ضحايا مجزرة سجن تدمر: مَضَوْا شهداء..
ضحايا مجزرة سجن تدمر: مَضَوْا شهداء..
وسيمضي قاتلوهم إلى جحيم الدنيا والآخرة
د. محمد بسام يوسف
ألف فلذة كبدٍ أو يزيد، من أنقى أبناء الشام، وأجودهم ثقافةً وعلماً وشرفاً رفيعاً.. تناثرت دماؤهم الطاهرة، على جدران (عار) سورية المنتصب في قلب الصحراء، وعلى رمال تدمر اللاهبة، قلعة زنوبيا، وسراج الحضارة السورية الغابرة، التي كانت مشعل النور بوجه الهمجية والتخلّف والظلامية!..
ألف بريءٍ مصفّدٍ بالحديد، أو يزيد.. داهمهم هولاكو الشام، بمهمةٍ قتاليةٍ استثنائية، ضلّ جنودُها المدجّجون بالحقد وسِفْرِ هولاكو.. ضلّوا -عامدين متعمّدين- طريق الأرض المعذَّبة المحتلَّة في الجولان، ليسترجلوا على خيرة أبناء الشام العُزَّل، الذين أنهكهم التعذيب الساديّ، والتنكيل الهمجيّ في (باستيل) سورية!..
كانت الأمّهات الباكيات، والزوجات الشاكيات، والطفلات الذابلات.. ينتظرنَ أن يُشرِقَ الأمل، فيحمل إليهنّ بشرى انعتاق الرجال والفتيان والشباب، الذين أُسِروا من غير وجه حق.. لكنّ هولاكو الشام، بدّد آمالهنّ في ساعةٍ من ساعات صباح السابع والعشرين من حزيران عام 1980م.. وحوّل الأسرى إلى أشلاء بطرفة عَين.. ودفن أحلامهنّ مع دفن مِزَقِ أبنائهنّ وأزواجهنّ وآبائهنّ وإخوتهنّ، في أخاديد الصحراء، وفي باطن رمالها الساخنة!..
كان (النظام الانقلابيّ العسكريّ) وما يزال.. يفتخر بمنجزاته على مدار أربعة عقودٍ من الظلام الذي خيّم على سورية.. ولعلّ أول منجزاته كانت: تقنين الدكتاتورية، ووأد كل نسمةٍ للحرية، وتفكيك الوطن إلى عصاباتٍ حزبيةٍ وفئويةٍ متناحرة.. وثاني منجزاته كانت: تقديم الجولان على طبقٍ من ذهبٍ للعدو الصهيوني، ثم التخلي عنه نهائياً، ليبقى جرحاً عميقاً نازفاً في خاصرة الوطن حتى اليوم!..
* * *
ضاقت الأرض الطيبة، وبكت السماء الحانية..
جفّت الأنهار..
فقدت شذاها الأزهار..
تساقطت أوراق الشجر، وتكسّرت سنابل الشام!..
مجزرة القرن العشرين في سجن تدمر الصحراويّ، ستبقى شاهداً حياً في نفوسنا ونفوس الثكالى من حرائر الشام.. على همجية النظام الطائفيّ الأسديّ.. إلى يوم الدين.. وسيذكرها التاريخ، فيما يذكر أشد الحادثات ساديةً وإيلاماً وهمجيةً وحقداً طائفياً أعمى، وسيسجّلها في سِفْرِ المجازر التي يندى لها جبين البشرية.. يوم تندرج هذه المجزرة العار.. بين سلسلة مجازر هولاكو وجنكيزخان ونيرون ودايان وشارون وشامير وبيغن وباراك وأولمرت وبيريز ورابين ونتنياهو و..، وسيسجّل التاريخ رعاديد النظام الحاكم المتسلّط ورموزه الذين ما يزالون يمارسون جرائمهم ضد الإنسانية على مرأىً مما يُسمى بالعالَم الحُرّ والمجتمع الدوليّ.. بدءاً من المسؤول الأول المجرم الساديّ بشار بن حافظ أسد، وانتهاءً بأقذر بسطارٍ عسكريٍ همجيٍ مجرم.. سيسجّلهم جميعاً بين طلائع مجرمي العصر الغدّارين.. وسيحاسَبون في الدنيا والآخرة!..
* * *
طوبى لشهداء مجزرة سجن تدمر، من خيرة أبناء سورية وأدبائها وأطبّائها ومهندسيها وعلمائها ومثقفيها، الذين يُحلّقون في الفردوس الأعلى من جنة الخلد بإذن الله.. والعار كل العار، للأيدي الآثمة التي ارتكبت هذه الجريمة البشعة، والخزي كل الخزي، لكل مَن فكّر ودبّر وخطّط ونفّذ، من أولئك المجرمين العتاة الدخلاء على التاريخ السوريّ، وعلى الحضارة السورية، التي شعّت من الشام نوراً وحضارةً راقيةً وأخلاقاً رفيعةً إلى كل أنحاء الأرض!..
(وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ) (الشورى:45).