موت الائتلاف

مجاهد ديرانية

-1-

سيقول قائل: كيف يموت من لم يَحْيَ قط؟ وأقول: نعم، إنما يموت من كانت فيه حياة.

لقد وُلد الائتلاف للموت من اليوم الأول، فإن أيّ كيان تفرضه على الثورة قوةٌ أجنبية مصيرُه الموت، كالسمكة تولد خارجَ الماء، أنّى لها أن تعيش؟ هذه الحقيقة التي يدركها الأطفال لم يستوعبها -بعد- عمالقةُ السياسة ومحترفوها الذين أفنَوا في دهاليزها أطولَ الأعمار.

ربما عاش الائتلاف أياماً أو أسابيع لا أحصيها، وربما لم يعش قط، ليست هذه مسألة يختلف الناس فيها اليوم، فمهما يكن حاله بالأمس، وحتى لو أنه كان فيه قبل القصير رَمَق، فقد أطلقت عليه القصيرُ رصاصةَ الرحمة. وداعاً أيها الائتلاف الذي ما رأت منك الثورة شيئاً يدل على حياتك، وداعاً لا لقاء بعده. أنت تَمضي والثورة تبقى، وأنت تموت والشعب يحيى بإذن الله الحي القيّوم.

-2-

مات الائتلاف. قتلته القصير، ولو لم تقتله القصير لقتلته جنيف.

القصير قتلت الائتلاف لأن الائتلاف فشل في حماية القصير من السقوط، ومن يعجز عن حماية بلدة فيها آلاف لا يُستأمَن على بلد فيه ملايين. لقد حَزّ في نفوس أحرار سوريا أن الائتلاف الذي يزعم أنه يمثلهم لم يقف موقف رجولة كان ينبغي أن يقفه يوم بدأ العدوان الهمجي على القصير، وكان يستطيع أن يقفه، فيعلن أنه لن يشارك في أي مؤتمر ولن يرضخ لأي ضغط إذا لم يتوقف العدوان في أربع وعشرين ساعة، وأن ينفّذ الوعيد.

ولو لم تقتله القصير لقتلته جنيف. إن مؤتمر جنيف هو الرصاصة التي ستقضي على الائتلاف بلا خلاف، فإن أحرار سوريا رأوا كيف تدفعه إليه وترغمه عليه قوى المجتمع الدولي "الصديقة"، ورأوا الموقف السلبي المخزي لتلك القوى وسكوتها عن العدوان الهولاكي الوحشي على القصير، على ما فيه من تدخل أجنبي سافر لا يرضاه عرف ولا قانون، فقالوا: إذا كان أولئك "الأصدقاء" الضاغطون على الائتلاف قادرين على وقف العدوان ثم لم يقفوه فإنهم خونة آثمون، لا يمكن أن يوثَق بهم ولا يستحقون أن يَتعاون معهم من يمثلنا وينطق باسم ثورتنا، وإذا كانوا أضعف من أن يردّوا عدواناً على مدينة صغيرة فمن أين يضمنون حق الثورة والسوريين؟

ثم خاطب الأحرارُ عصبةَ الائتلاف فقالوا: لماذا تسفحون كرامة سوريا وتعرّضون ثورتها لخطر الإجهاض والاحتواء إذا كان رعاة المؤتمر خَوَنة متآمرين؟ ولماذا تذهبون إلى المؤتمر أصلاً إذا كانوا ضَعَفة عاجزين؟

-3-

مات الائتلاف، قتله الذين أصروا على توسعته وسرقته، وأصروا على أن يزرعوا فيه مَن يمثل كل ملة وعقيدة ودين إلا الإسلام. الذين منحوا ثمانية عشر مليون مسلم في سوريا واحداً وثلاثين إسلامياً يمثلونهم فيه، ومنحوا مئة ألف علماني (يزيدون قليلاً أو ينقصون) خمسة وثلاثين من الأعضاء العلمانيين!ألم تروا إلى ميشيل كيلو كم بدا حزيناً عندما وافق الائتلاف على قبول ثمانية (فقط!) من قائمته؟ عندما رأيت أساه وحزنه على هذا الظلم ترقرقَت الدموع في عيني واستهلكتُ في تجفيفها خمسة مناديل! ويبدو أن سائر أعضاء الائتلاف أصابهم من الحزن والأسى ما أصابني، فسارعوا -من بعد- إلى اعتماد قائمته الكاملة.

