يا فرحة إسرائيل بزعماء الفتن

كاظم فنجان الحمامي

يا فرحة إسرائيل بزعماء الفتن

كاظم فنجان الحمامي

[email protected]

زعماء الفتنة, ونقصد بهم كل الزعماء والأمراء والملوك والقادة الذين جثموا على صدورنا في مرحلة الفوضى والعبث, وخدموا إسرائيل وساروا في ركابها, وأبحروا نحو الضلالة بزوارق السوء, ويشترك معهم في هذه اللائحة الشمولية المسخمة: زعماء الكيانات السياسية المشبعة بالحقد, ومشايخ الكتائب الطائفية الموتورة, وقادة سرايا الموت من كل الأطياف والألوان والتوجهات, ووعاظ السلاطين على اختلاف سحناتهم ولهجاتهم وعمائمهم, ويشترك معهم أيضاً أرباب المداهنة والنفاق, ورؤساء الأنظمة الاستبدادية المنبطحة, وأولياء الأمور في الدويلات المتخاذلة, وحكام العواصم المتواطئة مع الغزاة والطغاة والبغاة والحشرات. .

فيا فرحة إسرائيل بما يرتكبه هؤلاء كلهم من حماقات متكررة, ويا فرحتها بما يخططون له من فتن, وما ينسجونه من دسائس, وما يؤججونه من صراعات عرقية وطائفية وفئوية وحدودية, وما يطلقونه من فتاوى ضالة مضللة تدعو إلى التحاقد والتباغض والتمزق والتفكك والتشرذم والتفرقة. .

ويا لفرحتها بهذه النماذج المنتخبة من الزعماء الذين يتآمر بعضهم على بعض, ويرهق بعضهم بعضاً, ويهلك بعضهم بعضا, ويستفز بعضهم بعضا, قد تبهرك أعدادهم الكثيرة, وأموالهم الوفيرة, لكنهم غثاءٌ كغثاءِ السيل, نزع الله من قلوبهم الرحمة, ففقدوا بصرهم وبصيرتهم, وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم, وإن يقولوا تسمع لقولهم, كأنّهم خُشُبٌ مُسَنّدَةٌ, يحسبون كل صيحة عليهم, هم العدو فاحذرهم, قاتلهم الله أنى يؤفكون. .

يا فرحتها بجامعتنا العربية التي لم تجمعنا في يوم من الأيام على كلمة واحدة, ولم تسع لتوحيدنا وتآخينا وتعاضدنا ولملمة شملنا, بل كانت في مواقف كثيرة هي التي تثير الزوابع, وهي التي تصنع القلاقل, وهي التي تصب الزيت على النار. .

كم كان الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد (رحمه الله) على حق عندما حذر الناس في كتابه (الدرر السنية في الأجوبة النجدية) من منزلقات هذه الحالة المزرية, فتحدث عنها بإسهاب تحت عنوان ((ويلٌ للإسلام من أهله)), وحذرهم من احتمالات تفجر براكين الفوضى والتخريب والدمار من داخل الكيانات العربية الهشة, التي اختارت الانزلاق نحو الهاوية. .

حتى جاء اليوم الذي عبرت فيه إسرائيل وأمريكا عن فرحتها الغامرة بانتصاراتها الساحقة علينا, من دون أن تطلق على مخيماتنا رصاصة واحدة, فقد لبى دعوتها زعماء الفتن وانضموا تحت لواءها في حروبهم المعلنة ضدنا, وكانوا خير عون لها, وخير من قام بدور المقاول المتحمس لتنفيذ مشاريع التباغض والتناحر, فشهدت لهم تل أبيب بذلك, فالحق ما شهدت به الأعداء. .

وليس أدل على صحة كلامنا من هذه الشهادات الموثقة, التي نستعرضها هنا لنضع النقاط على الحروف المبعثرة, ونكشف المستور, ونسلط الأضواء على حجم الانحراف, الذي بلغته الأمة في ظل هؤلاء الزعماء, الذين كانوا عونا لفرسان المعبد وسنداً لهم, وبوقاً للمحافل الماسونية ومنبراً لهم, حتى تخلوا عن أبسط واجباتهم الدينية والقومية والإنسانية, وتنازلوا عن أبسط استحقاقاتهم السيادية. .

ففسدت الأخلاق, وكثر الكذب والخيانة, وتفرقت كلمة الناس, وغفلوا عما يضرهم وما ينفعهم, وقنعوا بحياة الركود والتقوقع, ولكن متى أمكن لأحدهم أن يضر أخاه لا يقصر في إلحاق الضرر به, فجعلوا بأسهم بينهم, في الوقت الذي ابتلعتهم فيه إسرائيل لقمة بعد أخرى, فرضوا بكل عارض, ورضخوا لكل مصيبة, وتقاعسوا إلى القنوط وركنوا إلى الذل. .   

لا سعادة في هذا الكون الفسيح تضاهي سعادة إسرائيل في المرحلة الراهنة, فما نمر به من مصائب وويلات وكوارث ونكبات, في الرقعة الممتدة من مضيق جبل طارق إلى مضيق هرمز, ومن الملوية الشاهقة في سامراء إلى الملوية الغائرة في ريتشات بموريتانيا, وما نواجهه اليوم من فوضى عارمة, تسببت في تعطيل عجلة النمو في بلداننا, وفي زعزعة أمننا واستقرارنا, وتفشي الفوضى والدمار في الشوارع والساحات والميادين والأسواق والمساجد ومراكز التعليم, يجعل من إسرائيل هي الدولة الأسعد في الكون, خصوصا بعد أن صار الدين لعبتها المفضلة, وسلاحها الاستراتيجي الأقوى والأمضى والأرخص والأسرع في إشعال حروبنا الأهلية, وافتعال أزماتنا الداخلية, وتمرير المؤامرات الخارجية والدسائس المحاكة ضدنا.

فالخسارة والربح في المعارك الملتهبة بيننا تحسب لمصلحتها, وتضاف إلى انتصاراتها المستقبلية, من دون أن تكلفها مشاريع تجزئتنا وتفكيكنا فلساً واحداً. .

لا يعني هذا إنها قررت تأجيل عملياتها الحربية المباشرة ضد العرب, فالغارات الجوية التي شنتها ضد السودان, والغارات الصاروخية المباغتة التي تشنها ضد غزة أو ضد العراق أو ضد سوريا أو لبنان لدليل واضح على تدخلها العسكري السافر, من أجل إضفاء اللمسات التدميرية على المشهد الدموي, حتى تكتمل الصورة الانتقامية المرسومة مسبقا بخناجر التواطؤ العربي. .

قبل بضعة أيام اعترف الرئيس الأسبق لجهاز الموساد (غوردون توماس) بكتابه الموسوم (جواسيس جدعون Gideon's Spies), اعترف بالدعم الذي قدمه الزعماء العرب لإسرائيل بقوله: ((ما كان لإسرائيل أن تحقق انتصاراتها في المنطقة لولا تضامن الزعماء العرب معها)).

وأشار الكاتب الأمريكي (مايكل كولينز بايبر Michael Collins Piper) في كتابه الموسوم (ماعز يهودا The Judas Goats), إلى قطيع الماعز والأغنام العربية الذليلة, التي نشأت وترعرعت في حظيرة الموساد, وتعهدت بلعب دور القيادة في تنفيذ المشاريع الصهيونية العدوانية الموجهة ضد العرب, وتحدث الكاتب نفسه في مقالة نشرها في موقع (www.americanfreepress.net) سلط فيها الأضواء على دعوات الصحفي الإسرائيلي (عوديد ينون) المرتبط بالخارجية الإسرائيلية, والتي أكد فيها على ضرورة نشر الفوضى في العالم العربي, وإحداث الانقسامات الطائفية على الأرض, وخلق البلبلة بقصد فرض التنافر والتباعد بين الجيوب المتناحرة. .

يقول (إيتان هابر) المحلل السياسي لصحيفة يديعوت أحرونوت: ((إن الحرب الذكية التي تحركها إسرائيل ضد العرب بواسطة زعماء الفتن هي حرب تدميرية, من دون أن تضحي إسرائيل بأبنائها, ومن دون أن تنفق من مواردها, حرب يخوضها العرب ضد أنفسهم, فيقتل بعضهم بعضاً, ويشرد بعضهم بعضاً, ليمنحوننا فرص التفوق عليهم بمحض إرادتهم)), وهذا دليل آخر على أن نيران الحروب الطائفية الملتهبة في المدن العربية تخدم إسرائيل في المقام الأول, وتخدم الصهيونية العالمية, التي باتت مسيطرة تماماً على القرار الأمريكي. اما المكاسب التي حققتها إسرائيل بجهود زعماء الفتن فلا تعد ولا تحصى, لكننا نذكر بعضها من باب التذكير والتنبيه:-

فإسرائيل هي المستفيد الأول من بعثرة تشكيلات الجيوش العربية, وتفتيت قوتها الضاربة في العراق وسوريا ومصر والسودان وليبيا وتونس, وهي المستفيدة من تحول قطعاتها الفعالة نحو الداخل لكي تلعب دور الشرطي في الشوارع والساحات والميادين الداخلية. .

