حزب الله في دمشق وريفها..

آلاف العناصر يؤمنون معاقل الأسد في العاصمة

تقرير همام سعده

مسار برس (خاص) - دمشق وريفها

بعد انطلاق معركة القصير بات انتشار حزب الله اللبناني في مجمل المناطق السورية أكثر وضوحا، حيث صار أكبر داعم عسكري لقوات الأسد. "مسار برس" تقصت الحقيقة حول تواجد ميليشيا حزب الله في العاصمة دمشق وريفها، وحصلت على معلومات خاصة تشير إلى انتشار مقاتلي الحزب بشكل كثيف في المنطقة لا سيما حول المواقع الأمنية الحساسة

مثلت الجارة سورية ولا تزال لحزب الله اللبناني الشريانَ الرئيس في معادلة البقاء، حيث أمنت له خطوط الدعم السياسي والمعنوي فضلا عن المادي والعسكري، في ظل علاقة سورية إيرانية تعد الأكثر جدلا في منطقة الشرق الأوسط الساخنة.

وقد وجد الحزب في هذه العلاقة أرضا خصبة لينمو في ظل حاضنة شعبية مثلت الضاحية الجنوبية لبيروت عنوانها الأبرز، ويحاول الحزب رد الجميل كما يقول محللون سياسيون في وقوفه العنيد مع النظام السوري، وفي دعمه اللامحدود لقوات الأسد التي تقود معركة لقمع الثورة المستمرة منذ أوائل العام 2011 م، حيث يعتبر الحزب ذلك الصراع مسألة وجود بالنسبة له.

وفي العاصمة دمشق وريفها انتشر عناصر الحزب منذ بداية المعارك تدريجيا وصولا إلى ما تشهده المنطقة اليوم من تواجد كثيف يلحظه عامة الناس، فضلا عن كتائب الثوار التي ترصد تحركات الحزب بدقة بالغة وفقا للمعلومات التي حصلنا عليها.

التمركز والتوزع

قبل أحداث القصير بـ3 أشهر على الأقل، لاحظ الناشطون وعموم الأهالي في سورية تمددا واسعا وتواجدا قويا لميليشيا حزب الله في الكثير من المدن السورية، وكان مما يؤكد وجود هذه العناصر هو تنصت الثوار على الأجهزة اللاسلكية الخاصة بهم، حيث سجلوا كلاما بلهجة لبنانية واضحة - وأحيانا باللغة الفارسية ما يدلل على وجود عناصر إيرانية أيضا - وهتافات على شاكلة "هيهات منا الذلة". كما شاهد الأهالي أعلام حزب الله التي كانت ترفع في بعض الأحيان، ولافتات مكتوب عليها "لبيك يا حسين".

لكن القسم الأكبر من هذه الميليشيا يتواجد في أماكن موزعة بدمشق وريفها، حيث تقدر مصادر في الجيش الحر العدد بحوالي 2000 إلى 3000 عنصرا.

وذكرت مصادر أمنية في دمشق لـ"مسار برس" بأن نظام الأسد كلف الحزب منذ فترة طويلة بمهمة حماية مقراته الرئيسية؛ كرئاسة الأركان والبرلمان والقصر الجمهوري، كما انتشر عناصر الحزب بكثافة في محيط مطار المزة العسكري ومطار دمشق الدولي والطرق المؤدية إليه والبلدات المحيطة به كبيت سحم وعقربا.

وساعدت هذه الميليشيا قوات الأسد في إحكام سيطرتها على الطرق الرئيسية في العاصمة دمشق وطريق المتحلق الجنوبي الاستراتيجي، وشارع المزة الذي يؤدي إلى ساحة الأمويين الشهيرة، كما انتشرت عناصر الحزب في دمشق القديمة ومحيط المسجد الأموي.