والآن بات الائتلاف يمثل السوريين أحسن تمثيل: 47% من أعضائه علمانيون، 20% شيوعيون واشتراكيون وبعثيون! إي والله، هل تصدقون؟ لو قرأت هذا الخبر في رواية خيالية لما صدقته، ضَمّوا إلى قيادة المعارضة السياسية للثورة رجالاً من حزب النظام الذي تحاربه الثورة، فهل بعد هذا الاستخفاف بأحرار سوريا من استخفاف؟! إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت. ويساريون وشيوعيون؟ مَن يُسَيّر المظاهرات في الأردن ومصر ولبنان تأييداً لسفاح سوريا سوى اليساريين والشيوعيين؟ كيف يكون أولئك خارجَ الائتلاف أصدقاء لنظام الاحتلال الأسدي ويكونون أعداءه داخله؟ هذا اللغز عصيٌّ على الاستيعاب، إنه جملة لا محل لها من الإعراب!

وبعد خصم 29 مقعداً للحراك الثوري والجيش الحر (لم يُعلَن أصحابها بعد) وخمسة مقاعد للعلويين وسبعة مقاعد للطوائف الأخرى مجتمعةً بقي للمسلمين 40% من مقاعد الائتلاف. يا أيها المسلمون في سوريا: عوضكم على الله!

-4-

مات الائتلاف، قتله الذين فرضوا عليه مَلِكاً بلا مملكة وتجاهلوا المملكة بلا ملك، الذين علموا أن على أرض سوريا مئة ألف مجاهد يحملون عبء المعركة ويرابطون على جبهاتها ويحققون لثورتها النصر في الميادين، فلم يبالوا بهم ولا وجدوا حاجة لتمثيلهم في ائتلاف زعموا أنه يمثل الثورة ويمثل الثوار، ثم فتحوا الباب لكيان وهمي اسمه "القيادة الموحدة لهيئة الأركان المشتركة" ليأتي بخمسة عشر ضابطاً ويزرعهم في الائتلاف.

وما عرف السوريون لهؤلاء الضباط أثراً في الأرض ولا سابقة في الميدان، إنما عرفوا أن تلك "القيادة الموحدة" وُلدت على أعين أجهزة المخابرات الغربية وبمباركتها ورعايتها، وأن تلك "القيادة الموحدة" توزّع الرتب على أعضائها أكثر مما توزع السلاح على المقاتلين، وأن تلك "القيادة الموحدة" تحارب بالبيانات، وأنها دكّت بمدافع "الكلمات النارية" مواقعَ حزب الشيطان في لبنان ألف مرة لأنه لم يتوقف عن غزو القصير، ولكن مدافع الكلمات لم تؤثر في المعتدين ولم تقف العدوان!

-5-

مات الائتلاف، ولم يبقَ سوى إعلان النعوة ولصقها على الجدران. بعد ذلك سيعود "الشرفاء" من الائتلافيين السابقين إلى بيوتهم ويبحثون عن طريقة جديدة لخدمة الثورة والأمة، وسينطلق "غير الشرفاء" من الائتلافيين السابقين للبحث عن غنيمة جديدة يَغْتنون بها على حساب أحرار سوريا وعلى حساب ملايين المقتَّلين والمعذبين والمشردين، وسيبدأ المجتمع الدولي والعربي الرسمي بالبحث عن دمية جديدة يلهو بها ويحقق من خلالها أمنيّته بالسيطرة على الثورة وإخضاع السوريين.

أما أهل الثورة وأحرار سوريا فإنهم سيقولون: ما فرحنا بمولدك أيها الائتلاف ولا أسِفْنا على موتك. ثم ينصرفون إلى ثورتهم غيرَ عابئين بلهو اللاهين وعبث العابثين.