فقه الهزيمة وأحداث القصير
فقه الهزيمة وأحداث القصير
أبو طلحة الحولي
وقعت أول هزيمة للمسلمين يوم أحد وفرح العدو " قريش " بانتصارهم وشمتوا وأخذتهم نشوة الفرحة ونفخ الشيطان ريشهم فجمعت قريش نفسها عن بكرة ابيها ومن ورائها غطفان وهوازن وغيرهما وساروا نحو المدينة من كل حدب ينسلون واذ بهذا الريش يتناثر وهذا الجمع المنتفخ بات كفقاعة صابون تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى فقد ألقى الله في قلوبهم الرعب وجاءتهم جنود ربك من فوقهم واسفل منهم " وما يعلم جنود ربك إلا هو " ورسم الكريم صلى الله عليه وسلم نقطة البشارة والاستعداد " الآن نغزوهم ولا يغزونا " وكان فتح مكة !
وتدور أحداث التاريخ فقد زحفت جحافل المغول تدك الأرض دكا حاملين معهم خصائصهم التي امتازوا بها وهي سفك الدماء وتدمير البناء وحرق المزارع وإشاعة الذعر والرعب والهمجية الحيوانية . وكان المغول من الوثنيين ومن عبدة الشر والشياطين واعتنق بعضهم ـ وهم قلة ـ الديانة البوذية أما الغالبية فكانت ترى انه لا يسود البشر غير المقاتل الشرس الذي لا يعتنق أيا من الديانات السماوية .
ثم أيقظت صيحة واسلاماه وجدان الناس !! وكانت صيحة واحدة صادقة قلبت الأوضاع في يوم واحد من عمر الزمن الهائل وانتصر الإسلام وكانت هزيمة المغول وهم الذين لا يعرفون طعم الهزيمة منذ خروجهم من غرب الصين إلى عين جالوت في فلسطين وأمام الهزيمة يقفون في ذهول وتولد في نفوسهم لذة الحياة واطمئنان الروح بعدما كانوا " كالأنعام بل هم أضل " بعد ضياع القيم وانحلال الجسد وخواء الروح كانوا يحصدون الرؤوس ويعيثون في الأرض فسادا ونهبا وإحراقا وتشريدا وتعذيبا بلا هدف أو غاية أو منهج أو قانون سوى قانون الغاب ولبس الشياطين وكانت الهزيمة هي الحد الفاصل لذلك كله فاعتنقوا الإسلام واجتمع الذئب والحمل في مكان واحد بل إن الذئب أفنى نفسه في الحمل حيث أن التتار كما يقول الباحث النصراني سيتون لويد " عملوا على هضم ما تبقى من المدينة التي دمروها واندمجوا في جمع العالم الإسلامي ولم يبق لهم كيان قائم بنفسه بالمرة " .
لقد قلبت صرخة وإسلاماه الموازين والأوضاع فقد عز المسلمون بعد ذل وفتحت آلافا من القلوب دون إكراه أو ضغط أو إرهاب !! وانطلق التتار يدخلون في الدين الجديد حتى صاروا من حماته المجاهدين ودعاته المنتشرين في الأرض للخير والسلام والهداية والسعادة الحقيقية .إنها حالة معاكسة للغالب والمغلوب لا اثر فيها مطلقا للقسر العقيدي وإنما حرية الاختيار وإغراء الإسلام نفسه هي التي قادت أن يقف التتار وقفة صادقة أمام هزيمتهم فيدينون بالإسلام ويتشبثون بحضارته وعقيدته التي صاغت هذه الحضارة ويقبلون لغته ونظمه .
وهجم الصليبييون في حملات عدة وأقاموا في بادئ الأمر دويلات لهم في بقاع العالم الإسلامي وجاء صلاح الدين فتوجه إلى إصلاح عقيدة الناس واتخاذ الأسباب وكان النصر في حطين فعاد بيت المقدس وارتفع الآذان عليه بعد انقطاع دام تسعين عاما وكانت هزيمة الصليبيين وفشلهم في تحقيق أمانيهم الخاوية على عروشها .
