش السوري الحر لوجود الفيتو الاسرائيلي على ذلك، فيبقى الجهاد هو الوسيلة الوحيدة لهزيمة نظام الأسد، وبالتالي فحين قرر (مرسي) دعم ذلك كان عليه تجنب القيام به علناً. لم يكن الغرب راض عن مسار الديمقراطية الفتية في مصر، حيث كانت ثورة 25 يونيو هي الأكثر مثالية بين بقية ثورات الربيع العربي كما أن الحكومة التي أفرزتها اتسمت بالنكهة الأكثر إسلامية بينها. ثم أتت عدم خبرة الرجل السياسية، والتي ورطته في تلك الأمور وأغضبت شرائح كبيرة من الشعب، لتجعل الغرب يستغل ذلك ويوعز للجيش للقيام بانقلابه دون أي تأخير. وقد تجلت مقدمات هذا الانقلاب بما حدث لأهم مؤيدين لنظام (مرسي) في المنطقة، حيث تمت محاصرة وإلهاء (تركيا) بالمظاهرات ثم تغيير الحكم في (قطر) بذلك الشكل (الغير مسبوق).

 لاشك أن الأيام القادمة ستحمل المزيد من التطورات على ماحصل في مصر، كما ستكشف المزيد من الخفايا ورائه. وأرى أن تورط الأزهر والكنيسة القبطية في هذا الانقلاب وتأييدهما له لم يكن بالقرار الحكيم لأي منهما، وإن كنت لم أتفاجأ به، فهما كانا من أقرب حلفاء (مبارك). وبالتالي لاغرابة في وقوفهما مع الانقلابيين في صف واحد وجنباً إلى جنب مع (فلول) النظام البائد التي لبست قميص المعارضة بعد الثورة. أما من يقول لي اليوم أن أسماء كعمر موسى ونبيل العربي وأحمد شفيق، ناهيك عن محمد البرادعي، هي أسماء شخصيات معارضة، لاعتبرت ذلك (نكتة الموسم) بلا منازع.