العالم الخارجي.. والعالم العربي
معمر حبار
المتتبع للشأن العربي دون استثناء.. يلاحظ تدخلا أجنبيا فضيعا في شؤونه اليومية المختلفة، إلا أن العربي الذي يشكو تدخلا أجنبيا في شؤونه، يتدخل في نفس الوقت في شؤون الآخرين، ومايراه الآخر تدخلا في شؤونه، يعتبره هو حماية ودعما وعونا له.
فالمسألة إذن، ليست في التدخل من عدمه، إنما لماذا يسمى العربي هذا تدخلا؟. ولايعتبر الآخر تدخلا؟. ولماذا يسميه هنا حماية؟. ويسمي هناك تدخلا؟.
والمتتبع هو الذي لايميل لهذا ولا ذاك، ولا ينجر وراء إدعاءات كليهما، ويبقى مستقلا في رأيه وموقفه الذي لايتغير من كليهما، ويمكن تتبع ذلك من خلال الأمثلة التالية ..
روسيا المتدخلة الحامية.. روسيا يحاربها العرب والغرب، لأنها تدخلت في الشؤون السورية، ودعمت نظام الأسد، وهو الذي يلقي البراميل المتفجرة على شعبه.
وفي نفس الوقت، يرى أتباع الأسد، وحماة سورية، أن روسيا تدافع عن مصالحها، وأن سورية هي إمتداد للعمق الجغرافي الروسي، والتي تعتبرنافذة على المياه الدافئة، والباب الأمامي للتمدد الغربي، ولايمكن بحال أن تفرط روسيا في سورية، لأن سقوط سورية يعني إلحاق أضرارا بالغة بالمصالح الروسية في المشرق العربي، وأن الخطأ الذي إرتكبته روسيا مع القذافي ، حين فرطت فيه، لن تكرره مع الأسد وسورية، خاصة وأنها لمست النتائج بنفسها.
السعودية المتدخلة الحامية.. لايخلو نزاع في المنطقة العربية إلا والسعودية طرفا فيه، سواء بالهجوم أو الدفاع ..
فهي تحارب سورية بالدين والدنيا، وحاربت ليبيا بكل ماأوتيت، وتحارب الآن اليمن بالدبلوماسية والسلاح والمال والرجال والدين. والمعارضين للسعودية، والذين يعتبرونها تتدخل في شؤونهم، يقولون..
السعودية لاتقبل منافسا لها في أيّ موضوع كان، ويكفي أنها تعارض قطر، وهي عضو في مجلس الخليج، لأنها ترى فيها المنافس الشرس من الناحية الاقتصادية والسياسية والدينية، بزعامة شيخ الفضائية القطرية، وتسعى لكي تكون قطر تابعة لها في قراراتها.
والسؤال الذي يطرحه المعارضون للسعودية، إذا كان هذا الحال مع قطر المجاورة لها، والصديقة، والمتحالفة معها، كيف يكون الحال مع من هو الأبعد كليبيا، والمساند كسورية، واللاصق لها كاليمن.
أما فيما يخص اليمن، فإن السعودية لاتقبل أن يكون جارها موالي لدولة معادية لها كإيران، ولذلك ألقت بكل ثقلها لحماية أنصارها وأتباعها في اليمن ضد إيران.
أما المؤيدين للتدخل السعودي، فيرون فيه حماية لمصالحها وثرواتها ونفوذها الديني والدنيوي، ولولا التدخل السعودي في نظرهم، لكانت الكفة كلها لصالح المعارضين لسياستها.
إيران الحامية المتدخلة.. يرى أنصار الفكر الإيراني، أن إيران هي الأقوى في المنطقة دون منافس، وبالتالي من حقها أن يكون لها دور قيادي ريادي، وهي التي تحمي المنطقة من النفوذ الغربي وهي التي تضمن الاستقرار بما تملك من وسائل الردع الظاهرة والباطنة، وكان على العرب أن يتحالفوا مع إيران، ضد الغرب وكل من يزعزع المنطقة.
ويقول أصحاب هذا الرأي، لولا إيران لضاع العرب ولأصبحوا عبيدا لأصحاب الأساطيل وحاملات الطائرات، ومتسولين لدى موائد الغرب، يعطونهم أنى شاؤوا، ويمنعونهم أنّى شاؤوا.
وفي الجهة المقابلة، يرى المعارضون لإيران، أنها تتدخل بشكل مفرط ومزعج في السياسة العربية، وتتعمد التدخل لكي تفرق بين الأخوة العرب، وأن تدخلها يندرج ضمن الرؤية التوسعية التي تسعى إليها إيران، فهي تريد أن تلتهم العالم العربي، وتجعله تابعا لها في الدين والدنيا، وتستحوذ على ثرواته وخيراته، مستعملة في ذلك نشر العقيدة، وتثبيت التابعين لها، والتمكين لهم بالمال والسلاح والرجال وكل مايحلمون به، كما يحدث الآن مع الحوثي والحزب اللبناني.
ويرى هذا الفريق المناهض لإيران، أنه يجب محاربة إيران في كل مكان، وبكل الوسائل، وصد كافة الأبواب الدينية والدنيوية في وجهها، وإقامة تحالف ضدها وضد سياستها التوسعية على حساب العرب.
الولايات المتحدة الأمريكية الحامية المتدخلة.. هذه الأسطر لن تتطرق للتدخل الأمريكي لأنها لن تضيف شيئا، ويكفي الإشارة أن البعض يطلب حمايتها، والآخر يرفض تدخلها، وبين الحماية والتدخل، يسكن العرب تحت سقف أحدهما، وكل يرضى بالبيت الذي بني له، وارتضاه له المهندس الأمريكي.
بقيت الإشارة، أن التدخل القائم من طرف هذه الدول، يخضع لمصالح كل منهم، ووفق خطة كل واحدة ، بما تراه يناسب قدراتها وأهدافها وحلفاءها.
فالأمر لا علاقة له بالدين، حتى لايمدح طرف ولا يذم الآخر، إنما له علاقة بالأطماع والنفوذ والأهداف والقوة والضعف، وكل يسيّر تدخله وفق منطلقاته التي يملكها ويحسن تسييرها.
المطلوب من المتتبع، أن يبقى على حياد ليرى جيدا، ويحلل عن حرية واستقلالية في الرأي، وليحذر أن يميل فالسياسي لايعرف الخط المستقيم.