العدالة الانتقالية
أ.د. حلمي محمد القاعود
هل تذكرون من وعد بتوزيع البونبون علي ثوار التحرير, وأعلن أنه سيعيد الأمن إلي مصر خلال ثلاثة أيام لوصار رئيسا الآن يستحق من خرجوا في مهرجان البراءة للجميع أن نوزع عليهم البونبون.
ابتهاجا بنجاحهم في الضحك علي الشعب بعد أن جلدوه واعتقلوه وسجنوه وسرقوه وقتلوا شبابه. ومن واجبهم أن يتعاونوا الآن لشنق كل من تجرأ عليهم ونادي بالحرية والكرامة!
القضاء منذ سنتين يحاسب بعض المسئولين السابقين علي التهم التي ارتكبوها خلال أيام الثورة الثمان عشر, أو يعاقبهم علي فساد مالي يتعلق ببعض الملايين المهدرة. وهذه القضايا عادة تصل إلي نتيجة سعيدة لشيوع التهمة أو للتصالح وفقا للقانون.
هناك اختراع قديم نسبيا اسمه العدالة الانتقالية يتم تطبيقه في مراحل التحول التي يعجز فيها القانون السائد عن معاقبة المجرمين الذين أساءوا للوطن علي مدي سنوات طويلة, وأهدروا حقوق الشعب في الحرية والكرامة والأمل, وكانوا كنزا استراتيجيا لأعداءالوطن والاستقلال. وقد طبقت العدالة الانتقالية في ثلاثين دولة عربية وأجنبية منها: المغرب والجزائر ورومانيا وبلغاريا والتشيك, وجاء تطبيقها شفاء للنفوس وراحة للقلوب, وردعا لمن تسول له نفسه أن يفترس إنسانا أعزل فيهدر كرامته أو يسلبه الحياة.
العدالة الانتقالية تحاسب السياسي الخائن والسياسي المستبد ورجل الأمن الجلاد ورجل الأمن المنحرف, ورجل الإعلام الكذاب ورجل الإعلام الموالي للطغيان, والمثقف المتغطرس الذي باع الناس لحساب الديكتاتور, والموظف الكبير الذي نافق ونهب وأخذ ما ليس له, وغير هؤلاء ممن انحرفوا عن أداء الواجب وأساءوا للبلاد والعباد.
هناك من يقول: ليست لدينا الكفاءات المطلوبة لتنفيذ العدالة الانتقالية, ولكني واثق بوجودها, ويمكن بعد إصدار قانونها أن نستدعي الكفاءات التي نفذتها في المغرب لنحقق ما نص عليه تعريف الأمم المتحدة لها فتكون من المثل العليا للمساءلة والإنصاف وحماية الحقوق وإحقاقها ومنع التجاوزات والمعاقبة عليها. وإلا فلنوزع البونبون من الآن علي كل المطلوبين.