نظرة سريعة في الوضع العام لبلدان الثورات
نظرة سريعة في الوضع العام لبلدان الثورات
شهاب الدين شريطي
يتبادر إلى ذهن المتابع للوضع في دول الربيع العربي و هي الدول التي حصلت فيها ثورات
غيرت أنظمة الحكم الفاشية و الإستبدادية التي حكمت لسنوات عجاف طوال بالحديد و النار,بأن تغير ملامح الأوضاع التي كانت سائدة هو أمر هين...فقد يظن البعض بأن التغيير
هو رهن إرادة سياسية أو هو بيد مجموعة أو حزب سياسي يحكم البلاد...
بينما و حسب ما نستسقيه من الواقع و من الأحداث و الوقائع الملموسة فإن هذه النظرية
غير صحيحة بل و أكثر من ذلك فهي تعتبر سذاجة إن فكرنا فيها..لأن الواقع في بلداننا العربية
مختلف تماما و بعيد كل البعد من أن نعرف الملامح الحقيقية للديمقراطية بين ليلة و ضحاها...
فنحن شعوب تربت و نشأت على مفاهيم خاطئة و مبادئ ضبابية أو متزعزعة...فكنا نعيش
حياة القطيع الذي يقوده الراعي..ليس ذلك الحارس الأمين,بل هو الشيطان نفسه و الذئب
الذي يقتات على ضعاف الخرفان...حيث كنا جميعا خرفانا لا حول لنا و لا قوة...
كان الخوف من القبضة الأمنية الحديدية التي سلطتها الأنظمة المقبورة هو المحرك الأساسي
و الدافع الأساسي الذي يحرك الشعوب و يجعلها تنتظم بشكل كنا نظنه وعيا و تسليما بالقواعد
و القوانين الوضعية التي فرضها كل نظام سياسي...
كنا نظن أن الوازع الأخلاقي و الديني يتحكم بطريقة أو بأخرى في الحيلولة دون الوقوع
في منزلقات إجتماعية خطيرة...
لكن , أثبتت الثورات عكس هذا التوجه و عكس تلك التخمينات..فصرنا نرى كل مظاهر
الفوضى و الكسل و التفسخ الأخلاقي و التجرء على الأنماط المجتمعية السائدة و حتى
على الرموز الوطنية و الثوابت الدينية المتعارف و المتفق عليها..
تلعب الأحزاب السياسية دورا هاما في هذه الفوضى,إذ تحولت من الدور التثقيفي
و التحسيسي و التوعوي إلى دور سلبي يتبلور في التجييش و خلق نوع من الفرقة كل
حسب ميوله و أهدافه و مرجعيته و خلفيته..فترى الناس منقسمين بين إسلامي و شيوعي
و ليبرالي و علماني...
أما النقابات العمالية,و أضرب مثالا في تونس و هي " الإتحاد العام التونسي للشغل " تلك
المنظمة العريقة, فهي تخضع الآن لمجموعة من الشخصيات المأدلجة التي تسعى جاهدة لتوتير
المسار الإنتقالي من خلال تجييش أنصارها للقيام بإبتزاز العمال للقيام بإضرابات و تحركات,
هي في الأصل حق من حقوقهم في التعبير ...لكنها تكون مفسدة إن جاءت في غير وقتها
و إن غاب عن تلك التحركات الضمير.
تعيش الشعوب العربية التي حصلت في بلدانهم ثورات غيرت أنظمة الحكم, فترة عصيبة
على جميع المستويات,الإجتماعية و الإقتصادية و السياسية و حتى الثقافية..
و النظر في المسائل الشائكة يتطلب جهدا عظيما يحتاج إلى التكاتف و الوفاق, و أما
بالنسبة للأحزاب التي وصلت للحكم عن طريق الإنتخابات مثل ما حصل في تونس و مصر,
فإن هذه الأحزاب الإسلامية تتكبد الآن مشاق المسار الإنتقالي و الفترة الإنتقالية,حيث
يعتبر نيلهم ثقة الشعب لإدارة هذه الفترة الخطيرة ضربة قوية ستهدد شعبيتهم و إنتشارهم
و تماسكهم..
يظن الكثيرون بأن المسار نحو الديمقراطية بعد الثورات أمر هين, لكن الأمر مغاير تماما
فعلى سبيل المثال , حين حصلت الثورة الفرنسية سنة 1789 بقيت ما يزيد عن نصف قرن
لتحصد بعض ثمار الثورة , علما بأن تلك الفترة كانت تعرف بتنوع و إزدهار ثقافي و هي فترة فلاسفة الأنوار حيث عرفت فرنسا خلال القرن 18م قيام حركة فكرية نشرت أفكارا جديدة وانتقدت النظام السائد، وقد تشكلت من فلاسفة عصر الأنوار، ومن أهم روادها مونتيسكيو الذي نادى بفصل السلط ، وجون جاك روسو الذي ركز على الحرية والمساواة وفولتير الذي انتقد التفاوت الطبقي .
و بالإستناد على هذه المعطيات و في غياب المعطى الثقافي و دوره المركزي في الثورات,
فإنه من الإجحاف و بل من الجحود التنكر و الإختباء وراء قناع تدهور الحالة الإقتصادية
و الإجتماعية لفرض شروط و نصب العقبات أمام الأنظمة الجديدة من قبل الأحزاب.
إن الحاكم في النظام الديمقراطي لا يحاسب إلا حين تنتهي فترة حكمه التي تتسم بمناخ طبيعي
و يحاسب على أفكاره و مشاريعه و وعوده.
و في هذا الإطار ينبغي توجيه سؤال موضوعي لأحزاب المعارضة في كل من تونس و مصر :
كيف ستحاسبون أنظمة الحكم القائمة الآن؟ و على ماذا ستحاسبونهم ؟