ثورة آذار 2011 ومؤتمر جنيف 2

د. محمد أحمد الزعبي

د. محمد أحمد الزعبي

أولاً ـ الثورة السورية : ثورة من ؟ ضد من؟ ولماذا؟

إن ثورة آذار 2011 السورية ، هي ثورة الشعب السوري ، ضد فئة فاشية حاكمة ، استغلت تعاطف الغالبية الساحقة من الشعب السوري مع وحدة عام 1958 ، ووقوفه ( الشعب السوري ) عام 1961 ضد انقلاب 28 إيلول الإنفصالي ، حيث تسللت بداية إلى ثورة الثامن من آذار 1963 ، ومن ثم إلى المراكز القيادية في حزب البعث العربي الإشتراكي و الجيش العربي السوري ، ومن خلالهما ( الحزب والجيش )  إلى سدة الحكم عام 1970 .

إن ثورة آذار 2011 إذن ، هي ثورة استعادة سوريا الوطن والشعب ، سوريا الحرّية والكرامة ، من براثن هذه الفئة الفاشية الحاكمة ،التي اختطفتها منذ ذلك التاريخ (1970) ، وحتى هذه الساعة .

لقد بلغت ضحايا ثورة آذار ضد حكم عائلة الأسد ، وبحسب ماذكره الدكتور عزمي بشارة ، مدير المركز العربي للأبحاث ، مساء يوم الإثنين ( 20.5.13 ) : أكثر من 100000 شهيد ، و400000 معاق ونصف مليون بيت مدمر، ولا نعرف كيف ستكون هذه الأرقام عند انعقاد مؤتمر لافروف ــ كيري في جنيف في الأسابيع القادمة .

إننا نعتقد أن على رعاة مؤتمر جنيف ، أن يقفوا على الأسباب البعيدة والقريبة لثورة الشعب السوري ضد نظام بشار الأسد النيروني الفاشي ، لكي يقتنعوا أن جهودهم في محاولة الجمع بين القاتل والضحية في جنيف سوف

لن تزيد على كونها جهود عبثية وضائعة ، حتى مع افتراض حسن نية هؤلاء الرعاة .

ثانياً ـ الأسباب البعيدة / غير المباشرة  للثورة : 

1. البعد الطائفي ـ العسكري لكل من : ثورة 8آذار 1963 ، حركة 23 شباط 1966 ، حركة حافظ الأسد التصحيحية 1970 ، والدعم الدولي والإسلامي والعربي لهذه الحركة الأخيرة ( التصحيحية !! ) .

2. تبني انقلابيو 8 آذار 1963  قانون الأحكام العرفية الذي سنه انفصاليو عام 1961 . وتوظيفه في خدمةنظام عائلة الأسد ، سواء في زمن الأب ( حاظ ) ، أم في زمن الإبن ( بشار) .

3. الهزيمة العسكرية  لمصر وسوريا والأردن أمام إسرائيل عام 1967 ، واحتلال إسرائيل لكل من هضبة الجولان ، وسيناء ، والضفة الغربية وقطاع غزة .

4. الشبهة التي دارت وتدور حول البلاغ 66 الذي أصدره وزير الدفاع السوري ( حافظ الأسد ) حول سقوط القنيطرة ، قبل سقوطها بيد إسرائيل في حرب حزيران 1967، وأيضاً حول تحريرها الكاذب عام 1973 .

5. الممارسة القمعية لنظام حافظ الأسد المهزوم ، كي تبقى أسرار حربي 1967 و1973 غيرمعروفة وغيرمكشوفة للرأي العام السوري والعربي والعالمي .

6.احتلال لبنان عام 1976 ، بموافقة إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية ، وتصفية المقاومتين اللبنانية والفلسطينية ، لصالح حزب الله وإسرائيل .

7. مذابح أواخر السبعينات ، وأوائل الثمانينات في كل من حلب وجسر الشغور وسجن تدمر ومدينة حماة ( على سبيل المثال لاالحصر) والتي بلغت ضحياها عشرات الألوف من القتلى ، ومثلهم من المفقودين ، وأضعافهم من المعتقلين ، ناهيك عن القانون 49 لعام 1980 والذي يحكم بالإعدام على كل من يثبت مجرد انتمائه لجماعة الإخوان المسلمين في سورية ،

8. توريث حافظ الأسد السلطة لولده بشارعند وفاته عام 2000 م ، لكي يتابع بدوره المحافظةً على أسرار هزيمة والده عام 1967( بما في ذلك أسرار البلاغ 66 )  وما قبلها ( الهزيمة ) وما بعدها .

9. الصمت على احتلال اسرائيل لهضبة الجولان منذ عام 1973 وحتى اليوم  ، والمفاوضات السرية معها لإيجاد حل شكلي لمسألة الجولان ، مقابل التخلي عن القضية الفلسطينية ، والاعتراف باسرائيل .