وهذه الهزيمة هي التي قادتهم إلى عالم الحضارة ، وبناء نهضتها على أسس مستمدة من الإسلام فقد فوجئت أوربا الغريقة في سبات القرون المظلمة بنور الحضارة الاسلامية فانبهرت به وأحست بواقعها المرير تحت ضغط الكنيسة التي جثمت على فكرها وشعورها وسلوكه واستيقظ العقل الأوربي من سباته واخذ يقتبس عن المسلمين طرائق البحث ومناهج التفكير وثارت ثائرة رجال الكنيسة على الحركة العلمية المستمدة والمنقولة من المدارس الاسلامية وكتب العلم الاسلامية وكانت تحمل معها روح الإعجاب الشديد بالإسلام والمسلمين وخشيت الكنيسة من انتشار النفوذ الإسلامي مع الحركة العلمية فأعلنت حالة الطوارئ ضدها وشكلت محاكم التفتيش في كل مكان تهدد المخالفين لعلمها المقدس بالتحريق والتعذيب والقتل .
وقامت الحرب العالمية الأولى والثانية للقضاء على الخلافة العثمانية وتم إزالتها على يد أتاتورك وساد الظلام واليأس ربوع العالم الإسلامي يومئذ ثم وفي الحدث ذاته كانت البداية ليقظة جديدة وبعث جديد على يد شاب جاوز العشرين قليلا حسن البنا .
إنها سنن كونية وراء كل هزيمة وإخفاق للمسلمين انتفاشا للباطل وزهوا ، مؤديا هذا الانتفاش والانتفاخ إلى تمحيص الصف الإسلامي فيتغربل ويصفو من المرض والنفاق والنفعيين الماديين ، كما أن هذه الفقاعة ـ وفق السنن الربانية ـ تستشعر بقزامتها ، وضياعها وخواءها مقابل الأمن النفسي والعزة والعلو لدى المسلم فيبحث من يبحث ومن ثم يتشبث بنظرة الإسلام للكون والإنسان والحياة .. ويبقى من يبقى على كفره وعميه وضلاله .. وفي إزاء هذا التحزب من الكفر والنفاق ومرضى القلوب تأتي البشارة .. بشارة النصر والعزة والتمكين .
وبقدر من الله انطلقت الثورة السورية فعاد الشعب لفطرته النقية الصافية ، ويشاء الله أن تكون هذه الثورة المباركة هي الخط البارز في مستقبل البشرية ..
لقد ولد الأعداء وماتوا ، وظهروا واختفوا ، وضرب المسلمون ضربات موجعة وأصابتهم هزائم متكررة وبقي الإسلام هو الإسلام يزداد قوة ويدا .. ولم تكن تلك الهزائم نهاية الوجود الإسلامي فكلما زحفت جحافل الهمجية وسالت الدماء الزكية النقية كلما تربى جيل يهزمهم بتدبير رباني وكل الحروب التي حدثت في التاريخ ضد الإسلام وكل المحاولات لطمسه أدت إلى تربية جيل جهادي أصلب عودا وأكثر وعيا بحقيقة المعركة فتهزمها ، وفي كل المعارك التي دارت بين المسلمين وأعداء الإسلام كان المغلوب ـ أعداء الإسلام ـ ينهضون بحضارة ويذوبون في المجتمع الإسلامي ثقافة وخلقا وسلوكا وفكرا !! وإذا لم يذوبوا تشربوا حضارته وسموه ..