وذكرت نفس المصادر أن أعدادا كبيرة من ميليشيا حزب الله تتمركز في أحياء دمشق القديمة خصوصا في حي الشاغور وأسواق دمشق العريقة التي تشكل ثقلا اقتصاديا وتجاريا، كسوق الصوف ومدحت باشا والحميدية والمناخلية، والتي تقع كلها بالقرب من الجامع الأموي الكبير. والجدير بالذكر أن عددا كبيرا من المحال التجارية والفنادق والمطاعم في دمشق القديمة هي ملك للسفارة الإيرانية في سورية.

نوعية التسليح ومراكز الإمداد

لقد شكل حي الشاغور وسط منطقة دمشق القديمة عمقا شعبيا وطائفيا لميليشيا حزب الله، فهو حي تسكنه أغلبية شيعية، وبالقرب منه عدد من الأضرحة والمزارات التي تخص رموزا شيعية، كضريح السيدة رقية. وقد شكلت هذه الأضرحة حاضنا دينيا وشعبيا لحزب الله منذ أن تشكل التحالف السوري الإيراني إبان الثورة الخمينية.

يقول ناشطون إن ميليشيا حزب الله قد تم تسليحها وتذخيرها منذ فترة بعيدة أي قبل انخراطها في العمل المسلح إلى جانب قوات الأسد. أما بعد بدء نشاطها العسكري فيتم إمدادها من لبنان وذلك عبر طريقين رئيسيين، الأول هو الأوتوستراد الدولي دمشق - بيروت، أي عبر الطريق الرسمي من معبر المصنع على الحدود مع لبنان. والثاني هو الطريق الجبلي الذي يمتد من بلدة النبي شيت في البقاع اللبناني المحاذي لبلدة سرغايا في الريف الغربي لدمشق، قاطعا سلسلة جبال لبنان الشرقية متابعا نحو مدينة الزبداني القريبة، وهكذا وصولا إلى دمشق.

ووفقا لما ذكرته المصادر فإن كل تلك الأسلحة والذخائر تحفظ في مستودعات موجودة داخل أحياء العاصمة، حيث تتوزع هذه المستودعات بشكل رئيسي على المراكز والفروع الأمنية التابعة لقوات الأسد، والأضرحة والمزارات الشيعية، وذلك لسهولة حمايتها من غير إثارة الشبهات والتوقعات حولها.

وقد أجرت كتائب "مروان حديد" في دمشق مسحا ميدانيا لأحياء المدينة القديمة وما حولها، خلص إلى نتيجة مفادها أن حي الشاغور الدمشقي يضم 7 مستودعات أسلحة خاصة بحزب الله، تتوزع على بعض البيوت والمزارات الشيعية.

كما أشار أحد قادة الألوية العسكرية العاملة في دمشق أن الأسلحة المتطورة التي قدمها حزب الله لعناصره قد تنوعت بين خفيفة ومتوسطة، وفردية وتكتيكية، فكل عنصر يحمل رشاش "إم 16" الأمريكي، وهناك عناصر تحمل قناصات متطورة بعيار "23 ملم"، أما المجموعات فتسلح بقواذف "نون 29" ومدافع الـ"بي 7 و9 و10 و90" الهجومية، فضلا عن أنواع مختلفة من القنابل اليدوية والغازية والضوئية، والتي تلائم "حرب المدن".

نوعية التدريب وطبيعة العمليات

والجدير بالذكر أن عناصر الحزب يمتلكون خبرة طويلة في حرب العصابات، حيث خاض حزب الله معارك متعددة مع إسرائيل ما بين عام 1982 و2006؛ مارس خلالها أنواعا مختلفة من الاشتباكات، منها حروب المدن والعصابات والكر والفر، وذلك ما صقل تجربة عناصر الحزب، كما أن لديهم من النشاط والخبرة والتكتيك والتنسيق ما يتفوقون به على قوات الأسد في بعض الأحيان.

ومن أهم ما يشار إليه في تكوين عناصر الحزب هو الأيديولجيا الراسخة عند المقاتلين التابعين له، ما يجعل الحزب يوصف بأنه حزب عقائدي، ليضيف إلى خبراتهم القتالية دفعا معنويا ونفسيا كبيرا، حيث يعتبرون الموت شهادة في سبيل الله، وطريقا موصلا إلى الجنة.