ثالثاً ـ الأسباب المباشرة للثورة :

1. انبلاج فجرالربيع العربي في تونس ومصروليبيا واليمن ، ورحيل كل من : بن علي ، وحسني مبارك ، ومعمر القذافي ، وعلي عبد الله صالح ، بعد سقوط أنظمتهم الديكتاتورية والفاسدة بيد شعوبهم .

2. حادثة تلاميذ إحدى المدارس الابتدائية بدرعا ( كتابة بعض التلاميذ على جدران المدرسة ( جاك الدور يادكتور ) . ورد فعل ممثلي السلطات الأمنية بدرعا ، ولاسيما المقربين من عائلة الأسد ، رداً بذيئاً ، بعيداً عن كل التقاليد والأعراف العربية والإسلامية ، بله القبلية والعشائرية السائدة في محافظة حوران ( درعا ) .

3. أول خطاب لبشارالأسد في البرلمان السوري بتاريخ 30.03.2011 ، أي بعد خروج أبناء درعا إلى الشارع دفاعاً عن حريتهم وكرامتهم ،وبصورة كاملة السلمية ( الله ، سورية ، حرية وبس ) بتاريخ 18.3.2011 ، وبعد إطلاق النار عليهم ، وقتل العشرات منهم ، حيث توقع الناس ، أن يعتذر من أهالي درعا ، وأن يعد بمعاقبة المسؤولين الذين أهانوا كرامتهم ، ولكنه بدلاً من ذلك أعلن أنه مستعد للقتال والمجابهة ، ( إذا فرضت علينا المعركة اليوم فأهلاً وسهلاً بها )   مع اعترافه بأن مطالب المتظاهرين مطالب مشروعة .

هذا ومع العلم أنه لم يرد على لسانه في هذا الخطاب أي ذكر للعصابات المسلحة ، التي لم يخل منها أي من خطاباته أو مداخلات مرتزقة نظامه الإعلامية لاحقاً .

رابعاً  ـ الثورة السورية ومؤتمر جنيف :

تدعي أوربا وأمريكا وبعض الأنظمة العربية والإسلامية أنها تريد رحيل بشار الأسد ،  وترغب بل وتعمل بالمقابل روسيا وإيران وحزب الله وبعض الأنظمة العربية والإسلامية على بقائه . واعتمادا على المواقف اللفظية الداعمة للثورة  ( المجموعة الأولى )، والمواقف العملية الداعمة لنظام بشار الأسد( المجموعة الثانية ) ، فإن المراقب للسلوك العملي والميداني لكلا الطرفين خلال أكثر من عامين من عمر الثورة يدرك ، دون عناء، عدم وجود خلاف حقيقي بين الطرفين ، وأن الموضوع لايعدوأن يكون تقاسماً للادوار، يهدف تطبيقياً إلى ضرورة أن يستمر الصراع الدموي في سورية إلى أجل غيرمسمى، بحيث تتحول ماسبق أن استحقت وصف " قلب العروبة 

النابض " ، والتي سبق ربيعها ( ربيع دمشق ) " ربيع تونس" بعقد كامل من الزمن ،  إلى جثة هامدة ، لاتستطيع الوقوف على قدميها قبل عدة عقود ، تكون المنطقة كلها خلالها بيد الدول الكبرى ، ومن خلالها بيد الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة .

إن محاصرة النظام السوري الذي تسانده قوات ضخمة من حزب الله اللبناني والنظام الإيراني لمدينة القصيرمنذ بضعة  أيام ، إنما يصب عملياً في طاحونة مؤتمر جنيف ، الذي هو منتج " روسي ـ أمريكي " مشترك هدفه القريب والمتوسط والبعيد منع الثورة السورية من تحقيق هدفها الشرعي والديموقراطي ، في إسقاط  نظام بشار الأسد الموالي لهم ، وذلك من أجل استمرار " لعبة الصمت " على احتلال هضبة الجولان ، نصف قرن آخر ، يتم خلاله ربما  تهويد الجولان ، وربما التنازل عنه ، كما حصل في حالة لواء  اسكندرون  .

لايحتاج المرء لكثير من التحليل والذكاء ، ليفهم أن إعلان أوباما عن وجود عناصر إسلامية متطرفة ( جبهة النصرة ) تقاتل إلى جانب الجيش السوري الحر ، إنما كان يمثل إعطاء الضوء الأخضر لبشار الأسد لكي يولغ في دماء الشعب السوري ، ولروسيا لكي تتابع تزويد هذا النظام بالأسلحة الفتاكة ، وللجامعة العربية  لكي تعيد النظر في موقفها من المسألة السورية برمتها ، وهو مابدأنا نلاحظه في موقف دول هذه الجامعة ، ومن بينها ،     ــ وهذا مع الأسف الشديد ــ   الموقف المصري ، أو قل موقف الإخوان المسلمين  في مصر (!! ) .