وفي كل المعارك التي هزم فيها المسلمون كانت أرواحهم عالية لم تذل " ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الاعلون ان كنتم مؤمنين " وهذا هو الفارق فيما بين هزيمتنا وذلنا واستسلامنا وهزائمهم فلم تكن قريش أو التتار أو الصليبين في نظرهم خيرا منهم وافضل بسبب الغلبة .. ووقف المسلم صاغرا مستسلما ذليلا ولكن كان هو الأعلى فروحه لم تذل وثقته بالله لم تتزلزل .. وبالتالي كانت الهزيمة تقود إلى نصر للإسلام وفتح لقلوب الكفار فيسلمون " الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة "
وفي ظل أحداث هذه الثورة المباركة التي مكنت للصحوة الإسلامية ، ولبلاد الشام مكانتها وقيمتها ووجودها ، وجعلت منها خطا بارزا في مستقبل البشرية ، يجب على الثوار والمجاهدين ـ بكافة فصائلهم وألويتهم ـ والعلماء والدعاة ـ بكافة اختصاصاتهم ـ والائتلاف الوطني والمعارضة في الخارج الاعتصام بحبل الله والعمل معا في خط واحد بحكمة وعدم تعجل ، وتوقع المزيد تلو المزيد من ضربات الوحش والعالم من خلفه دون إرجاف أو إحباط أو يأس ..
ويجب الإيمان أنه رغم هذه الضربات هناك العمل والعدة " وأعدوا لهم ".. والعزة والاستعلاء وعدم الذلة الروحية والنفسية والانكسار، فهذا ما يريده الغرب والشرق من هذه الثورة المباركة أن تنكسر وان تخضع لهم وان تكون ذيلا لهم ..
وهناك " ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الأعلون إن كنتم مؤمنين " فلم تكن الهزائم العسكرية سببا في هزائمنا ولم يكن للفارق الحضاري المادي أثرا يذكر في هزيمتنا وإنما خلل الإيمان والنظر إلى أعدائنا نظرة علو وانبهار.. فمن هذا الوحش ؟ ومن هم الشبيحة ؟ ومن هم النصيرية ؟ ومن هم حزب اللات ؟ ومن هي أوربا والولايات المتحدة الأمريكية ؟ ومن هي روسيا ؟ ومن هي الصين ؟ .. وفي نفس الوقت من نحن ؟
فإن خذلنا العالم فان الله الخالق الجبار معنا .. وان ارجف المرجفون وثبط المثبطون فمعنا رسول الله رسول الهداية والبشارة والتفاؤل والأمل ..
وهناك الصبر " يا أيها الذين امنوا اصبروا وصابروا "
وكذلك نشر الدعوة في صفوف الغرب وتوضيح حقيقة الثورة ، والحرية والعبودية والكرامة كما يريدها رب العباد لا كما يريدها شياطين العباد ، حيثما كانوا وأينما وجدوا " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن "
كما يجب على الشعوب الغربية أيضا قراءة تاريخهم من جديد الماضي والحاضر فما هذه الحضارة التي ينعمون بها سوى قبس اقتبسه أجدادهم منا نحن المسلمين ..
وأخيرا نقول للعالم بأكمله شرقه وغربه ـ وعلى رأسهم الوحش وحزب اللات وإيران ومجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة ـ هزم المسلمون في أحد وكان درسا بعده النصر والتمكين ..
وهزموا أيام التتار وكان درسا بعده النصر وذوبان التتار في الإسلام !!
وهزموا أيام الصليبين وكان درسا بعده النصر واسترداد المسجد الأقصى وفلسطين وتطهير الأرض من الرجس !
وأيام الحرب العالمية الاولى والثانية تم محو الأم الرءوم الخلافة الإسلامية وكان درسا بعده الصحوة !
والقصير لم تهزم ولم تسقط ، ولكنها الأيام كر وفر، ومن بعده بإذن الله وفي قدر الله المحدد يكون النصر .
قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد:7)، فهذا وعد من الله الذي لا يخلف وعده ، وقال تعالى (وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الروم:6)، فالوعد في هذه الآية بالنصر والتمكين للمؤمنين متحقق لا محالة.
وهناك وعد آخر بالعلو على الكافرين وهزيمتهم قال الله تعالى: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (النساء: من الآية141)
والله اكبر والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين