ماهو أهم أسباب تأخر انتصار الثورة السورية ؟

المنصور

بايجاز هو القائد القدوة والقيادة الأمينة الحكيمة... فحتى نحدد مكامن الخلل ونقرر موانع النصر لا بد أن نبين قبل ذلك أسباب النصر وأهمها وجامعها قول الله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) والمعنى في هذه الآية متضمن لمعنى قوله تعالى (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) صدق الله . فإذاً إن أهم أسباب الانتصار هو الوحدة المنافية للنزاع فالوحدة كلمة تعبر عن اجتماع متفرّق وعوامل الوحدة الفكر والمبدأ واتفاق الغاية والهدف -ولو مرحلي في بعض الحالات- [وفي تأسيس الدول كما هو معلوم وحدة الثقافة ووحدة اللسان واللغة ووحدة التاريخ والجغرافيا المشتركة مما نجمعه ولله الحمد جميعا فربنا واحد ونبينا واحد وقرآننا واحد ولغتنا واحدة وتاريخنا]. ثم القائد الجامع المؤلف بين الجند وأفراد الأمة -الشعب- ولذلك كان تنصيب الخليفة فرض عين على الأمة وكان الذي يموت وليس في عنقه بيعة فميتته جاهلية ومن وراء القائد تبرز سياسته وإدارته وتلبيته لحاجات أمته ومطالبها والرفق بها فمهما كانت سياسته توفر الأمن والرخاء والحرية والصلاح تعاظمت دواعي الوحدة والاستقرار . فالذي نفتقده في ثورتنا مع اجتماع رأي الأغلبية على الفكر والمبدأ وإطباقها على الهدف والغاية هو القيادة سيان في الداخل أم في الخارج بل إن فقدان القيادة الصالحة في الخارج خاصة تسبب بعد كارثة إطالة المحنة وخنوع أصحابها للإملاءات الغربية وخاصة في اللهث خلف الحل السياسي من غير توفير أسبابه التي تلجئ النظام عليه فكانوا كالرامي بلا وتر والمحارب بلا سلاح فأنى يلتفت إلى هذا ؟ كما تسبب هذا الفشل الذريع في تشجيع الجميع المؤهل وغيره على الطمع بتحصيل المناصب فإنك حين ترى عجز القادة وغياب الراس تبرز الرؤوس وهذا مما زاد شدة آفتنا كعرب فقدنا أحد أهم السنن في الحياة الاجتماعية وهي تأمير الأمراء "إذا كنتم ثلاثة في سفر فأمروا أحدكم" لتعليم المسلمين الانضباط ولكنا أضحينا وبغياب القائد كما قال الأسود بن عبد العزى إن مكة حي لقاح لا تدين لملك. حيث بات كل شخص يروم أن يكون رأسا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر وهو القوي الشديد الصرعة في جسمه "إنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة" فكره السلف الإمارة وعاهد كثير منهم أن لا يتولى على اثنين ، لقد طالبت مرارا الداخل بانتخاب قيادة موحدة لهم لكل الشام يعترف بها الجميع وتحدد الأولويات والمهمات وتجتمع حيث ينبغي الاجتماع وتتراجع حيث ينبغي التراجع أي باختصار هناك قيادة مشتركة تحدد المصلحة العامة وتعمل عليها على طول البلاد وعرضها كم طالبت أن تنتخب هذه القيادة وفدا منها ينطق بعضه بالانكليزية والفرنسية وينتدبوهم إلى الخارج لضبط وتطويع قادة المعارضة في الخارج والهيمنة على قراراتهم واعتماد الشفافية والصدق حتى طالبتهم بتسجيل بعض اجتماعاتهم التي تحدد فيها السبل والطرق والهدف حتى لا يكون عندنا منهم ضالة كضالة الغنم في الفلاة أو كضالة النحاس في اجتماع وزارة الخارجية البريطانية أو كضالة الخطيب مع كيري وغيره ... الخ . فأضاعواه فتسببوا في حرف مسار سياسة الثورة وهدفها في الخارج برمته والتي لم تستقم قليلا إلا بآلاف الضحايا والشهداء مما كان يفترض حمايتهم وصيانة حياتهم عبر خطة سياسية تعمل على تعجيل الحسم وهذا يتطلب كونها متحررة من التبعية والإملاء الغربي ومن عملاء النظام وأذياله داخل جسدها أولا ، فلما أضاع أهل الحل والعقد في الداخل هذا كان أهل الخارج له أضيع وأضيع ، ولا حول ولا قوة إلا بالله 

ومن الأمثلة المبكية على  عدم الانضباط والعمل الموحد الجماعي والله شهيد أن أحد الشباب الأغرار طلب مني مساعدة مالية له ولمن معه من الفارين من الخدمة الالزامية ففعلت ثم طلب ففعلت ثم طلب فساءلته والمبلغ بات كبيرا فأجابني: إننا نعمل على تشكيل سرية لنعمل لوحدنا !!! وهم بضعة رجال وأكبرهم عمره 21 عام وأصغرهم 18 فلك أن تتخيل الحال عامة وكم عدد الكتائب والسرايا فبعددها يكون عدد القرارات!! وفي المقابل للنظام قرار واحد يصدر عنه ويلتزم به ، إن أحد أهم أسباب الظفر على العدو عند احتدام الوطيس هو تماسك قطعات الخميس وقد كان قادة المعارك أبدا يعملون وخاصة عند تطاول الحرب وتأخر النصر على خلخلة تماسك قطعات الجيش الخمس [ المقدمة،القلب،الميمنة،الميسرة،الساقة=المؤخرة] بالتركيز على إحداهن ولهذا المعنى الدقيق ورد في الصحيح من حديث الحبيب عن أعظم حبيب أبي هريرة عن النبيء " تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد الخميصة إن أعطي رضي وإن منع سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله إن كان في الساقة كان في الساقة وإن كان في الحراسة كان في الحراسة ..." الحديث في البخاري وغيره 

فالنبي صلى الله عليه وسلم وبعد أن حرّض المجاهد ووعده طيب العيش في أحسن الحسنيين نبهه إلى أن العاطفة الصادقة والحماسة في الدين لا ينبغي أبدا أن تضر بالانضباط وطواعية الأمير لهذا قال (ص) إن كان في الساقة أي مؤخرة الجيش كان فيها ولم يحمله الحرص والحماسة على ترك موقعه ليقذف بنفسه في المقدمة أو حيث الهيعة والفزعة ولا أحد يجهل سبب خسارة موقعة أحد بعد بوادر الانتصار فيها وهكذا فالجيش الحر ينبغي أن يكون متماسكا متعاونا منضبطا يرجع بعضه على بعض في الكر والفر وبالتنفيس والتفريج وتبريح العدو وفق خطة عامة متناسقة مرسومة بعناية.