"عبرا".. ليست نهاية المواجهة في لبنان

"عبرا".. ليست نهاية المواجهة في لبنان

ياسر الزعاترة

وحدهم أبواق حزب الله المنتشرين في طول الإعلام العربي وعرضه، ومن ضمنه اللبناني، هم من ينفون مشاركة حزب الله الفاعلة في معركة «عبرا» التي حوصر فيها الشيخ أحمد الأسير وأنصاره داخل مسجد بلال بن رباح، فقتل منهم من قتل، فيما فرَّ الآخرون إلى أماكن مجهولة.

لا حاجة إلى القول إنها كانت معركة خاسرة، وهي كانت كذلك لأن ميزان القوى لا يصبُّ في صالح شخص يلتف من حوله ثلة من الشباب، في مواجهة حزب يمسك بتلابيب البلد، من خلال السياسة والمال والسلاح، ويتمدد في طول المؤسسات وعرضها، فضلا عن تحالف قطاع كبير من المسيحيين معه، لاسيما جماعة ميشال عون، صاحب نظرية تحالف الأقليات ضد الصعود الإسلامي السنّي.

من العبث مقارنة شيخ بسيط يعتمد التجييش العاطفي مع حزب راسخ له تجربته الطويلة في القتال، وله امتداداته الأكثر رسوخا داخل الدولة، فضلا عن تحالف آخرين معه، ما يعني أن نتيجة المواجهة كانت محسومة، لاسيما أن حسابات الشيخ الأسير لم تكن حكيمة، وربما وجدت اختراقات بين صفوف أنصاره أيضا.

لا ينفي أحد أن هناك من قدم المال والسلاح للأسير، وهو أمر طبيعي؛ ومن يعتقد أن دولا عربية عديدة، يمكن أن تسكت على هيمنة حزب الله على لبنان واهم إلى حد كبير، لاسيما أن خديعة قد حصلت حين وافق حزب الله على حكومة تمام سلام في محاولة للإيحاء بتقديم تنازل من أجل التوافق، فيما كانت النية مبيتة لتعطيل تشكيل الحكومة لمدة طويلة واستثمار حالة الفراغ السياسي؛ ليس في الهجوم على الشعب السوري فقط، وإنما من أجل إحكام السيطرة على الداخل اللبناني أيضا.

في هذه المعمعة، جرى استدراج الأسير إلى الصدام مع الجيش، وهو فخ نصبه حزب الله من أجل الإيحاء بأنه (أي الأسير) يواجه الدولة ولا يواجه الحزب، وللأسف وقع الرجل في الفخ، وخرج يطالب السنّة بترك الجيش، الأمر الذي لم يكن مقبولا من عموم السنّة وقواهم الرئيسة.

من هنا كان دفاع تلك القوى عن الأسير مرتبكا، ولا يعدو أن يتمثل في اتهام حزب الله بالتورط في المعركة، مع الاضطرار لإدانة صدام الأسير مع الجيش، ذلك الصدام الذي لم يكن مقصودا أصلا، بل كان نتاج استدراج عندما دفع حزب الله قطاعات من الجيش إلى الاشتباك معه، فكان الرد الذي أوصل الأمور إلى ما وصلت إليه.

وإذا كان القوم قد احتفلوا بالقصير باعتبارها عنوانا لنجاة بشار الأسد، وإفشال المؤامرة على نظام الممانعة، الأمر الذي ينطوي على قدر كبير من الخفة، فإن الاحتفال بمعركة «عبرا» بوصفها إعلانا لإنهاء حالة التمرد على هيمنة حزب الله على لبنان لا يخلو من خفة مماثلة أيضا.

وضع المقاومة وسلاحها هنا في السياق بات شكلا من أشكال الألعاب الممجوجة، إذ يعرف الجميع أن حزب الله قد انتهى كمقاوم بعد يوليو 2006، ونسي مزارع شبعا وثأر عماد مغنية، وجزءا مفضوحا من السياق الإيراني في الدفاع عن بشار كركن استراتيجي في مشروع طهران للتمدد في المنطقة.

المؤكد أن المعركة في لبنان ستكون أكثر تعقيدا منها في سوريا نظرا لاختلال ميزان القوى لصالح حزب الله، لكن الضعفاء يمكنهم أن يوجعوا أيضا حين يحشرون في الزاوية، وخطاب تيار المستقبل لم يعد يستهوي الغالبية السنية بعد الإهانة التي تلقتها في مايو 2008 باجتياح الحزب لبيروت، ثم بعد تدخله السافر لصالح النظام السوري، وازداد الأمر وضوحا بعد معركة «عبرا» التي زادت من شعور السنّة بالإهانة حتى لو اختلفوا مع الطريقة التي تصرف من خلالها الأسير.

نعم، الضعفاء يمكنهم أن يوجعوا، وشيئا فشيئا سيحمل المزيد من الشبان السلاح، وقد يكون بينهم بعض الفلسطينيين الذين يشعرون كما غالبية الأمة بالعدوان الإيراني متعدد الأبعاد، ولن يستمعوا بالضرورة لنصائح تحييد المخيمات التي تنطلق من هنا وهناك.

لبنان في ضوء ذلك كله لن يهدأ بعد معركة «عبرا»، بل سيزداد تفجرا، والقوى التي تواجه العدوان على سوريا، سيكون لها دورها في مد الغاضبين بما يلزم، لكن الأهم من ذلك كله هو أن الحشد المذهبي سيزداد رسوخا، ومعه صعوبة التعايش بين من يمارسون العدوان وغطرسة القوة، وبين من يشعرون بالإهانة اليومية في سوريا، وفي لبنان، بل في عموم المنطقة.