لقد تسللت الوحدات الحربية الإسرائيلية مع قوات التحالف, فدخلت المدن العربية مع قوات المارينز, وتجحفلت معها في تل اللحم, وتمترست في أوكار القواعد القطرية, حتى بات من الصعب التفريق بينها وبين القوات الأمريكية التي غزت العراق, أو القوات الفرنسية التي اجتاحت ليبيا, فشعر المواطن الإسرائيلي بالاستقرار والاطمئنان النفسي, وارتفعت الروح المعنوية عند قادة التشكيلات الحربية الإسرائيلية, وهم يشاهدون انهيار جيوش الأنظمة العربية بالتعاقب, ويراقبون زوال مخاطرها حتى لو لم يكن يشكل بعضها خطورة حقيقية, فتوحدت نبرة الحماس الديني في المجتمع الصهيوني, وتجدد الحلم اليهودي الكبير في منطقة الشرق الأوسط. .

وبهذا الصدد صرح رئيس معهد أبحاث المعارك في الجيش الإسرائيلي, البروفسور (شمعون نافيه), بأن الحروب والفتن, التي قلبت كيان الأنظمة العربية رأساً على عقب, أسفرت عن انتهاء التهديدات الكلاسيكية المتمثلة في دول الطوق ذات الحدود المشتركة مع إسرائيل, وأسفرت عن انحسار قوة الدول العربية المساندة لها. .

أن معظم زعماء الفتن إن لم يكونوا كلهم كانوا مطايا للتبعية العربية المتحالفة مع أعداء الأمة, وربما وفرت لهم هالة التقديس والتبجيل الحماية من الملاحقات القضائية, يحتمون بالمناعة الإلهية التي تحظر وتمنع وتكبت وتحدّد وتجزر وتحد وتقرّع وتصيح وتزجر وتأمر وتنهي وتقتل وتحلل وتحرم, لأنهم يحتمون بالمناعة الإلهية التي تحظر وتمنع وتكبت وتحدّد وتجزر وتذبح وتحدّ وتقرّع وتصيح وتأمر وتنهى, زعماء منزهون اجتماعياً حتى لو أتوا بالموبقات, يتحدثون مع عامة الناس بتفويض رباني حتى لو كانت أحاديثهم تتقاطع مع أبسط المفاهيم السماوية. .

هم الذين أفتوا بجواز ضخ الحقد والكراهية ضد القوى الوطنية المعادية لإسرائيل, لكنهم توقفوا عن إصدار الفتوى أثناء فرض الحصار الحربي على غزة, ثم أصبحت فتاواهم خير معين لسياسات التحالف مع القوى الغاشمة, التي تبنتها أنظمة الغاز والألغاز, لا يجدون غضاضة في تلبية رغبات تل أبيب, ولم يعد حماسهم الجهادي الموجه ضد إسرائيل مناسباً بقدر الحماس المندفع لصب نيران الغضب على المدن العربية الآمنة, فظهر علينا فقهاء الناتو بحلتهم الفضائية المناوئة للحق, ولم ينطق فقهاء الاحتلال في العراق وليبيا إلا بما أسهم في دعم الاحتلال ومؤازرته. .

فهل تم اختطاف الإسلام حقاً على يد هذه الوحوش الكاسرة, التي تقطع الرؤوس, وتسفك الدماء, وتأكل الأكباد البشرية على أصوات التكبير, وتلوك القلوب العربية على أصوات التكبير. .

مواقف ومشاهد مقززة شوهت صورتنا أمام بقية الشعوب والأمم, فحسبنا الله في زعماء الفتن, يكرِّهون الناس بعضهم ببعض, يحرضون الطوائف على بعضها, ويشجعونهم على احتقار الديانات الأخرى, حتى فقدوا إنسانيتهم باسم الدين, فأي دين هذا الذي يؤمن بنظريات جنكيزخان وينفذ خطط هتلر ؟.

خطباء تخصصوا بفقه الجريمة, ما هذا الجنون ؟, ترى من يقف وراء هؤلاء المجانين, ومن الذي يدعمهم ؟, وما هذه المجاميع التي نسفت أركان الدين, وانسلخت من الإنسانية, وتجردت من الأخلاق, وتخلت عن الأعراف والقيم, وصبت جام غضبها على العرب وحدهم. .

فيا لفرحة إسرائيل بهؤلاء, ويا لسعادتها وهي تتراقص طرباً وسروراً على انقسامنا وتناحرنا وتشرذمنا وتفككنا وتمزقنا في الألفية الثالثة. .

والله يستر من الجايات