إن القرار الروسي ـ الأمريكي ، بتحويل سورية إلى " مقبرة الربيع العربي " على حد تقدير البعض ، هو الذي يقف وراء مهمة الأخضر البراهمي  الغامضة ، وتصريحات بان كي مون المتناقضة ، وتأتآت نبيل العربي ذات الوجهين ، وبالتاليً وراء الاتفاق الروسي ـ الأمريكي ، حول إحياء مؤتمر جنيف ، وإخراجه من غرفة العناية المشددة ، ووضعه فوق طاولة المفاوضات ، بين الثورة والنظام ، مع إضافة رقم 2 إلى إسمه الأصلي  (!! ) ، وأيضاً وراء الصمت الدولي ،  المشفوع ببعض التهديدات الناعمة والكاذبة ، على اشتراك عشرات الألوف من الجنود الإيرانيين  وميليشيلات حزب الله ، في محاصرة مدينة القصير منذ بضعة أيام ، وتدميربيوتها فوق رؤوس ساكنيها ، بمن فيهم الأطفال والنساء والشيوخ .

إن مذبحة طائفية تنتظر 40000 مواطن في القصير، إذا ماقدر( لاسمح الله ) لشبيحة ووحوش بشارالأسد وحسن نصر الله والخامنئي  دخول هذه المدينة المحاصرة  .

 إننا نعتقد أن ثورات الربيع العربي ، قد فاجأت الدول الصناعية الكبرى في العالم ، ولم يكن أمام هذه الدول سوى محاولة احتواء هذه الثورات ، على النحو التالي :

ــ التأييد الشكلي لثورتي تونس ومصر ، و السكوت المدروس على إقصاء ابن علي وحسني مبارك عن الحكم ،

   حيث أدركت هذه الدول أن هذين الرئيسين ، لم يعودا في وضع يؤهلهما لخدمتها ، بعد أن أصبحا منبوذين

   ومكروهين من شعبيهما ،

ــ العمل الممنهج على احتواء الثورتين الليبية ( ثورة 17 فبراير/ شباط 2011 ) واليمنية ( ثورة 3 فبراير

   2011 )  ، عن طريق إدخال منظمة الأمم المتحدة في الموضوع  ، سواء بالتدخل المباشر في ليبيا

   ( قرار مجلس الأمن رقم ، 1973 تاريخ 17.3.2011 ) ، أوالتدخل غيرالمباشر في اليمن ( الوسيط

   الأممي  جمال بن عمر ) . 

ــ محاولة حل الأزمة السورية ، عن طريق الجمع بين الحلين الليبي واليمني ، ولكن بصورة معكوسة ، بحيث

  تتولى موسكووطهران تزويد النظام السوري بالأسلحة النوعية المتطورة التي تساعد بشار على الصمود في

  وجه الثورة والجيش الحرأطول مدة ممكنة ، بينما تطلق أمريكا وحلفائها ( ولا سيما إنجلترا وفرنسا ) التصريحات الإيجابية الموالية للثورة السورية والمعادية لطهران ، وتعلن عن مساندتها للثواروتقديم  بعض اشكال الدعم غير العسكري لهم ، هذا إضافة إلى الدور الرمادي لكل من كوفي عنان والأخضر البراهيمي         ( كممثلين لبان كيمون ) في محاولة احتواء هذه الثورة  على غرار " الحل اليمني " الذي رعته وحمته ونفذته ــ عمليا ــ دول الخليج العربي ، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية .

 إن مؤتمر جنيف ( مؤتمر لافروف ــ كيري ) المزمع عقده في الأسابيع القادمة ، لايعدو بنظرنا أن يكون سوى واحد من مخططات هذا الإحتواء .

خلاصة : 

  يبدو أن أنظمة أمريكا وإنجلترا وفرنسا جادة حقاً بمسالة تغيير بشار الأسد ، ولكن على طريقة تغيير علي عبد

  الله صالح  في اليمن ( الحل اليمني ) المتمثل بالتضحية بالرأس ، مقابل بقاء الجسد (!!) . إن مالا تعرفه جيداً

  تلك الدول الكبرى ، ولكن الثورة السورية تعرفه جيداً هو أن النظام السوري غير النظام اليمني ، ذلك أن عائلة  الأسد ، قد كوّنت خلال أكثر من أربعين عاماً نظاماً أمنياً متماسكاً ، يترابط فيه الرأس مع الجسد ، ترابطاً عضوياً ومصيرياً ، بحيث أن إزاحة أو إزالة رأس النظام ،عن كرسي الرئاسة ،  سوف تؤدي عملياً إلى انهيار النظام برمته ، حتى ولو أرادت دول مؤتمر جنيف 2 غير ذلك .  ولذلك فنحن نعتقد جازمين بأن مؤتمر جنبف ،  ــ حتى ولو عقد ــ  فإن الفشل الذريع هو ماينتظره . والله أعلم .